Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 11-17)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } . قوله - تعالى - : { ٱلْمُخَلَّفُونَ } سماهم : مخلفين ، ولم يخلفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ، ولكن الله تعالى خلفهم عن ذلك بأن أحدث منهم فعل التخلف ؛ لما علم منهم ما كان من اختيارهم التخلف ، كقوله تعالى : { وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ } [ التوبة : 46 ] أي : منعهم ، فعلى ذلك ما ذكر من المخلفين أن الله - سبحانه وتعالى - خلفهم عن ذلك ، وهم اكتسبوا فعل التخلف في أنفسهم ؛ دل أن خالق أفعال العباد هو الله تعالى ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : خبرا عنهم : { شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا } . هذا القول منهم قول اعتذار وطلب العذر من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقولهم : { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } طلبوا منه الاستغفار مع إظهارهم العذر في التخلف بقولهم : { شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا } يقولون : وإن حبستنا أموالنا وأهلونا لم يكن لنا التخلف عنك ، فاستغفر لنا ، ولكن مع هذا لم يقبل عذرهم ؛ لأنهم كانوا لا يحققون في طلبهم الاستغفار منه ؛ لأنهم أهل نفاق لا يؤمنون برسالته ولا بالبعث كي ينفعهم المغفرة في الآخرة ؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ … } الآية [ المنافقون : 5 ] ؛ دل هذا الفعل منهم على أنهم كانوا غير محققين طلب الاستغفار منه بقولهم : { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } ؛ حيث قال : { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } ، أي : يقولون بألسنتهم قولهم : { فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا } ما ليس في قلوبهم حقيقة ذلك . ولا جائز أن يصرف قولهم : { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } إلى قولهم : { شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا } أي : كاذبين في العذر ، ولكن طلبوا الاستغفار حقيقة ، لا يقال هذا ؛ لأنهم كانوا صادقين في أن أموالهم وأهليهم شغلتهم عن ذلك ، فلا يمكن صرف الآية إلى ذلك ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } . قد ذكرنا أن حرف الاستفهام من الله تعالى يكون على الإيجاب ، فينظر أن لو كان ذلك السؤال من مستفهم كيف يجاب له ؟ فيكون من الله تعالى على الإيجاب : أن لا أحد يملك لكم نفعاً إن كان الله أراد بكم ضرا ، ولا أحد يملك لكم ضرا إن كان الله أراد بكم نفعاً ، يخبر أنكم وإن تخلفتم لحفظ أموالكم وأهليكم ، فإن الله تعالى لو أراد بكم ضرّاً لا تملكون دفعه عن أنفسكم ، وإن تتخلفوا ولكن خرجتم معه ، فلا يملك أحد الضرر لكم ، غير أنه لا عذر له في التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم أوعدهم فقال : { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } جعل الله - عز وجل - أنفس المنافقين وصنيعهم آية ودلالة على رسالة رسوله صلى الله عليه وسلم في حق المنافقين ، حين كان يطلع رسوله على جميع ما أسروا في أنفسهم وأضمروا في قلوبهم ؛ ليعلموا أنه إنما عرف ذلك بالله - جل وعلا - وجعل الآية له في حق غيرهم من الكفرة من غير صنيعهم وأنفسهم حتى علموا بذلك أنه بالله قدر على ذلك ، والله أعلم . وقال أهل التأويل : { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً } أي : الهزيمة { أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } ظهورا على عدوكم وغنيمة ، يحتمل أن يكون الخطاب بهذا لأهل الإيمان والوعظ لهم بذلك ؛ لأن أهل النفاق كانوا لا يصدقون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقبلون ما يقول من المواعظ وغيره . وقوله - عز وجل - : { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً } . فإن قيل : ما الذي حملهم على الظن الذي ظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لا يرجعون إلى أهليهم أبدا إذا كان ذلك في خروجهم إلى الحديبية - على ما قال أهل التأويل : إن ذلك كان في خروجهم إلى الحديبية - وكان خروجهم للحج وقضاء المناسك لا للقتال والحرب معهم ، حتى يقع عندهم أنهم لا يرجعون ، بل يهلكون في ذلك ، وأهل مكة لم يكونوا يتبعون أحدا من أهل الإيمان يدخل مكة للحج وقضاء المناسك . قيل : لأن أهل النفاق كانوا قد كتبوا إلى أهل مكة وأعلموهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه - رضي الله عنهم - خرجوا إليكم للحج وزيارة البيت ، فقالوا : إنا لا ندعهم يدخلون مكة بل نقاتلهم ونحاربهم ولا نتركهم يدخلونها ، فإذا كان منهم ما ذكرنا ، فجائز أن يكونوا ظنوا ما ذكرنا من ظنهم ، فأما على غير ذلك فلا