Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 22-28)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } اختلف في تأويل هذه الآية : قال بعضهم : قوله - تعالى - : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ } أي : فلعلكم { إِن تَوَلَّيْتُمْ } أي : وليتم أمر هذه الأمة { أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } قال ابن عباس - رضي الله عنه - : قد كان هذا ، وهم بنو أمية ، ولوا أمر هذه الأمة ففعلوا ما ذكر من الفساد في الأرض وقطع الأرحام ، وكان لهم اتصال برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان منهم ما ذكر ، والله أعلم . وقال بعضهم : إن الآية في المنافقين ؛ كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمعون منه ما قال ، ثم إذا تولوا عنه كانوا يسعون في الأرض بالفساد وما ذكر ؛ كقوله - تعالى - : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا … } [ البقرة : 204 ] إلى قوله : { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ … } [ البقرة : 205 ] إلى قوله : { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ } [ البقرة : 205 ] . وقال بعضهم : ما أراه إلا نزلت الآية في الحرورية ، وهم الخوارج . وجائز أن يكون هذا ما ذكر في آية أخرى ؛ حيث قال : { أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } [ آل عمران : 144 ] وقد انقلبوا ، على ما أخبر ، وهو في أهل الردة ، والله أعلم . وقال قتادة : { فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } [ محمد : 21 ] ، أي : طواعية الله ورسوله ، وقول المعروف عند حقائق الأمور خير لهم ، { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ } يقول : إن توليتم عن كتابي وطاعتي { أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } يقول : كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله ، ألم يسفكوا الدماء الحرام ، وقطعوا الأرحام ، وعصوا الرحمن ، وأكلوا المال الحرام ؟ ! ويحتمل أن تكون الآية في الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث ، فلما بعث كفروا به ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } اللعن : هو الطرد عن الرحمة ، وهو كقوله لإبليس : { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [ ص : 78 ] أي : أنت مطرود عن رحمتي ، وقوله - تعالى - : { لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أي : طردهم عن رحمته . وقوله - عز وجل - : { فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ } أي : أصمهم حتى لم يسمعوا سماع الاعتبار والتفكر ، وأعمى أبصارهم حتى لم ينظروا فيما عاينوا نظر اعتبار وتفكر ما لو تفكروا وتأملوا ونظروا نظر معتبر ، لأدركوا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ … } الآية . فيه أنهم لو تدبروا وتأملوا فيه ، لأدركوا ما فيه . وفيه - أيضاً - أنهم لو تدبروا العذاب لفتح تلك الأقفال التي ذكر أنها عليها ، وذهب بها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } أي : على قلوب أقفالها . ثم يحتمل أقفالها : الظلمة التي فيها ، وهي ظلمة الكفر ، تلك الظلمة تغطي نور البصر ونور السمع . وجائز أن يكون ما ذكر من الأقفال هي كناية عن الطبع ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ } أي : زين ، أضاف التزيين مرة إلى الشيطان ، ومرة إلى نفسه ، فما يفهم من تزيين الشيطان غير الذي يفهم من تزيين الله - تعالى - كالإضلال المضاف إلى الله - تعالى - والمضاف إلى الشيطان ، فالمفهوم من إضلال الله غير المفهوم من إضلال الشيطان ؛ فعلى ذلك التزيين . وقوله - عز وجل - : { وَأَمْلَىٰ لَهُمْ } أي : أخرهم وأمهلهم إلى أجل ووقت ؛ كقوله - تعالى - : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ … } الآية [ آل عمران : 178 ] ، أي : يؤخرهم ؛ ليكون ما ذكر ، والله أعلم . ثم قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى … } الآية ، جائز أن تكون الآية في اليهود ؛ لما ذكرنا أنهم كانوا آمنوا به قبل أن يبعث ؛ كقوله : { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ … } الآية [ البقرة : 89 ] ، ارتدوا على أدبارهم من بعد ما آمنوا به واتبعوه . وجائز أن تكون في المنافقين ، ارتدوا على أدبارهم ، وأظهروا الخلاف بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أظهروا الموافقة في حياته ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ ٱلأَمْرِ } قوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ } إن كان راجعاً إلى قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ } فإن كان المراد بذلك اليهود - فالمعنى فيه غير المعنى لو كان في المنافقين . وإن كان قوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ } راجعا إلى قوله : { ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ } فإذا احتمل ذلك الوجهين ، فلا نفسره أنه إلى ماذا يرجع . ثم قال بعضهم : الذين كرهوا ما نزل الله هم المنافقون ، قالوا لليهود : سنطيعكم في تكذيب محمد والمظاهرة عليه . وقال بعضهم : هم اليهود ، ظاهروا سائر الكفرة على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، رضي الله عنهم . ثم كراهة نزول ما أنزل الله على رسوله - عليه الصلاة والسلام - كان من اليهود وجميع الكفرة ؛ لقوله - تعالى - : { مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [ البقرة : 105 ] ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } هذا يدل على أنه لا يفسر قوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ } ولا يشار على أنه أراد كذا ، ورجع إلى كذا ؛ لما أخبر الله - تعالى - أنه هو العالم بما أسروا ، ولم يبين ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَٰنَهُ } لا أحد يقصد قصد اتباع سخط الله ، ولا كراهة رضوانه ، لكنهم لما اتبعوا الفعل الذي كان الله يسخط ذلك الفعل ، فكأنهم اتبعوا سخطه ، وكذلك إذا تركوا اتباع ما كان الله يرضاه وكرهوه فكأنهم كرهوا رضوانه ، وهو كقوله - تعالى - : { لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ } [ يس : 60 ] ، ولا أحد يقصد قصد عبادة الشيطان ، لكنهم لما اتبعوه فيما يأمرهم ويدعوهم إليه فكأنهم عبدوه ، وهو تسمية الشيء باسم سببه ، واللغة غير ممتنعة عن تسمية الشيء باسم سببه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ } التي كانت قبل ارتدادهم في حال اتباعهم إياه ، والله أعلم .