Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 15-20)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً } و { حُسْناً } [ العنكبوت : 8 ] ؛ كأنه قال : أمرنا الإنسان أن يحسن إلى والديه ، فالحسن : هو اسم ما يقع بهم من البر ، وهو المفعول ، والإحسان هو اسم فعله الذي يفعل بهم . وقوله - عز وجل - : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } ، وقال في آية أخرى : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ } [ لقمان : 14 ] ، وقال في آية أخرى : { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً } [ الأعراف : 189 ] أي : إنها في أول ما حملت [ حملت ] حملا خفيفاً ، فلما كبر أثقلت ، وهو وصف الولد . وقوله - عز وجل - : { وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ } [ لقمان : 14 ] وذلك في الأم ؛ لأنها لا تزال تضعف وتوهن من أول ما حملت إلى آخر ما وضعت . وقوله - تعالى - : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } في أول ما تحمل تجد كراهة في نفسها إلى وقت وضعها . والثاني : يشبه أن يكون على الجمع في الأم دون الولد على اختلاف الأحوال ، وهو في الابتداء يخف عليها الحمل ، ويثقل ذلك عليها إذا دنا وقت وضعها ، وما ذكر من الوهن فهو ما ذكرنا أنها لا تزال تزداد ضعفاً فيها ووهناً من أوّل حملها إلى وقت وضعها ، وما ذكر من الكراهة فهو إذا تم حملها شق ذلك عليها ، وكذلك الوضع ، لا شك أن ذلك يشق عليها . والتأويل الأوّل على التفريق في حال يرجع الوصف إلى الولد ، وفي حال إلى الوالدة ، والثاني يرجع ذلك كله إلى وصف الأم ، وعلى التأويلين حصل التوفيق بين الآيات ؛ لرجوعها إلى اختلاف الأحوال ، فأمكن الجمع بين الكل في أحوال ، والاختلاف إنما يكون في حال واحد ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } اختلف فيه : قال بعضهم : إن الآية نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حملته أمه كرهاً ؛ أي : بمشقة ، ووضعته بمشقة ، ثم وضعته على تمام ستة أشهر . وقال بعضهم : الآية نزلت في الحسن أو الحسين - رضي الله عنهما - وضعته [ أمه ] على ما ذكر في المدّة . ثم منهم من يقول : الآية وإن نزلت في نازلة بعينها ، لكن ما ذكر من الحكم فذلك في كل إنسان وهو أن يكون الولد ثابت النسب من الأب بهذه المدة ، فإنه روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه أتي بامرأة وضعت في ستة أشهر ، فأراد أن يرجمها ، فقال ابن عباس - رضي الله عنه - يا أمير المؤمنين ، إن الله - تعالى - قد جعل في كتابه مخرجاً ؛ قال الله - تعالى - : { وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [ البقرة : 233 ] ، وقال : { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } ستة أشهر لحملها ، ورضاعه سنتين ، فأخذ بقول ابن عباس - رضي الله عنه - ودرأ عنها الرجم . وكذلك روي عن عثمان - رضي الله عنه - أنه أتي بامرأة وضعت لستة أشهر ، فهمّ أن يرجمها ، فقال له ابن عباس : أما إنها لو خاصمتكم بكتاب الله خصمتكم ، ثم تلا هذه الآية . وكذلك ذكر عن علي - رضي الله عنه - أن عثمان - رضي الله عنه - لما أمر برجم المرأة التي وضعت لستة أشهر ، فسمع علي - رضي الله عنه - فأتى عثمان - رضي الله عنه - فقال له : ما صنعت ؟ فقال له عثمان - رضي الله عنه - : وهل تلد المرأة الولد التام لستة أشهر ؟ قال : نعم ، ثم تلا عليه هذه الآية . فهؤلاء الصحابة - رضي الله عنهم - قد رأوا الآية في كل امرأة وضعت لتلك المدة في حق ذلك الحكم الذي ذكر ، والله أعلم . ثم روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : إذا وضعت المرأة لستة أشهر أرضعته حولين كاملين ؛ لأن الله - تعالى - يقول : { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } وإذا وضعت لسبعة أشهر أرضعته ثلاثة وعشرين شهراً ، وإذا وضعته لتسعة أشهر ، أرضعته أحداً وعشرين شهراً ، فعلى قياس هذا جائز أنها [ إن ] وضعته لسنتين أن يكفي رضاع ستة أشهر ، يزاد وينقص على ذلك القدر ؛ ألا ترى أنه روي أن المرأة التي حملت سنتين ولدت وقد ثبتت له سنتان ؛ فمثل هذا الولد لا يحتاج من الرضاع ما يحتاج الذي ولد لستة أشهر ؛ لذلك كان ما ذكرنا . ثم إذا احتمل النقصان عن الحولين ؛ لما ذكرنا جازت الزيادة على الحولين ؛ على ما قال أبو حنيفة - رحمه الله - لأن ما ذكر من الحولين إنما هو رضاع أقل الحمل ، وهو ستة أشهر ؛ لأن الذي ولد لستة أشهر كان إلى الاغتذاء بالطعام أبعد من الذي ولد لتسعة أشهر ؛ لضعفه في نفسه ، والذي ولد لتسعة أشهر فهو إلى الاغتذاء بالطعام أقرب منه ، والذي ولد لسنتين هو أقرب إلى