Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 16-21)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً } جعل الله - عز وجل - آيات رسالة رسوله صلى الله عليه وسلم وحججه على المنافقين - صنيعهم وما أسروا في أنفسهم من الخلاف له والعداوة ، فأطلع الله رسوله على ما أسروا في أنفسهم وأضمروه ؛ ليكون ذلك آية لرسالته ، وحجة لنبوته ؛ إذ علموا أن لا أحد يطلع على ما في القلوب إلا الله - تعالى - فإذا أخبر رسول الله لهم بما أسروا وأضمروا ، وعلموا أنه إنما عرف ذلك بالله - تعالى - [ كقوله : ] { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً } [ النور : 63 ] ، وقوله : { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ } [ البقرة : 14 ] ، ونحو ذلك . ثم الناس في الاستماع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرقون إلى فرق ثلاث : فالمؤمنون كانوا يستمعون إليه للاسترشاد واستزادة الهدى ، وهو كقوله - تعالى - : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً … } الآية [ التوبة : 124 ] { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ … } الآية [ التوبة : 125 ] . وقوله - تعالى - : { وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } . يحتمل قوله : { وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } أي : أعطاهم ما اتقوا مخالفة أمره . ويحتمل : { وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } أي : يوفقهم ما يتقون مخالفة أمره من بعد في المستأنف . وقال بعضهم : أي : أعطاهم الله ثواب أعمالهم في الآخرة ؛ يقول : كلما جاء من الله أمر أخذوا به ، فزادهم الله - تعالى - هدى { وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } ؛ أي : أجرهم . وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : { وأنطاهم تقواهم } أي : أعطاهم ، وهي لغة معروفة ، أنطى : أي : أعطى ، وكذلك قرأ : { إنا أنطيناك الكوثر } . وقوله - تعالى - : { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } كأن هذه الآية نزلت في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون إلا عند قيام الساعة ؛ كأنه يقول : ما ينظرون لإيمانهم إلا الساعة أن تأتيهم بغتة ، لكن لا ينفعهم الإيمان في ذلك الوقت ؛ كقوله : { لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ } [ الأنعام : 158 ] ، وقوله : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [ غافر : 85 ] ، كأنه - والله أعلم - يؤيس رسوله صلى الله عليه وسلم عن الطمع في إيمانهم قبل ذلك الوقت . وقوله - عز وجل - : { فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا } هذا يخرج على وجهين : أحدهما : يحتمل ما ذكر من مجيء أشراطها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه خاتم الأنبياء ، وبه ختمت النبوة ، وروي عنه أنه قال : " بعثت [ أنا ] والساعة كهاتين " ، وأشار إلى أصبعين جمع بينهما ، فإن كان التأويل هذا فهو على تحقيق مجيء أشراط الساعة ؛ أي : قد جاءت أشراط الساعة حقيقة وتحققت . والثاني : يحتمل أن يكون ما ذكر من مجيء أشراطها هي الأعلام والشرائط التي جعلت علماً لقيامها ؛ من نحو نزول عيسى ، وخروج دابة الأرض ، وخروج الدجال ، وغير ذلك ، فقد مضى بعض تلك الأعلام ؛ فيكون قوله : { فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا } أي : كأن قد جاء أشراطها ؛ إذ كل ما هو آت جاءٍ ؛ فكأنه قد جاء ؛ كقوله - تعالى - : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [ النحل : 1 ] . وقوله - عز وجل - : { فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ } يحتمل وجهين : أحدهما : من أنى ينتفعون بإيمانهم في ذلك الوقت ؟ وكيف لهم منفعة الذكرى إذا جاءت ، والتوبة لا تقبل حينئذ ؟ والثاني : من أين لهم الإيمان والتوبة إذا جاءتهم الذكرى ؛ أي : ما يذكرهم في الدنيا قبل ذلك فلم يؤمنوا ، ولم يتذكروا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } . هذا يخرج على وجهين : أحدهما : اعلم في حادث الوقت أنه لا إله إلا الله ؛ كقوله تعالى : { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الفاتحة : 6 ] وقوله - تعالى - : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ } [ النساء : 136 ] ، ونحو ذلك . والثاني : يقول : فاعلم أن الإله المستحق للعبادة والمعبود الحق هو الإله الذي لا إله غيره ؛ إذ الإله عند العرب هو المعبود ؛ يقول : إن المعبود الذي يستحق العبادة هو الله - تعالى - لا الأصنام التي تعبدونها دونه [ و ] تزعمون أن عبادتكم إياها تقربكم إليه زلفى . والثالث : أمره أن يشعر قلبه في كل وقت [ و ] حال كلمة الإخلاص ، والتوحيد له ، والقول به ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ } جائز أن يكون قوله : { وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ } إنما هو لافتتاح الكلام وابتدائه ، على ما يؤمر المرء أن يبتدئ بالدعاء لنفسه عند أمره بالدعاء لغيره ، وكان حقيقة الأمر بالدعاء للمؤمنين والمؤمنات دون نفسه ، ولكن أمر بالدعاء لنفسه استحباباً ، والله أعلم . وجائز أن يكون له ذنب فيأمره بالاستغفار له ، لكن نحن لا نعلم ، وليس علينا أن نتكلف حفظ ذنوب الأنبياء - عليهم السلام - وذكرها ، وكل موهوم منه الذنب يجوز أن يؤمر بالاستغفار ، كقول إبراهيم - عليه السلام - حيث قال : { وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِّينِ } [ الشعراء : 82 ] لكن ليس ذنب الأنبياء وخطاياهم كذنب غيرهم ؛ فذنب غيرهم ارتكاب القبائح من الصغائر والكبائر ، وذنبهم ترك الأفضل دون مباشرة القبيح في نفسه ، والله الموفق . ثم أرجى آية للمؤمنين هذه الآية ؛ لأنه - عز وجل - أمر رسوله - عليه السلام - أن يستغفر لهم ، فلا يحتمل ألا يستغفر وقد أمره مولاه بالاستغفار ، ثم لا يحتمل - أيضاً - أنه إذا استغفر لهم على ما أمره به فلا يجيب له ، وكذلك دعاء سائر الأنبياء - عليهم السلام - نحو دعاء نوح - عليه السلام - : { رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [ نوح : 28 ] ، وقول إبراهيم - عليه السلام - : { رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ } [ إبراهيم : 41 ] ، ونحو ذلك ، وكذا استغفار الملائكة لهم - أيضاً - لقوله : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ } [ الشورى : 5 ] ، وقوله : { فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ … } الآية [ غافر : 7 ] هذه الآيات أرجى آيات للمؤمنين ودعوات الأنبياء - عليهم السلام - أفضل وسائل تكون إلى الله - تعالى - وأعظم قربة عنده ، والله الموفق . ثم قوله - عز وجل - : { وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } فيه دلالة نقض قول المعتزلة ، لأنهم يقولون : إن الصغائر مغفورة ، لا يجوز لله - تعالى - أن يعذب عباده عليها ، والكبائر مما لا يحل له أن يغفرها لهم إلا بالاستغفار منهم والتوبة ؛ فهذه الآية تنقض قولهم ومذهبهم ؛ لأنه أمر رسوله أن يستغفر لهم ، فلا يخلو إما أن تكون صغائر ، وهي مغفورة عندهم ؛ فكأنه يقول : اللهم لا تجر ؛ لأنها مغفورة لا يسع له أن يعذب عليها ، أو كبائر ولا يحل له المغفرة عنها ، فيكون قوله : اللهم اغفر لهم ، كأنه قال : اللهم جر ؛ لأن مغفرته إياهم الكبائر يكون جوراً ووضع الشيء في غير موضعه . فكيفما كان ففيها نقض قولهم وحجة لقولنا : إن له أن يعذبهم عليها وإن كانت صغائر ، وله أن يعفو عنها وإن كانت كبائر ؛ إذ المغفرة عن الذنب تكون ، والله الموفق للصواب . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } قال بعضهم : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ } في النهار { وَمَثْوَاكُمْ } من الليل . وقيل : يعلم ما ينقلبون بالنهار ويسكنون بالليل ؛ وهما واحد . وقال بعضهم : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ } في الدنيا { وَمَثْوَاكُمْ } في الآخرة ؛ أي : مقامكم فيها . وهو يخرج عندنا على وجوه : أحدها : يحتمل هذا لظن قوم وتوهمهم أن الله - تعالى - يجهل عواقب الأمور ؛ حيث أنشأ هذا العالم ، فجحدوه وجحدوا نعمه ، فلا يحتمل أن ينشئهم ، ويجعل لهم النعم وهو يعلم أنهم يجحدون وينكرون نعمه ؛ لأن من فعل هذا في الشاهد فهو عابث غير حكيم ، فعلى ذلك هذا ، على زعمهم ، فقال - تعالى - جواباً لهم : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } أي : على علم بما يكون منهم أنشأهم وخلقهم ، لا عن جهل على ما ظنوا هم ، لكن ما ينبغي لهم أن ينسبوا الجهل إلى الله - تعالى - لجهلهم بحق الحكمة في فعله ؛ لأن الله - جل وعلا - لم ينشئ هذا العالم لحاجة له ، أو لمنافع نفسه ؛ بل إنما أنشأه لمنافع أنفسهم ، ولحاجتهم ، فإليهم ترجع منفعة الإجابة والطاعة ، وعليهم تكون مضرة الجحود والرد ، فأما في الشاهد فمن يأمر أحداً أو ينهاه عن أمر أو أرسل إليه رسولا على علم منه بالرد والجحود فهو سفيه غير حكيم ؛ لأنه إنما يفعل ما يفعل لحاجة نفسه ولمنفعة له ، فإذا علم منه الرد والإنكار فهو غير حكيم ، فافترق الشاهد والغائب ؛ لافتراق وجه الحكمة ، والله الموفق . والثاني : قوله - تعالى - : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } أي : يعلم جميع أحوالكم من حركاتكم ، وسكونكم ، وجميع تقلبكم ؛ لتكونوا أبداً على حذر ويقظة ، والله أعلم . والثالث : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } أي : يعلم متقلبكم في الدنيا ، ويعلم إلى ماذا يكون مرجعكم في الآخرة ؛ أي : أنشأ كلا على ما علم أنه يكون منهم ؛ كقوله - تعالى - : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ } [ الأعراف : 179 ] ، وقال في آية أخرى : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] أي : أنشأ من علم أنه يختار الكفر وعداوته لجهنم ، وأنشأ من علم أنه يختار التوحيد وولايته للجنة ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ } إن الذين آمنوا كانوا يتمنون إنزال السورة ، ويقولون : هلا نزلت سورة ؛ لوجوه : أحدها : لتكون السورة حجة لهم ، وآية على أعدائهم في الرسالة والبعث والتوحيد . والثاني : كانوا يستفيدون بإنزال السورة أشياء ويزداد لهم يقين وتحقق في الدين ؛ كقوله - تعالى - : { وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ … } [ التوبة : 124 ] إلى قوله : { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [ التوبة : 124 ] وأما المنافقون { فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } [ التوبة : 125 ] ؛ على ما ذكر . والثالث : يتمنون نزول السورة ؛ ليتبين لهم المصدق من المكذب ، والمتحقق من المرتاب . هذه الوجوه التي ذكرنا تكون لأهل الإيمان ؛ لذلك يتمنون ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ } أي : محدثة ، والمحدثة ليست بتفسير للمحكمة ، إلا أن يعنوا بالمحدث : الناسخ ، والناسخ هو المحدث والمتأخر نزولا ، وهو محكم ؛ لأنه يلزم العمل به ، والله أعلم . وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : { لولا نزلت سورة محدثة } ، والوجه ما ذكرنا . والمحكمة عندنا على وجهين : أحدهما : أي : محكمة بالحجج والبراهين . والثاني : لما أنزلت على أيدي قوم وتداولت فيما بينهم فلم يغيروه ولم يبدلوه ؛ بل حفظوه ؛ ليعلم أنه من عند الله حقّاً ومنه نزل ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ } جعل الله - عز وجل - في القتال خصالا : أحدها : كثرة أهل الإسلام ، وكثرة الأموال ، وإن كان في ظاهر القتال إفناء الأنفس والأموال ؛ لأنه قبل أن يفرض القتال كان يدخل من الإسلام واحد ، فلما فرض القتال دخل فيه فوج فوج ؛ على ما أخبر : { يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } [ النصر : 2 ] . والثاني : ليتبين المصدق منهم من المكذب لهم ، والمتحقق من المرتاب ؛ لأنه لم يكن ليظهر ويتبين لهم المنافق من غيره إلى ذلك الوقت ، فلما فرض القتال عند ذلك ظهر وتبين لهم أهل النفاق والارتياب من أهل الإيمان والتصديق . والثالث : فيه آية الرسالة والبعث ، وأما آية الرسالة فلأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا عدداً قليلا لا عدة لهم ولا قوة ، أمروا بالقتال مع عدد لا يحصون ، ولهم عدة وقوة ؛ ليعلم أنهم لا بأنفسهم يقاتلون ، ولكن بالله - تعالى - إذ لا يحتمل قيام أمثالهم لأمثال أولئك مع كثرتهم وقوتهم ، والله أعلم . وأما آية البعث فلأنهم أمروا بقتال أقاربهم ، وأرحامهم ، والمتعلق بهم ، وفي ذلك قطع أرحامهم ، وقطع صلة قراباتهم ؛ ليعلم أنهم إنما يفعلون هذا بالأمر لعاقبة تؤمل وتقصد ؛ إذ لا يحتمل فعل ذلك بلا عاقبة تقصد ، وبلا شيء يعتقد ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } كان أهل النفاق يكرهون نزول ما ينبئهم عما في ضميرهم من النفاق والارتياب ، كقوله - تعالى - : { يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم } [ التوبة : 64 ] وإذا أنزلت السورة يزداد لهم ما ذكر ؛ حيث قال : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } [ التوبة : 125 ] . وقوله - عز وجل - : { فَأَوْلَىٰ لَهُمْ } قال أهل التأويل : هذا وعيد لهم ؛ كقوله : { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ … } الآية [ القيامة : 34 ] ، لكن ظاهره ليس بتوعد ولا تهدد ، إنما ظاهره ، أي : أحرى لكم وأولى أن تطيعوه ، وأن تقولوا معروفاً ، فإذا تركوا ذلك يكون وعيداً ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ } اختلف في تأويله : قال بعضهم : هو صلة قوله : { فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ } ، وعزم الأمر ؛ فعند ذلك كان ما ذكر من المنافقين حيث قال : { رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } ، وليس في نفس ذكر القتال ما ذكر من نظر المغشي عليه من الموت إنما ذلك الوصف وتلك الحال عند وجوب القتال ، ولزومه ، وتأكيده عليهم ، وذلك في قوله - تعالى - : { فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ } أي : وجب وفرض ، فعند ذلك يكون حالهم ما ذكر ، فأما بذكر نفس القتال فلا ، والله أعلم . وقال بعضهم : { فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ } هو في الآخرة ، أي : فإذا تحقق وظهر ما كان أوعدهم الرسول - عليه السلام - من نزول العذاب بهم في الآخرة { فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ } في الدنيا لكان خيراً لهم في الآخرة ؛ حيث كان لا ينزل العذاب بهم في الآخرة ؛ أي : لو صدقوا رسول الله فيما يوعدهم من العذاب أنه ينزل بهم في الآخرة وتركوا مخالفته في الدنيا - لكان خيراً لهم في الآخرة ، والله أعلم .