Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 66-73)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } أي : فجأة { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } بإتيانها وقيامها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } . يحتمل قوله : { إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } : الموحدين ، فتكون خلة أهل الكفر فيما بينهم في الدنيا عداوة في الآخرة ؛ لقوله : { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [ العنكبوت : 25 ] وما ذكر في غير آي من القرآن من لعن بعضهم بعضاً ، وتبرؤ بعضهم عن بعض ، كقوله - تعالى - : { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ … } الآية [ البقرة : 166 ] ، وأما خلة الموحدين المؤمنين فيما بينهم فهي خلة في الدارين جميعاً ؛ هذا يحتمل ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون قوله : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } استثنى خلة من اتقى النار بنفسه ووقى صاحبه - أيضاً - بما أمره بالطاعات لله - تعالى - والقيام بالخيرات ، وزجره عن معاصيه ومخالفة أمره ، كقوله - تعالى - : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [ التحريم : 6 ] أمرهم بوقاية أنفسهم وأهليهم ناراً ، وإنما يتقون تلك النار بالقيام بالأسباب التي أمروا بالقيام بها ، والامتناع والانتهاء عما نهوا عنها وزجروا منها ، فكل خلة فيما بين المؤمنين على هذا الوجه فهي خلة ومودة في الدارين جميعاً ، لا تصير عداوة ؛ لأنها لله - تعالى - وطلب مرضاته ، فأما الخلة التي تكون فيما بينهم للدنيا فهي تصير عداوة - أيضاً - على ما ذكرنا ، والله أعلم . وقد روي في الخبر عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الأخلاء أربعة : مؤمنان وكافران ، فمات أحد المؤمنين فيسأل عن خليله ، فقال : اللهم لم أر خليلا آمر بمعروف ولا أنهى عن منكر منه ، اللهم اهده كما هداني وأمته على ما أمتني ؛ فإنه كان يأمرني بالمعروف والخيرات والطاعة لك ، وينهاني عن المنكر والشر والمعصية لك ، ومات أحد الكافرين ، فيسأل عن خليله ، فقال : اللهم لم أر خليلا آمر بمنكر ولا أنهى عن معروف منه ، اللهم أضله كما أضلني ، وأمته كما أمتني ، قال : ثم يبعثون يوم القيامة ، فقال : لعن بعضكم على بعض ، فأما المؤمنان فيثني كل واحد منهما على صاحبه ثناء حسناً ، أما الكافران فيثني كل واحد منهما على صاحبه ثناء قبيحاً " . وعلى هذا السبيل روي هذا الحديث عن علي رضي الله عنه . وروي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال : أحب في الله ، وأبغض في الله ، وواد في الله ، ووال في الله ، فإنما ينال ولاية الله في ذلك ، لا ينال ما عند الله إلا بذلك ، وقال : ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه وصدقته ، حتى يكون كذلك ، وقد صار عامة مؤاخاة الناس اليوم ، ولكن لا تجزئ عن أهله شيئاً ، ثم قرأ : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } وقرأ : { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ … } الآية [ المجادلة : 22 ] ، فقول ابن عباس يومئ إلى أن كل خلة ومؤاخاة فيما بين المؤمنين للدنيا فهي تصير عداوة في الآخرة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } أي : لا خوف عليكم خوف الغير ، كقوله - تعالى - : { لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا } [ الكهف : 108 ] { وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } أي : لا خوف عليكم خوف الأحوال ؛ أي : لا حزن لهم في حال كونهم فيها ، ولا لهم فيها خوف غير ذلك ، ولا زواله عليهم ؛ لأن خوف الزوال مما ينغص صاحبه النعمة التي هي له ؛ يخبر أن ذلك دائم باق لا زوال له ولا فناء ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } والإشكال : أنه سماهم مؤمنين مسلمين بالآيات ، والإيمان والإسلام يكون بالله تعالى . فنقول : لأن الإيمان هو التصديق - في اللغة - بما أنبأت الآيات بوحدانية الله وألوهيته ؛ لأن جهة سبيل معرفة الله تعالى وطريق العلم به إنما هو بالآيات والحجج التي أقامها على ذلك ، ليس من جهة العيان والمشاهدة ؛ فالإيمان بالآيات والتصديق بها تصديق بالله حقيقة وإيمان به ، والله أعلم . وقوله : { وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } ظاهر هذا يوهم أن الإيمان والإسلام غَيْران ، لكن هذا من حيث ظاهر العبارة ، فأما في الحقيقة هما يرجعان إلى معنى واحد ؛ لأن الإسلام هو جعل كل شيء لله - تعالى - سالماً ، لا يشرك فيه غيره ؛ كقوله - تعالى - : { وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ } [ الزمر : 29 ] ، أي : خالصاً سالماً ، لا حق لأحد فيه سواه ، والإيمان هو الوصف له بالربوبية في كل شيء ، ومعناهما في الحاصل والتحقيق يرجع إلى معنى واحد ؛ لأنك إذا