يحتمل مع اجتماع أهل التأويل على أن ذلك كان في أمر الحديبية ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ } . أي : ظننتم برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه - رضي الله عنهم - ظن السوء أنهم لا يرجعون إلى أهليهم . ويحتمل ظننتم بالله ظن السوء أنه لا ينصر رسوله ولا يعينه . وقوله - عز وجل - : { وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } . قال بعضهم : { بُوراً } أي : هلكى ، أي : تصيرون قوما هلكى ؛ فيه دليل أنهم يموتون على نفاقهم . وقال الحسن : { وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } أي : فاسدون لا خير فهم ، وكذلك يقول ابن عباس - رضي الله عنهما - : إن البور هو الفاسد . وقال بعضهم : البور في كلام العرب : لا شيء . وقال القتبي : البور : الهلكى . وقوله - عز وجل - : { وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً } فهو ظاهر . وقوله - عز وجل - : { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } قيل فيه بوجوه : أحدها : ولله خزائن السماوات والأرض ، وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه كان يقرؤه : { ولله خزائن السماوات والأرض } . والثاني : ولله ملك كل ملك في السماوات والأرض ، أي : لله حقيقة ملك كل ملك في السماوات والأرض . والثالث : ولله ولاية أهل السماوات والأرض وسلطانه ، أي : الولاية والسلطان له على أهل السماوات والأرض . ثم يحتمل ذكره هذا وجهين : أحدهما : يخبر أنه فيما يأمرهم وينهاهم ويمتحنهم بأنواع المحن إنما يأمرهم وينهى ويمتحن لا لحاجة نفسه ولا لمنفعة له ؛ إذ له ملك السماوات والأرض ، ولا يحتمل من له ملك ما ذكر أن يقع له الحاجة إلى ما ذكر أو المنفعة ؛ لأنه غني بذاته ؛ ولكن يأمرهم وينهاهم ، ويمتحنهم بما امتحن ؛ لحاجتهم ولمنفعتهم ، والله أعلم . والثاني : يذكر هذا ليقطعوا الرجاء عما في أيدي الخلق ، ويصرفوا الطمع والرجاء إلى الله - تعالى - ومنه يرون كل نفع وخير يصل إليهم ، ومنه يخافون في كل أمر فيه خوف ، لا يخافون سواه ، ولا يطمعون غيره ، وهو ما أخبر : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } [ فاطر : 15 ] ولا قوة إلا بالله . وقوله - عز وجل - : { يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } يقول - والله أعلم - : هو يغفر لمن يشاء ، وهو المالك لذلك ، وهو يعذب من يشاء ؛ أي ليس يملك أحد مغفرة ذنوب أحد سواه ولا تعذيبه ، إنما ذلك منه ، وله ملك ذلك ، وله الفعل دون خلقه ؛ ليصرفوا طمعهم ورجاءهم في كل أمر إلى الله - تعالى - ومنه يخافون في كل أمر فيه خوف ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } ، وكان الله لم يزل رحيما ، لا أنه حدث ذلك له بخلقة ، والله الموفق . وقوله : { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ } من الحديبية ، خلفهم الله - عز وجل - لما علم منهم من اختيار التخلف . وقوله : { إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ … } الآية . ذكر أهل التأويل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صالح أهل مكة عام الحديبية ورجع اشتد ذلك على أصحابه - رضي الله عنهم - لما كانوا طمعوا دخول مكة والزيارة لبيته ، فبشره ربه بفتح خيبر والغنيمة لهم ، فعند ذلك لما انتهى إلى المنافقين المخلفين عن الحديبية تلك البشارة له بفتح خيبر عليهم - قالوا : ذرونا نتبعكم ؛ فنصيب معكم الغنائم ؛ وإنما رغبوا في اتباعهم معهم ؛ لما علموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصدق فيما يخبر من البشارة له والفتح والغنيمة له بلا مؤنة قتال ولا حرب تقع هنالك . وقوله - عز وجل - : { يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ } ؛ لأن البشارة بفتح خيبر ، وجعله غنيمة لمن شهد الحديبية ، فأما من تخلف عنها ، فليس له في ذلك من نصيب ، فأخبر الله - تعالى - أنهم يريدون أن يبدلوا ما وعد الله - تعالى - للمؤمنين الذين شهدوا الحديبية - فتح خيبر خاصة ؛ بأن يشركوا فيها ، وفي ذلك تبديل ما وعد ؛ إذ لم يشهدوا هم الحديبية ، والبشارة بالفتح لمن شهدها ، فأما من تخلف عنها فلا . وقال بعضهم : تبديل كلام الله ما قال في سورة براءة : { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } [ التوبة : 83 ] فلما سألوا الخروج إلى خيبر والاتباع لهم ، وقد نهاهم عن الخروج معهم أبدا ، يريدون أن يبدلوا ذلك النهي الذي نهوا في سورة براءة ؛ فيحتمل الأمرين جميعاً ؛ كذا ذكر الشيخ - رحمه الله - وعامة أهل التأويل على أن قوله : { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً } [ التوبة : 83 ] نزل في غزوة تبوك ، وأنها بعد خيبر ، فلم يكن خروجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر تبديل النهي الذي نهوا