Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 21-28)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ } . هذا يحتمل وجهين : أحدهما : أي : اذكر نبأ أخي عاد ، وهو هود - عليه السلام - بما عامله قومه من سوء المعاملة ، وما قاسى هو منهم ؛ لتتسلى بذلك [ عن ] بعض ما عامل به قومك معك ، والله أعلم . والثاني : واذكر نبأ عاد بما نزل بهم من العذاب والاستئصال بتكذيبهم الرسل ، والاستكبار عليهم ، والاستهزاء بهم ؛ لتحذر به قومك في تكذيبك والاستهزاء بك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ } أي : خوف قومه بالأحقاف . وقد اختلف في تأويل الأحقاف : [ قال بعضهم ] : هو اسم أرض خوفهم بنزول العذاب هنالك . وقال بعضهم : هي جبال من رمل مستطيلة مرتفعة . وقال القتبي : الأحقاف : واحده : حقف ، وهو الرمل ما أشرف من كثبانه واستطال وانحنى . وقال أبو عوسجة : الأحقاف : رمل بشحر عمان ، وهي منازل عاد فيما زعموا وشحر تلاوة . وقيل : الحقف : تل معوج . وقال بعضهم : الأحقاف : الجبل حين نضب الماء زمان الغرف كان ينضب عن المكان من الجبل ويبقى أثره ، وينضب من مكان أسفل من ذلك ويبقى أثره دون ذلك ؛ فذلك الأحقاف . وقيل - أيضاً - : الأحقاف : جبل بالشام . وقيل : هو المكان الذي كان منازل عاد ومقامهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } أي : خلت الرسل من قبل هود [ و ] من بعده ، عليه الصلاة والسلام . وقوله - عز وجل - : { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ } كأن الخطاب بهذا وقع للكل ؛ يقول : ثم الرسل - عليهم السلام - ينذرون قومهم بأنواع العذاب عند تكذيبهم إياهم ، ولم يزل الرسل - عليهم السلام - من قبل ومن بعد ، دعوا الناس إلى عبادة الله - تعالى - ونهوهم عن عبادة غيره . وقوله - عز وجل - : { إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } يحتمل قوله : { أَخَافُ عَلَيْكُمْ } حقيقة الخوف ؛ لما لم ييئس من إيمانهم واتباعهم إياه ؛ لذلك لم يقطع فيهم القول بنزول العذاب بهم ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون الخوف هو العلم حقيقة ؛ أي : أعلم أن ينزل بكم عذاب يوم عظيم إن ختمتم على ما أنتم عليه ، وقد يذكر الخوف في موضع العلم . وقوله : { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا } أي : قالوا لهود - عليه السلام - : أجئتنا لتصرفنا عن عبادة آلهتنا . وقال بعضهم : لتردّنا عن عبادة آلهتنا . وقال بعضهم : لتكذبنا في آلهتنا ، والإفك : الكذب ؛ وكله واحد . وأصل الإفك : الصرف ؛ كأنهم قالوا : أجئتنا لتصرفنا عن عبادة آلهتنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } كانوا يقولون ذلك استهزاء به منهم ، ولم يزل الكفرة يسألون ويستعجلون العذاب الذي كانوا يوعدون استهزاء منهم وتكذيباً بما يوعدون ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ … } الآية . أجابهم هود - عليه السلام - أن العلم بنزول العذاب ووقته عند الله ، وأبلغكم ما أرسلت به من الدعاء إلى توحيد الله - تعالى - والنهي عن عبادة غيره . أو يقول : أبلغكم ما أمرت من التبليغ بنزول العذاب بكم ، ولست أبلغكم أنه متى ينزل بكم ؟ لما لم أومر به . وقوله - عز وجل - : { وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } دين الله ، أو تجهلون آيات الله وقبولها ، أو تجهلون نعم الله وإحسانه ، أو تجهلون أمر الله تعالى . وقوله - عز وجل - : { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } . قال بعضهم : العارض : السحاب ، فقالوا : هذا سحاب ممطرنا ، وكان حقيقة العارض الريح التي فيها عذاب أليم ظنوا أنها سحاب ، ولم تكن سحاباً ، ولكن كانت ريحاً ، لكن من ذلك الجانب كان يأتيهم السحاب الممطر ؛ [ لذلك ] { قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } . وقوله - عز وجل - : { بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ } كأن هوداً - عليه السلام - قال لهم : ليس هو بعارض ممطر ، ولكن هو ما استعجلتم به من العذاب حيث : قلتم : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } هو ريح فيها عذاب أليم . ثم وصف تلك الريح فقال كما أخبر الله - تعالى - بقوله - عز وجل - : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } يخرج قوله : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } على وجهين : أحدهما : تدمر كل شيء أرسلت وأمرت بتدميره ، لا تجاوز أمر ربها ، ولا تدمر ما لم ترسل ولم تؤمر بتدميره ؛ كقوله - تعالى - : { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } [ الذاريات : 41 - 42 ] هذه الآية تفسر قوله : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ } أتت عليه وأمرت بتدميره ، فأما ما لم تؤمر بتدميره فلا ؛ على ما ذكر في تلك الآية ، والله أعلم . والثاني : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ } أي : عند من عاينها وتأمّلها عنده أنها تدمر كل شيء ، لا تبقي شيئاً على وجه الأرض ؛ لشدتها وقوتها ، لكنها لا تجاوز أمر ربها ؛ ألا ترى أنها لا تدمر هوداً وأتباعه ، وهم فيهم وبقرب منهم ، وهو كقوله - تعالى - : { وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ } [ إبراهيم : 17 ] أي : يأتيه أسباب الموت وما به يموت لو كان فيه أمر الموت ، فعلى ذلك قوله - تعالى - : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ } أي : تدمر كل شيء عند من عاينها ونظر في أحوالها وأهوالها أن لو كان لها أمر بذلك ، لكنها لم تجاوز أمر ربها ؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى : { فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } في ظاهر هذه الآية أنها قد أبقت مساكنهم ولم تدمرها ، وكذلك قال في آية أخرى : { تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } [ القمر : 20 ] قال بعضهم : إنهم لما التجئوا إلى مساكنهم وهربوا منها كانت تدخل الريح مساكنهم وتخرجهم منها فتلقيهم في صحاريهم وأفنيتهم موتى . وقال بعضهم : تنزع مفاصلهم ، وتقطعها ، ثم تلقيهم في أفنيتهم ؛ على ما وصف ، وشبههم بأعجاز نخل منقعر ، فالريح التي تعمل في إخراج أهلها من مساكنهم وإبقائهم في الفيافي ، لأن تعمل في هدم المساكن والمنازل أولى ، وكذلك إذا عملت في نزع المفاصل وقطعها ففي نقض البنيان والمساكن أولى ، ومع ذلك لم تعمل في هدم مساكنهم ؛ فدل ما ذكرنا أنها لم تجاوز أمر ربها في الإهلاك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ … } الآية . يحتمل : { لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } وجهين : أحدهما : أي : لم تترك الريح من عاد ومما لهم إلا مساكنهم التي ذكر . والثاني : { لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } إلا آثار مساكنهم . فعلى أحد التأويلين تركت لهم المساكن ، لم تهلكها ، وعلى التأويل الآخر : تركت آثار مساكنهم ، فأما نفس مساكنهم فقد أهلكتها . وهذان التأويلان خرجا على ما ذكرنا من التأويلين في قوله - تعالى - : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } ، فالأول على التأويل [ الأول ] في قوله : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ } أرسلت وأمرت بتدميره ، ولم تؤمر بتدمير مساكنهم ، فبقيت ، والتأويل الثاني على التأويل الثاني في قوله : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ } عند من عاينها ونظر إليها ؛ لشدتها وقوتها ، فتدمر مساكنهم - أيضاً - فلا ترى إلا آثارها ، لكن سماها : مساكن باسم ما قد كان ، وأنه أمر مستعمل في عرف لسان اللغة ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } كأن المجرم هو الذي يديم اكتساب الجرم والإثم . وقال بعضهم : هو الوثاب في الجرم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ … } الآية ، [ اختلف ] فيه : قال بعضهم : { إِن } هاهنا في موضع " لم " كأنه يقول : ولقد مكناهم فيما لم نمكن لكم من القوة ، والشدة ، والعقل ، والبصيرة ، وغير ذلك ، وذلك قوله - تعالى - : { وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ } أي : قد مكنا عاداً فيما ذكرنا ما لم نمكن لكم يأهل مكة في ذلك ؛ ثم إذا أتاهم عذاب الله بتكذيبهم الرسل لم يملكوا دفع عذابه ، فأنتم حيث لم نمكن لكم ذلك أحرى ألا تملكوا دفع عذابه إذا نزل بكم بتكذيبكم الرسول ، عليه الصلاة والسلام . قال بعضهم : إن حرف { إِن } صلة زائدة ؛ فيكون تقدير الآية كأنه يقول : ولقد مكناهم فيما مكناكم فيه مما ذكر من السمع ، والبصر ، والفؤاد ، ثم لم يملكوا دفع العذاب عن أنفسهم ، فأنتم لا تملكون - أيضاً - دفعه عن أنفسكم ، وكان لهم ما لكم مما ذكر من السمع ، والبصر ، والفؤاد . وقوله - عز وجل - : { وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ } على التأويل الأول ؛ حيث ذكرنا أنهم مكنوا ما لم يمكن هؤلاء ، يكون ما ذكر من السمع والبصر والفؤاد لا يراد به أعيانها حقيقة ، لكن السمع يكون كناية عن العقل ؛ كقوله - تعالى - : { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ } [ يونس : 42 ] ذكر السمع ، ثم فسر به العقل ، ويكون قوله : { وَأَبْصَاراً } أريد به : البصائر ، فالبصر يذكر ويراد به البصيرة ؛ إذ قد وصفهم الله - تعالى - بذلك بقوله : { وَعَاداً وَثَمُودَاْ … } [ العنكبوت : 38 ] إلى قوله { وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ } [ العنكبوت : 38 ] ويكون قوله : { وَأَفْئِدَةً } كناية عن القوى ؛ فالفؤاد يكنى به عن القوة ؛ يخبر - تعالى - أنهم مكنوا من العقل والبصيرة والقوة ما لم تمكنوا أنتم يأهل مكة ، ثم لم يقدروا على دفع عذاب الله إذا نزل بهم ، فأنتم كيف تملكون دفعه ، وليس لكم تلك الأسباب ؟ ! وعلى التأويل الثاني : كأن المراد هو حقيقة ما ذكر من السمع ، والبصر ، والفؤاد ؛ فيكون معناه ما ذكرنا : أن لكم هذه الأسباب مثل ما لهم ، ثم هم لم يقدروا على دفع ما حل بهم من العذاب ، فأنتم لم تقدروا أيضاً بها ، والله أعلم . ثم بين الله - سبحانه وتعالى - الذي بهم نزل ما نزل من العذاب ؛ حيث قال : { إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } وكان استهزاؤهم مرة بما يوعد لهم الرسل - عليهم السلام - بالعذاب ، ومرة كانوا يستهزئون بالرسل - عليهم السلام - لما يدعوهم إلى ما دعوا ، والله أعلم . ثم عذب عاداً بالريح التي وصفها الله - تعالى - في سورة الحاقة ، وذكر فيها ؛ حيث قال : { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } آية [ الحاقة : 6 ] أي : شديدة عادية { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً … } الآية [ الحاقة : 7 ] ، وقال في آية أخرى : { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } [ الذاريات : 41 ] ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ } خلق الله - تعالى - البشر على طبع وبنية وحال يحذرون ما ينزل بأشكالهم وأمثالهم بذنوب ارتكبوها ، ويتعظون بغيرهم ؛ فكأنه يقول : احذروا صنع الذين أهلكوا من حولكم وبقربكم ؛ لئلا ينزل بكم ما نزل بأولئك الذين أهلكوا حولكم ؛ ليرتدعوا عن ذلك ، وألا يعاملوا رسوله كما عامل أولئك حتى لا ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك بتكذيبهم الرسل وعنادهم واستهزائهم بهم ؛ يحذرهم ما نزل بأولئك الذين أهلكوا حولهم ؛ ليرتدعوا عن ذلك ، وألا يعاملوا رسوله كما عامل أولئك حتى لا ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك ؛ والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَصَرَّفْنَا ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ، قوله : { وَصَرَّفْنَا ٱلآيَاتِ } يخرج على وجهين : أحدهما : أي : جعلنا للرسل - عليهم السلام - آيات أقاموها على قومهم ما يعلمهم ذلك ، ويخبرهم على صدقهم ، فردّوها وكذبوهم بها ، فعند ذلك أهلكناهم ، فعلى ذلك جعلنا لمحمد صلى الله عليه وسلم من الآيات ما تعلمكم يأهل مكة وتخبركم عن صدقه ، وتدلكم على رسالته ، فلا تردوها حتى لا ينزل بكم ما نزل بهم ، والله أعلم . والثاني : { وَصَرَّفْنَا ٱلآيَاتِ } أي : نشرنا في الآفاق والأطراف النائية ما حل بأولئك ونزل بهم بتكذيب الرسل ، وما كان منهم من العناد والرد ما يلزم من بلغه ذلك الخبر ، واتصل به ما نزل بأولئك الرجوع عن مثل صنيعهم ، ومثل معاملتهم . فأحد التأويلين يرجع إلى انتشار ما نزل بأولئك في الآفاق ؛ ليرجعوا عن ذلك ؛ فيصير ذلك آية لهم ؛ فيحملهم على الرجوع عن صنيع أولئك ؛ ليرجعوا عن ذلك . والثاني : إخبار أنه جعل لكل رسول ونبي آية على صدقه ، ودلالة على رسالته ؛ أي : لم يهلكهم إلا بعد لزومهم التصديق لهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةَ } هذا يخرج على وجهين : أحدهما : يرجع إلى الله - تعالى - والآخر : يرجع إلى الأصنام التي عبدوها واتخذوها آلهة : فأما الذي يرجع إلى الله تعالى يقول : لولا نصرهم الله ؛ أي : هلا نصرهم الله عند نزول العذاب بهم ولا يهلكهم لو كان عبادتهم الأصنام مما تقربهم إلى الله زلفى ، ويكونون شفعاء عنده ، يقول - والله أعلم - : لو كان ظنكم حقّاً أن ذلك مما يقربكم إلى الله هلا نصركم الله عند نزول ذلك بكم ، فإذا لم ينصر الله - تعالى - أولئك بل أهلكهم فاعلموا أنه ليس الأمر كما توهمتم وظننتم ، والله أعلم . والثاني : يقول - والله أعلم - : لو كان للأصنام التي تعبدونها شفاعة عند الله - تعالى - على ما زعمتم هلا نصروا أولئك ودفعوا الهلاك عنهم بشفاعتهم ، وإذ لم يفعلوا ذلك ، ولم ينصروهم ، ولم يدفعوا عنهم ، فعلى ذلك لا يملكون دفع ذلك عنكم إذا نزل بكم [ ما نزل ] بأولئك ، والله أعلم . وتفسير { فَلَوْلاَ } هاهنا : هلا ، وهلا تستعمل في الماضي ؛ فيكون معناه : لم تفعل ؛ أي : لم تنصرهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ } أي : ضل هؤلاء عنها . أو ضل الأصنام عنهم ، فلم يكن لهم منهم ما طمعوا ورجوا بسبب عبادتهم إياها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } يحتمل أن يكون إفكهم وافتراؤهم هو قولهم : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] ونحوه ، والله أعلم .