Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 45-56)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } والإشكال : أن ما كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من آيات صدقه أظهر من أمره أن يسأل من أهل الكتاب ؛ إذ آيات صدقه معجزات عجزت الكفرة عن إتيان مثلها ، وليس مع من أمره بالسؤال عن ذلك آيات المعجزات ، فما معنى السؤال له من أهل الكتاب عن ذلك ؟ فنقول : أمره - عز وجل - إياه بالسؤال عنهم يخرج على وجهين : أحدهما : يسألهم سؤال توبيخ وتعيير ، وسؤال تقرير وتنبيه : هل أتى رسول من الرسل - عليهم السلام - الذين أرسلوا من قبلك أو كتاب بالأمر بعبادة غير الله ؟ فيقرون جميعاً أنه لم يأت رسول بإباحة ذلك ، ولا أمر أحد منهم بذلك . والثاني : أن هذا أمر لغيره أن يسألهم ، وإن كان ظاهر الأمر والخطاب له ؛ لما ذكرنا أن أدلة صدقه أظهر من دلالة صدق أولئك ، وهو كقوله : { يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ … } [ الإسراء : 23 ] إلى قوله : { فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا } [ الإسراء : 23 ] وكقوله : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [ البقرة : 147 ] و { ٱلْمُشْرِكَينَ } [ الأنعام : 14 ] ؛ إذ معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يشك ولا يمتري في شيء من ذلك ، فرجع الخطاب إلى غير ما ذكرنا . ويحتمل أن يكون قوله - تعالى - : { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ … } الآية ؛ أي : لو سألتهم عن ذلك لقالوا جميعاً : لم يرسل بأمر بعبادة غير الله - تعالى - والله أعلم . وحكاية على هذا - وليس من نسخة الأصل - سمعت مفسراً ببخارى يقول : نزلت هذه الآية ليلة المعراج ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل بيت المقدس رأى الرسل والأنبياء - عليهم السلام - مجتمعين ، ثم تقدم وصلى بهم ركعتين ، فقام جبريل - عليه السلام - من الصف وقال : يا محمد { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ } . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَـٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ } قد ذكرنا آيات موسى - عليه السلام - التي أتى بها في غير موضع ، وفيه الأمر بتبليغ الرسالة . وقوله - عز وجل - : { فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ، وفيه أن التقية لا تسع للرسل - عليهم السلام - في ترك تبليغ الرسالة وإن خافوا على أنفسهم الهلاك . وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } هكذا عادة الفراعنة والرؤساء من الكفرة أنهم إذا أتاهم الرسل بالآيات ضحكوا منهم ، واستهزءوا بهم ؛ كقوله - تعالى - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ … } الآية [ المطففين : 29 ] . وقوله : { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } . قال بعضهم : إن كل آية تأخرت عن الآية الأخرى فهي أعظم وأكبر من التي تقدمت ؛ نحو ما كان منهم من الاستعانة ؛ حيث قالوا : { ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ } [ الأعراف : 134 ] ثم هو مما أراهم من الآيات قبل ذلك أعظم . وقال بعضهم : { إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } كانت اليد أعظم وأكبر من العصا ؛ لأن العصا قد تهيأ للسحرة تمويهها وتحويلها من جنس العصا وجوهرها إلى غيرها من الجواهر ، ولم يتهيأ لهم تحويل اليد عن جوهر اليد ، وقد كان ذلك لموسى - عليه السلام - دل أن آية اليد أكبر من آية العصا ، والله أعلم . وقال بعضهم : هذا ليس على تحقيق جعل آية أكبر وأعظم من آية العصا ، ولكن وصف الكل بالعظم والكبر ؛ كقوله - تعالى - : { آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً } [ النساء : 11 ] ليس على إثبات القرب في أحدهما دون الآخر ، ولكن وصف قرب كل واحد منها من الآخر على السؤال ، وكما يقال في العرف : إن أفراس فلان كل واحد أعدى من الآخر ، وإن أصحاب فلان كل واحد أفضل من الآخر ، وأنه لا يراد بذلك الترجيح ، ولكن إثبات المخبر عنه ؛ فعلى ذلك قوله - تعالى - : { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } وصف لهما جميعاً بالكبر ، والله أعلم . ثم ذكر قوله - تعالى - : { فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } وغير ذلك من أمثاله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليصبره على أذى قومه ، وأنواع ما كانوا يستقبلونه من الاستهزاء به وبأتباعه ، والضحك بما أتاهم من الآيات والحجج على رسالته ، وعلى ذلك ما قال : { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } [ هود : 120 ] أخبر أنه إنما قص عليه أنباء الرسل المتقدمة لتسلية فؤاده ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَالُواْ يَٰأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ … } الآية ، والإشكال أنهم كيف يسمونه ساحراً وكانوا يطلبون منه أن يدعو ربه ويسأله حتى يكشف عنهم العذاب ؟ فنقول : روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : سموه : ساحراً ؛ لأن الساحر عندهم هو العالم المعظم الذي بلغ في العلم غايته ونهايته ؛ لذلك قالوا : يا ساحر ، ادع لنا ربك ، وإلا لا يحتمل أن يكونوا يسألونه ويطلبون منه أن يدعو ربه ليكشف عنهم العذاب ، ثم يسمونه : ساحراً ويعنون به : سحراً للكذب والباطل ، والله أعلم . وقال مقاتل : إنهم قالوا : { يَٰأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ } قال لهم موسى - عليه السلام - : كيف أدعو ربي ليكشف عنكم ما ينزل بكم ، وقد تسمونني ساحراً ، فرجعوا عن ذلك فقالوا : { يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } ؛ على ما ذكر في سورة الآية [ الأعراف : 134 ] ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون قولهم : { يَٰأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ } سموه : ساحراً على ما كان عندهم أنه ساحر ، فيقولون : إنك ساحر ، إلا أن تدعو ربك فيكشف عنا الرجز ؛ فعند ذلك نعلم أنك لست بساحر وأنك رسول ؛ فنؤمن بك . ويحتمل أن يكون عندهم أن اليد البيضاء والعصا ، وما أتى به موسى مما يبلغ السحر إلى تغيير ذلك عن جوهره ، ويستفاد بالسحر مثله ، لكن سألوا منه أن يسأل ربه ما ذكروا ؛ لما علموا أن إجابة الدعاء فيما دعا لا يكون لساحر ، ولا يجاب إلا للرسول والذي على الحق ، فإذا أجابك إلى ما سألت آمنا بك ، والله أعلم . ويحتمل أن يكونوا قالوا ذلك على حقيقة إرادة السحر على التناقض والتمويه على الأتباع ؛ كقوله : { مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا } [ الأعراف : 132 ] فالآية لا يسحرهم بها ؛ لأن الآية هي التي لا حقيقة لها ولا دوام ، فإذا كان آية لا يسحرهم بها ، ولا تكون سحراً ، وإذا كان سحراً لا يكون آية ، فكانت عامة أقوالهم خرجت على التناقض ؛ على ما ذكرنا في غير آي من القرآن ، فعلى ذلك يحتمل هذا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } قد كان الله - عز وجل - عاهد موسى - عليه السلام - لئن آمنوا ، أكشف عنهم العذاب ، فلما دعا وكشف عنهم العذاب ، لم يؤمنوا ، والله أعلم . ويشبه أن يكون عهده إليه ما جعله نبيّاً واختصه لرسالته . ويحتمل قوله - تعالى - : { بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } على الإضمار ؛ كأنهم قالوا : ادع لنا ربك بما عهد كل واحد منا عندك لئن كشفت عنا العذاب إنا لمهتدون ، وهو قوله - تعالى - في آية أخرى : { لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ } [ الأعراف : 134 ] ، ألا ترى أنه قال : { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } ، أي : ينقضوا ما عهدوا ، وعهدهم ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } يقول اللعين هذا مقابل ما ادعى موسى - عليه السلام - من الرسالة ، يموه بذلك على قومه وأتباعه ؛ أي : لئن كان الله أرسل رسولا ، فأنا أحق وأولى بالرسالة من موسى ؛ ولذلك قال : { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ } أي : ضعيف لا مال له ، ولا حشم ، ولا تبع ، { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } حجته ، وكذلك قال : { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ } كما ألقي علي ، وكما أعطاني من المال والذهب . أو يقول : إن من كان له رسول يكرمه بأنواع الكرامات ويبذل له أموالا ، فإذ لم يؤته شيئاً من ذلك فليس برسول . أو يقول : إنه لو كان رسولا كما يقول ، لألقى الله عليه من الأساورة ما ألقيت أنا على أتباعي وحشمي ، ونحوه . وكان فرعون لا يزال يموه أمر موسى - عليه السلام - على قومه ، من ذلك قوله : { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ } [ الشعراء : 35 ] ، ومنه قوله : { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } [ طه : 71 ] ، ونحو ذلك كثير ، فعلى ذلك هذا منه تمويه على قومه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } . قال بعضهم : أي : لا يكاد يبين حجته ؛ لما في لسانه عقدة ورُتَّة ؛ يقول : عيي اللسان . وقال بعضهم : إن فرعون لا يعني ذلك ؛ لأن الله - تعالى - قد أذهب تلك العقدة والرتة التي في لسانه حين دعا وسأل ربه بقوله : { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي } [ طه : 27 - 28 ] ، وقد أجاب الله دعاءه ؛ حيث قال : { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } [ طه : 36 ] ، ولكن أراد - والله أعلم - : لا يكاد يبين حجته ؛ أي : ليس يأتي بحجة تأخذ القلوب . وقال القتبي في قوله : { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ } قال : أما أنا خير منه ؟ وقال أهل التأويل : أنا خير منه . وجائز أن يكون قوله : { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ } موصولا بقول فرعون حيث قال : { أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } أنا خير منه بأن لي ملك مصر ، وليس لموسى - عليه السلام - ذلك ؛ على ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } هذا القول منه يخرج على وجهين : أحدهما : يقول : إن كان موسى يدعي الملك في الدنيا ويطلبه فهلا ألقي عليه أساور من ذهب كما يلقى للملوك من الأساور ، والتاج ، وغير ذلك ، وإن كان يدعي الرسالة لنفسه فهلا كان معه الملائكة مقترنين ؛ ولا يزال الكفرة يطلبون من الرسل الآيات على وجه يتمنون هم ويشتهون ، فأخبر أن الآيات ليست تأتي على ما يتمنون ويشتهون ، ولكن على ما أراد الله تعالى . والثاني : يجمع الأمرين جميعاً فيقول : إنه يدعي الرسالة ، والرسول معظم عند المرسل ، فيقول : إن كان ما يقول حقّاً فهلا ألقي عليه الأساور تعظيماً وهلا كان معه الملائكة مقترنين ؛ تعظيماً له وإجلالا ، والله أعلم . وقال بعضهم في قوله : { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ } أي : هلا سوّر ؛ لأن الرجل منهم إذا ارتفع فيهم سوروه ، أو جاء معه الملائكة مصدقين له بالرسالة . قال القتبي وأبو عوسجة : أساور وأسورة جمع السوار ، ورجل أسوار ؛ أي : رامي ، وقوم أساورة ، وإنما سمي الرامي : أسواراً ؛ لأنه إذا أجاد الرمي جعل في يده سواراً من ذهب . وقوله - عز وجل - : { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } . قال بعضهم : أي : فاستخف بقومه واسترذلهم فأطاعوه . وقال بعضهم : { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } أي : استرذلهم واستفزهم بالخروج على أتباع موسى وطلبه فأطاعوه ، وذلك أنه أمرهم بالخروج معه في طلب موسى لما خرج من عندهم نحو البحر ، فأطاعوه في ذلك ، وخرجوا معه في طلبه ، حتى أصابهم ما أصابهم ؛ وكأن هذا أشبه وأقرب ، والله أعلم . وقوله : { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } . هذا يخرج على وجهين : أحدهما : أي : فلما عملوا الأعمال التي استوجبوا لها الغضب انتقمنا منهم على ذلك ؛ لأن ظاهر قوله - تعالى - : { آسَفُونَا } أي : أغضبونا ، وصفة الغضب على الحدوث لله - تعالى - لا تجوز ، فكأن المراد منه : ظهور أثر الغضب استوجب العذاب ، والله أعلم . والثاني : { فَلَمَّآ آسَفُونَا } أي : أغضبوا أولياءنا { ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } ؛ أي : سلطنا عليهم بدعاء أولئك الأولياء . أو ننتقم منهم بسبب إغضابهم أولياءنا ، وهو كقوله - تعالى - : { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ } [ البقرة : 9 ] أي : يخادعون أولياء الله ؛ فعلى ذلك هذا . وقوله : { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ } هو يخرج على وجهين : أحدهما : جعلناهم في العقوبة سلفاً للمتأخرين ومثلا للمؤمنين ؛ أي : عبرة لهم ، وهو كقوله : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 66 ] . والثاني : جعلناهم سلفاً ومثلا للآخرين في العظة والانزجار لهم ؛ ليمتنعوا عن مثل ما فعلوا خوفاً عن الوقوع فيما وقعوا ، والله أعلم . وقال القتبي : { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً } بالرفع والنصب ، وهو من التقدم ؛ أي جعلناهم قدماً تقدموا ، مثل : خَبَث ، وخُبُث ، وثَمَر ، وثُمُر . وكذلك يقول أبو عوسجة ؛ وقال : السلف : الخيرات ، والجميع : سلوف .