وصفته بالألوهية والربوبية جعلت كل شيء لله سالماً ، وإذا جعلت كل شيء لله - تعالى - سالماً وصفته بالألوهية والربوبية في كل شيء ؛ فدل أن حاصل الإيمان والإسلام واحد ، وإن كانا من حيث ظاهر العبارة مختلفين ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ } يحتمل الأزواج من وجهين : أحدهما : الأزواج المعروفة ؛ وهي الأهل ؛ لما وقوهم في الدنيا عن الأسباب التي بها يستوجبون النار ؛ كقوله - تعالى - : { قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [ التحريم : 6 ] . ويحتمل الأزواج التي ذكر : القرناء ، والأشكال الذين أعانوا على الأعمال الصالحة التي بها نالوا الجنة كقوله - تعالى - : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } [ الصافات : 22 ] [ أزواجهم ] - هاهنا - قرناؤهم الذين أعانوهم على ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { تُحْبَرُونَ } . قال أبو عوسجة والقتبي : أي تسرون ، والحبرة : السرور . وقال بعضهم : { تُحْبَرُونَ } أي : تكرمون وتنعمون ، وهو ما ذكرنا ؛ أي : ليس عليهم خوف الزوال والفناء ولا حزن الحال ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ } . يحتمل ذكر الصحاف من الذهب والأكواب وجوهاً : أحدها : ذكر ذلك لهم في الآخرة ؛ ترغيباً لهم فيها ، وتحريضاً لما يرغبون بمثل ذلك إلى السعي للآخرة ، والله أعلم . والثاني : يحتمل إنما ذكر ذلك ؛ لأن أهل الدنيا كانوا يتفاخرون بهذه الأشياء في الدنيا ، فيخبر أن لأوليائه ذلك في الآخرة ، وذلك دائم ، وهذا فانٍ ، ولا عبرة للفاني ؛ فلا معنى للافتخار به . ويحتمل أنه ذكر ذلك ؛ لأنه حرم عليهم الانتفاع في الدنيا باستعمال الذهب والفضة والحرير ، فأخبر أن لهم الانتفاع بذلك في الآخرة التي هي دار التنعم ، فأمّا ما سوى ذلك من الفرش والأواني فإنه لا بأس بذلك ، وهو مباح في الدارين جميعاً . وأما ذكر الأكواب يحتمل للترغيب ؛ على ما ذكرنا ؛ لأنهم يتمنون ويرغبون فيها في الدنيا . والثاني : يخبر أن لا مؤنة عليهم في حمل الأواني ورفعها عند الشرب والأكل ، ولا يتولون ذلك بأنفسهم ، لكن الخدم هم الذين يتولون سقيهم . الصحاف : جمع الصحفة ؛ وهي القصعة التي ليست بضخمة ، والأكواب : الأباريق التي لا عرا لها ولا خراطيم ، واحدها : كوب ، ويقال : كيزان لا عرا لها ؛ قاله أبو عوسجة والقتبي . وقوله - عز وجل - : { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ } فذلك في الجنة ليس كنعيم الدنيا ؛ لأن في الدنيا قد يشتهي شيئا ولا تلذ به العيون والله أعلم . ويحتمل أنه إنما ذكر ذلك في الآخرة ؛ لما منعوا وحرموا في الدنيا ما اشتهت أنفسهم الانتفاع به والتلذذ ؛ عوضاً وبدلا عما كفوا أنفسهم في الدنيا عن الانتفاع بذلك ، وإعطاء الأنفس ، أو حرموا ومنعوا وحيل بينهم وبين ذلك و [ ما ] تلذ به الأعين لما غضوا أبصارهم في الدنيا عما لا يحل والله [ أعلم ] . وقوله : { وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِيۤ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ، أن الله بفضله عود عباده لما كان منه من الإحسان والإنعام ، كأن ذلك كله منهم إليه ، فضلا منه ؛ حيث نسب الجنة التي يعطيهم إلى أعمالهم التي عملوها ، وإن كانوا لا يستوجبون الجنة وما فيها بالأعمال حقيقة ؛ فلذلك ما ذكر في الخبر عن نبي الله أنه قال : " لا يدخل الجنة أحد إلا برحمة الله " ، قيل : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته " ، أخبر أن لا أحد يدخل الجنة إلا برحمته ، لكنه نسب الجنة التي يعطيهم وما ذكر من الثواب إلى أعمالهم ؛ فضلا منه وإنعاماً ، وكذلك ما ذكر من قوله - تعالى - : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ } [ التوبة : 111 ] ، ذكر أنه اشترى أنفسهم وأموالهم بالجنة يعطيهم ، وأنفسهم وأموالهم في الحقيقة له ، ولا أحد يشتري ملكه ، وماله بمال نفسه وملكه ، لكنه ذكر ذلك شراء إفضالا منه ؛ كأن لا ملك له في ذلك ولا حق ، وكذلك ما ذكر من الإقراض له بقوله : { وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [ الحديد : 18 ] ، ولا أحد يستقرض ماله وملكه من غيره ، لكنه عاملهم معاملة من لا ملك له في أموالهم وأنفسهم بما جعل لهم من الثواب والعوض ؛ فعلى ذلك نسبة الجنة والثواب الذي ذكر لهم إلى أعمالهم ؛ إفضالا منه وإنعاماً ، وإن لم يستوجبوا ما ذكر بالأعمال . وقوله : { لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ } . مثل هذا الوعد كأنه إنما جاء لأهل مكة ، فكان لا فواكه لهم فيها ولا ثمار ، يخبر أن لكم في الجنة من الفواكه الكثيرة ما لا يفني ، ولا ينقطع ، { مِّنْهَا تَأْكُلُونَ } تأكلون ما شئتم ؛ فلا يؤذيكم ولا يضركم وإن أكثرتم . ويحتمل إنما ذكر ؛ لما عرف من رغبة الناس إلى الفواكه والثمار في الدنيا ، رغبهم بها في الآخرة ، وحثهم على رفع الهمم ، والله أعلم .