Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 74-78)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } . الإجرام : هو الكسب في اللغة ، والمجرم : الكاسب ؛ يرجع ذلك إلى كل كاسب مما جل أو دق ، إلا أن الناس عرفوا أن العذاب المذكور للمجرم الخاص وهو الكافر المشرك ؛ فلا يجوز صرفه إلى كل كاسب ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ } . يذكر هذا ؛ ليعلم أن النار وإن أنضجت جلودهم وأحرقتهم ، لا يفتر التألم عنهم بنضج الجلود ، بل التوجع والتألم بعد نضج جلودهم واحتراقها على ما كان قبل النضج ، والله أعلم . قال : { وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } . قال بعضهم : المبلس : الآيس . وقال بعضهم : المبلس : الذليل الخاضع . وقال الزجاج : المبلس : هو الساكت عن الكلام كمن لا يرجو الفرج من نطقه ؛ لأن من يتكلم إنما يتكلم لفرج يرجو من نطقه أو كلام ونحوه . وقوله - عز وجل - : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } في التعذيب الذي يعذبون ، { وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّالِمِينَ } ، ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم ؛ حيث عبدوا من لا يملك دفع العذاب عنهم ، وتركوا عبادة من يملك دفع ذلك عنهم ، والله أعلم . ويحتمل : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } في ترك البيان عليهم ، أي : لم نترك بيان ما عليهم وما لهم ، بل بينا لهم عاقبة السبيلين جميعاً أنه إلى ذلك [ و ] ذا يفضي عاقبة هذا السبيل ، ولكن هم ظلموا أنفسهم حيث اختاروا السبيل الذي أفضاهم إلى ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } . كأنهم يقولون : يا مالك ، سل ربك ليقض علينا بالموت ، يفزعون أولا إلى المؤمنين وهو قولهم : { أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [ الأعراف : 50 ] ، فلما أيسوا من ذلك يفزعون إلى الله تعالى يسألون الرجوع إلى المحنة ؛ ليعملوا غير الذي عملوا بقولهم : { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ } [ فاطر : 37 ] ، فلما أيسوا عن ذلك يفزعون إلى مالك ؛ ليسأل ربه ؛ ليقضي عليهم بالموت ، فقال : { إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } ، وهو ما قال - عز وجل - : { لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ … } الآية [ فاطر : 36 ] . وقوله - عز وجل - : { لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ } هذا على أثر ما ذكر ؛ كقوله تعالى : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا } [ غافر : 51 ] على أثر قوله : { أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ … } الآية [ غافر : 50 ] . يحتمل أن يكون القولان جميعاً من الله تعالى ، أعني : قوله تعالى : { لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ } ، وقوله - تعالى - : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا } [ غافر : 51 ] ، والله أعلم . ويمكن أن يكون العذاب جميعه من الملائكة ؛ إذ جائز إضافة الرسل إلى الملائكة ؛ إذ هم رسل الناس رسولنا فعل كذا ، والله أعلم . ثم قوله : { لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ } . الحق : كل ما يحمد عليه [ فاعله ] ويحمد هو بما منه ذلك الفعل ، والباطل : كل ما يذم عليه فاعله ويذم هو بما منه ، والله أعلم . ثم الحق المذكر يحتمل القرآن ، ويحتمل الحق : ما تركوا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما دعاهم إليه ، ويقولون : الحق هو الذي عليه آباؤنا { وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } ، ثم قال : { أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ } ، وقال هاهنا : { لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ } أي : جئناكم بما هو أهدى وأحق مما عليه آباؤكم . وقوله : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } . فإن قيل : كيف قال : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } وإنما خاطب به أهل النار ، وكانوا جميعاً كارهين للحق . نقول : إنه يخرج على وجهين : أحدهما : أن أكثرهم قد عرفوا أنه الحق ، لكنهم كرهوا اتباعه والانقياد له ؛ عناداً منهم ومكابرة بعد ظهور الحق عندهم وتبينه لديهم ؛ مخافة ذهاب الرياسة عنهم وزوال مكانتهم ولم يظهر لأقلهم ، ولم يعرفوا ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون ما ذكر من كراهة أكثرهم للحق بحق الطباع ؛ كان في طباع أكثرهم كراهة ذلك الحق ، والله أعلم .