الاغتذاء بالطعام من المولود لتسعة أشهر ؛ لقوته وقلة حاجته إلى الغذاء باللبن ، فإذا كان قوله - تعالى - : { حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [ البقرة : 233 ] هو أقل رضاع يكون ؛ لأنه ذكر للمولود لأقل الحمل ؛ حيث قال : { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } ثم قال : { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } [ لقمان : 14 ] فإذا كان أقل احتمل الزيادة التي ذكر أبو حنيفة - رحمه الله - وهو ستة أشهر على السنتين ، كما يصير رضاع أكثر الحمل ستة أشهر ، واعتبر في الباب إلى قوة الولد ، واحتمال الغذاء بالطعام ، وعدم الاحتمال ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً … } إلى آخر [ ما ] ذكر . دلت هذه الآية على أن الآية التي ذكرنا نزلت في نازلة ؛ حيث أخبر أنه إذا بلغ ذلك المبلغ قال : { رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ . … } الآية . ثم قوله - تعالى - : { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } ذكر أوّل ما يشتد عقله ، ويدخل في القوة إلى الوقت الذي يكون على الزيادة ، فإذا جاوز ذلك الوقت يأخذ في الانتقاص ، وهو أربعون سنة . وقال أهل التأويل : بلوغ الأشد هو ثماني عشرة سنة إلى أربعين ، وهو ما ذكرنا : أنه أول وقت دخوله في الزيادة والقوة إلى الوقت الذي إذا بلغ ذلك يأخذ في النقصان ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ } دل قوله : { وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ } على أن [ على ] الرجل شكر ما أنعم على والديه وأحسن إليهما كما يلزمه شكر ما أنعم عليه ؛ لما يكون بدء إسلام الأولاد الصغار بالوالدين وما لهما من النعم يصل نفعها إليهم - أيضاً - فيلزمهم شكر ما أنعم عليهم بالإيمان والنعم في وقته . وقوله - عز وجل - : { وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ } هذا على كل مسلم أن يدعو بمثل هذا الدعاء ، يسأل ربه التوفيق على عمل صالح يرضاه . وقوله - عز وجل - : { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ } هذا يحتمل وجهين : أحدهما : أي : أصلح لي ذريتي ؛ على طرح حرف { فِي } منه ؛ كقوله : { هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } [ آل عمران : 38 ] ، وقوله - عز وجل - : { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ } [ مريم : 5 - 6 ] ، والله أعلم . ثم قوله - تعالى - : { أَوْزِعْنِيۤ } : ألهمني . وفيه دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنه سأل ربه أن يوزعه شكر ما أنعم عليه ، ومن قولهم أن ليس على المرء الشكر إلا بعد إعطاء جميع ما به يشكر حتى لا يبقى عنده مزيد ؛ فيكون مثل هذا الدعاء من العباد ردّاً على قولهم ؛ لأنهم يسألون ما يعلمون أن ليس عنده ذلك ، وأنّه لا يملكه ، وكذلك قوله : { وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ } ، ومن قولهم أنه ليس عنده ما يغيثه ، فيخرج دعاؤهم على ما ذكرنا على مذهبهم ، وبالله العصمة . وقوله - عز وجل - : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ } كأنْ لهم عملان : حسنات وسيئات ، فأخبر أنه يتقبل عنهم حسناتهم ، ويجزيهم جزاءها ، ويتجاوز عن سيئاتهم ويكفرها ، ولا يجزيهم جزاءها ؛ فضلا منه ورحمة ، والمراد من الأحسن : الحسن ، ويجوز ذلك في اللغة . وقوله - عز وجل - : { وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } أي : ذلك الذي أخبر وذكر أنه يفعل لهم هو وعد الصدق يفي ذلك لهم ، وهو قادر على وفاء الوعد ، ومن يكون منه الخلف في الوعد في الشاهد إنما يكون لأحد وجوه ثلاثة : إما لعجز يمنعه عن وفاء ما وعد . أو جهل وبدو شيء رآه فرجع عن ذلك . أو حاجة . والله - سبحانه وتعالى - يتعالى عن ذلك كله ؛ للقدرة الذاتية ، والغنى الذاتي ، والعلم الأزلي ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ … } إلى آخر ما ذكر . خرج أهل التأويل هذه الآية في عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهما - ووالدته فلانة ، والآية الأولى في أبي بكر الصديق ووالديه ، وهي قوله : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ } فيقولون : إن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - أطاع والديه وأمر بالإحسان إليهما ، والشكر لهما ، وسأل التوفيق في الشكر له به على ما أنعم عليه وأنعم على والديه ، وعبد الرحمن ابنه قد عصى والديه وخالفهما فيما يدعوانه إليه ، وقال لهما قولا رديّاً ؛ حيث قال : { أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ } من القبر وأحيا { وَقَدْ خَلَتِ } من قبلي من القرون فلا أراهم بعثوا ، ونحو ذلك من الكلام . إلا أن هذا لا يصح ؛ لأن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق في أجلة الصحابة - رضي الله عنهم - فالظاهر أنه لم يكن منه مثل هذه المجادلة ؛ ولأن أهل التأويل قالوا : إنه كان قال لوالديه : إن كان ما تقولون حقّاً أخرجوا فلاناً وفلاناً ؛ ذكر نفراً من أجداده ، فقال : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ … } الآية ، ولا يحتمل أن يكون هذا جواب ما تقدم من القول ؛ لأنه في وجوب ما ذكر - وهو استحقاق العذاب عليهم - منع العود والإحياء في الدنيا ، ولأنهم لو كانوا يعادون لا يسقط ذلك الذي حق عليهم ؛ إذ هم لا يؤمنون ؛ ألا ترى أن الله - تعالى - قال : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] . لكن جائز أن تكون الآيتان في رجلين من ولد بني آدم مع والديهما : أطاع أحدهما والديه وأجابهما إلى ما دعواه إليه ، وأبى الآخر إجابة والديه إلى ما دعواه إليه ، وخالفهما في أمرهما فاستغاث والداه ممن عصاهما وخالفهما في أمرهما وقالا ما ذكر في الآية ، وقال من أجابهما ما ذكر ، وهو كما ذكرنا في قوله - تعالى - : { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً } [ الأعراف : 189 ] صرف أهل التأويل بأجمعهم هذه الآية إلى آدم وزوجته حوّاء - عليهما السلام - وقلنا نحن : جائز أن يكون هذا في كل والد ووالدة يقولان ما ذكر ويدعوان إلى ما ذكر ، فلما آتاهما ما ذكر من الصلاح كانا ما ذكر ، فعلى ذلك جائز أن تكون الآيتان اللتان ذكرناهما تكونان في كل ولد مع والديه : من أجاب والديه ومن عصاهما - والله أعلم - فلا تصرف الآية إلى من ذكروا إلا ببيان من الله - تعالى - على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم : أنها في كذا وكذا ، وفي فلان وفلان ، على طريق التواتر ، فعند ذلك يقال ما قالوا ، فأما إذا لم تثبت النصوص والإشارة إلى قوم بالتواتر فالكف عن ذلك أسلم ، والله أعلم . ودل قوله : { وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ } أن عند الله لطفاً لو أعطى ذلك لآمن . وقوله : { وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ } [ أي : ] فيقولان : { وَيْلَكَ آمِنْ } ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } من خير أو شر { وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي : ليوفينهم أجر أعمالهم ، وجزاء أعمالهم من خير أو شر { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي : لا ينقصون من خيراتهم ، ولا يزداد لهم في سيئاتهم . وقوله - عز وجل - : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } ، وقال في آية أخرى : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ } [ الأحقاف : 34 ] ، وقال في آية أخرى : { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً } [ الزمر : 71 ] ، ونحوها ؛ يذكرهم بهذه الآيات وأمثالها ؛ ليعرفوا ما كان منهم ، وما استوجبوا من العقوبات إنما استوجبوا بما كان منهم في الدنيا من التكذيب والاستهزاء بآياته ؛ لينزجروا عن ذلك . ثم قوله - عز وجل - : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } يخرج على وجهين : أحدهما أذهبتم طيباتكم التي أعطيتموها في منافعكم وأتلفتموها ولم تؤدوا شكرها ، ولم تقوموا بوفائها ، والله أعلم . والثاني : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } أي : أتلفتموها ، ولم تكتسبوا بها الطيبات الموعودة في الآخرة والنعم الدائمة ، فكل ما أعطي في هذه الدنيا من الأموال إنما أعطي ليستعينوا بها على عمل الآخرة ، وليتزودوا بها ، ويجعلوها زداً للآخرة ، فأما إذا جعلوها في غير ذلك فهو إتلاف ، وجعل في غير ما جعل ، وذلك وبال عليهم وحسرة ، وهو ما قال الله - تعالى - : { وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ } [ الأنعام : 32 ] وكذا ذكر : { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ } [ آل عمران : 117 ] ، فكل نفقة كانت في غير ما ذكر من الاستعانة على زاد الآخرة والتزود لها فهي لحياة الدنيا ، وهي لعب ولهو ، وهو ما ذكر من الريح فيها صرّ ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ } أي : عذاب تهانون فيه ، يهينكم ذلك العذاب . وقوله - عز وجل - : { بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } يحتمل استكبارهم الذي ذكر على الرسل ، استكبروا على الرسل فتركوا اتباعهم ، فاستكبروا على آياته . وقوله - عز وجل - : { وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ } والفسق هو الخروج عن أمر الله تعالى .