Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 29-32)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَانَهُمْ } أي : حسب المنافقون أن لن يظهر الله عداوتهم ، وأن لن يبدي الله ما في قلوبهم من العداوة ؛ جعل الله - جل وعلا - في إظهار ما أسر أهل النفاق وإبداء ما أخفوه فيما بينهم - آية عظيمة ، ودلالة ظاهرة على رسالة رسوله صلى الله عليه وسلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } كأنه على التقديم والتأخير ؛ كأنه قال : ولو نشاء لأريناكهم بسيماهم بالنظر إليهم بالبديهة ، ولتعرفنهم - أيضاً - في لحن القول ؛ أي : لو نشاء لجعلنا لهم أعلاماً في الوجه والقول لتعرفنهم ، ولكن لم نجعل لهم ، ولكن جعل معرفتهم بأعمال يعملون فيظهر نفاقهم بذلك - والله أعلم - كقوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } [ البقرة : 204 ] ، وقال في آية أخرى : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } [ المنافقون : 4 ] ، وقوله : { رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ … } الآية [ محمد : 20 ] ، وقوله - عز وجل - : { وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } [ التوبة : 54 ] ، وقوله : { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ } [ التوبة : 45 ] ، ونحو ذلك من الآيات مما كان يظهر نفاقهم وخلافهم بالأعمال التي كانوا يعملون ؛ فدلت هذه الآيات على أنه كان لا يعرفهم بالسيماء والنطق والقول والأجسام ، وإنما يعرفهم بأفعال كانوا يفعلونها ، والله أعلم . وقال بعضهم : { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } أي : فحوى الكلام ، فكان يعرفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تكلموا ؛ فيخرج على هذا التأويل . وقوله : { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ } على الوعد ؛ أي : تعرفهم في حادث الوقت ، والله أعلم . قال أبو عوسجة : يقال : رجل ألحن بحججه ، ويقال : لحن يلحن - إذا أخطأ - لحناً ، فهو لاحن ؛ كأنه من العدول والميل عن الحق . وقال القتبي : { فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } أي : في فحوى كلامهم . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } يحتمل هذا وجهين : أحدهما : والله يعلم ما تسرون من الأعمال وتخفونها . والثاني : على الجملة ؛ أي : يعلم جميع أعمالهم : ما أسروا وأعلنوا ؛ يخرج على الوعيد ، كقوله : { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [ هود : 112 ] ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ } ، هذا يخرج على وجوه : أحدها : أي : حتى يعلم أولياؤه المجاهدين منكم والصابرين من غير المجاهدين وغير الصابرين ، فيكون المراد من إضافة العلم إلى نفسه علم أوليائه ؛ كقوله - تعالى - : { إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [ محمد : 7 ] ، وقوله - عز وجل - : { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ النساء : 142 ] ، ونحوه ، فالمراد منه أولياؤه على أحد التأويلات ، والله أعلم . والثاني : يكون المراد بالعلم : المعلوم ، وذلك جائز في اللسان واللغة ؛ كقول الناس : الصلاة أمر الله : أي : مأمور الله ، وكقوله - عز وجل - : { حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } [ الحجر : 99 ] أي : الموقن به ، وقوله : { وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ } [ المائدة : 5 ] أي : بالمؤمن به ، ونحو ذلك كثير . والثالث : أي : يعلم كائناً ما قد علمه أنه سيكون ؛ إذ لا يجوز أن يوصف هو بعلم ما سيكون بعلمه كائناً ، أو بعلم ما قد كان بعلمه أنه يكون كائناً ، ولكن يوصف بما قد علمه كائناً أنه علمه كائناً ، أو يعلم ما علم أنه سيكون أنه يكون ؛ لأنه يوجب الجهل ، ويكون التغير في ذلك المعلوم لا في علمه ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ } أي : ونبلو في أخباركم التي أخبرتم عن أنفسكم ؛ كقوله : { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ } [ التوبة : 74 ] وقوله - عز وجل - : { مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ … } [ التوبة : 75 ] إلى آخر ما ذكر ، ابتلوا في تلك الأخبار التي أخبروا عن أنفسهم ، والله أعلم . ويحتمل أن يكونوا ابتلوا في قولهم الذي قالوا لو أعطوا بلسانهم ؛ حيث قالوا : آمنا ؛ كقوله - تعالى - : { الۤـمۤ * أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [ العنكبوت : 1 - 2 ] فتنوا فيما قالوا وأخبروا ؛ أي : ابتلوا ، فالفتنة والمحنة والابتلاء والبلاء واحد ، والله أعلم . وقال بعضهم : { وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ } أي : نظهر نفاقكم للمسلمين ؛ إذ كان الله - تعالى - عالماً قبل أن يبلوهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } : قوله : { كَفَرُواْ } أي : كفروا بنعم الله ؛ من الكفران . أو كفروا بتوحيد الله . وقوله : { وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } يحتمل قوله : { وَصَدُّواْ } أي : أعرضوا بأنفسهم عن دين الله . ويحتمل : { وَصَدُّواْ } أي : صرفوا الناس عن دين الله ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ } أي : عادوه وعاندوه { مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } . وقوله - عز وجل - : { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } يحتمل : لن يضروا الله بكفرانهم نعمه أو كفرهم بوحدانية الله - تعالى - ومعناه - والله أعلم - : أنه ليس يأمر بما يأمر أو ينهى عما ينهى لدفع مضرة عن نفسه ، أو لجر منفعة إلى نفسه ، ولكن يأمر وينهى لحاجة أنفس أولئك ولمنافعهم ، فهم بتركهم اتباع أمره والانتهاء عن نهيه ، ضروا أنفسهم ، والله أعلم . وجائز أن يكون المراد من قوله { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } أي : لن يضروا أولياء الله بما كفروا وصدوهم عن سبيله ؛ بل ضروا أنفسهم ؛ كقوله - تعالى - : { إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [ محمد : 7 ] أي : إن تنصروا أولياء الله ينصركم . وقوله - عز وجل - : { وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ } . يحتمل حبط الأعمال بالارتداد بعد الإيمان ، وإحداث الكفر بعد الإسلام . ويحتمل أعمالهم التي كانت لهم بالإيمان قبل بعثه عليه السلام .