عن الخروج معه ، لكن كأنه لم يثبت عنده نزول الآية في غزوة تبوك ، أو وقع الخطأ من الذين تلقنوا منه وكتبوه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ } ، يحتمل قوله : { كَذَٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ } هي البشارة التي ذكرنا لمن شهد الحديبية ، قال : إن مغانم خيبر لمن شهد الحديبية ، وأمّا من لم يشهد فلا . ويحتمل قوله : { مِن قَبْلُ } ما ذكر في سورة براءة : { فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً } [ التوبة : 83 ] ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } كانوا يقيسون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنفسهم ؛ لأنهم إذا أصابوا شيئاً - أعني : المنافقين - كانوا يحسدون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرادوا ألا يكون لهم في ذلك نصيب ولا حظ ؛ حسداً منهم لهم ، فلما منعهم المؤمنون عن الخروج إلى خيبر وقالوا : إن الله نهاكم أن تخرجوا معنا ، وقد بشروا بالفتح ، قالوا عند ذلك : بل تحسدوننا في إصابة تلك الغنائم ، لم ينهنا الله - تعالى - عن الخروج معكم ؛ قاسوا المؤمنين بأنفسهم ، { بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } الفقه هو الاستدلال بما عرفوه وشهدوه على الذي لم يعلموه وغاب عنهم ؛ يخبر أن هؤلاء لا يعرفون الاستدلال . وقال بعضهم : الفقه هو معرفة الشيء بنظيره الدال على غيره ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ } وهم الذين تخلفوا عن الحديبية { سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } على قول ابن عباس - رضي الله عنه - ومقاتل : وهؤلاء هم بنو حنيفة ، وفيهم مسيلمة الحنفي الكذاب ، استقرت إليهم الأعراب بعد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم أبو بكر الصديق إلى قتالهم . وقال الحسن : هم أهل فارس والروم . وقال قتادة وغيره : دعوا إلى قتال هوازن وثقيف يوم حنين . ويروى عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - يقول : دعوا يوم حنين إلى هوازن وثقيف ، فمنهم من أحسن الإجابة ورغب في الجهاد ، ومنهم من أبى . لكن ما قال قتادة غير محتمل ؛ لأن قتال هوازن وثقيف يوم حنين كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تولى ذلك ، وقال في آية أخرى : { فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً … } الآية [ التوبة : 83 ] ، فلا يحتمل أن يدعوا إلى قتال هؤلاء وهو تولى قتالهم ، وقد قال الله - تعالى - خبراً عنه : { وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } [ التوبة : 83 ] فإذا لم يحتمل هذا رجع التأويل إلى ما قال ابن عباس ومقاتل - رضي الله عنهما - أنهم إنما دعوا إلى قتال أهل اليمامة وهم بنو حنيفة ، دعاهم أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - لكن لو كان ما قال أهل التأويل أن قوله - تعالى - : { فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً } [ التوبة : 83 ] نزل في غزوة تبوك ، وهي بعد يوم حنين ، فيكون ما قاله قتادة محتملا ، والله أعلم . أو أن يكون قوله : { وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } [ التوبة : 83 ] في قوم خاص ، وهو ما قال : { ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ } [ التوبة : 86 ] أي : أهل الغناء والثروة ، إنما قال ذلك لأولي الطول الذين استأذنوه القعود مع القاعدين ، والله أعلم . ويحتمل قوله - تعالى - : { سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } في أهل فارس والروم ؛ على ما قال الحسن ، وذلك إنما فتح في زمن عمر ، رضي الله عنه . وقوله - عز وجل - : { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } ، ومن قرأها : { تقاتلونهم أو يسلموا } بالألف فيكون تأويله : تقاتلونهم حتى يسلموا . وقوله - عز وجل - : { فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً } ، أي : إن تطيعوا فيما دعيتم إلى الجهاد يؤتكم الله أجراً حسناً ، ذكر أنه يؤتيهم أجراً حسناً ؛ لأن توبتهم تكون فيما كان كفرهم وكان نفاقهم إنما ظهر بتخلفهم عن الجهاد ، فعلى ذلك تكون توبتهم في تحقيق الجهاد . وقوله : { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ } فيما دعيتم إليه { كَمَا تَوَلَّيْتُمْ } عن الحديبية وغيره { يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } . ثم عذر أهل العذر منهم بقوله - تعالى - : { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } كما عذر أهل العذر من المؤمنين بقوله : { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ … } الآية [ التوبة : 91 ] . وقوله - عز وجل - : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً } ؛ لأنهم إذا تولوا عادوا إلى ما كانوا .