Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 8-10)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } قوله : { شَٰهِداً } لله ما لله - تعالى - على عباده ، [ و ] ما لبعضهم على بعض ؛ فعلى هذا التأويل يكون قوله : { شَٰهِداً } أي : مبيناً ؛ أي لتبين ما لله عليهم ، وما لبعضهم على بعض ؛ وهو قول أبي بكر الأصم . وقال بعضهم : أي : شاهداً للرسل - عليهم السلام - بالتبليغ بالإجابة لمن أجابهم ، وشاهداً على من أبى الإجابة بالإباء والرد ، فعلى هذا التأويل يكون قوله : { شَٰهِداً } على حقيقة الشهادة ؛ على ما ذكرنا ، والله أعلم . وقال بعضهم : أي : أرسلناك شاهداً على أمتك وعلى الأنبياء - عليهم السلام - بالتبليغ ومن ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } : البشارة : هي تذكر عواقب الخيرات والحسنات ، والإخبار عن أحوالها : أنها إلى ماذا يفضي أربابها وعما لهم ؛ ليرغبهم فيها . والنذارة : هي تذكر عواقب الشرور والسيئات ، والإخبار عن أحوالها أنها إلى ماذا يفضي أربابها ومرتكبيها ؛ ليزجرهم عنها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } خاطب بهذا البشر كلهم وفي الأول خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كأنه يقول على الجمع بينهما في الخطاب : أرسلناك رسولا شاهداً ؛ لتؤمنوا أنتم بالله ورسوله . ويحتمل أن يكون على الإضمار ؛ أي : إنا أرسلناك مبشراً ونذيرا ، وقل لهم : إنما أرسلت لتؤمنوا بالله ورسوله ، وهو كقوله - تعالى - : { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق : 1 ] ، معناه : يأيها النبي ، قل لهم : إذا طلقتم النساء ، فطلقوهن لعدتهن ، فعلى ذلك جائز ما ذكرنا ، والله أعلم . وقرئ بالياء ، وهي ظاهرة . ثم الإيمان بالله - تعالى - هو أن يشهد له بالوحدانية والألوهية ، وأن له الخلق والأمر في كل شيء وكل أمر . والإيمان برسوله : هو أن يشهد له بالصدق في كل أمر ، وبالعدالة له فيما يحكم ويقضي ، ويصدقه في كل ما يقوله ، ويجيبه في كل ما يدعو إليه ، ويطيعه في كل أمر يأمر به ، وينهى عنه ؛ والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَتُعَزِّرُوهُ } اختلف فيه : قال بعضهم : أي : تنصروه وتعينوه . وقال بعضهم : أي : تطيعوه . وقال بعضهم : أي : تعظموه . فمن يقول : إن قوله : { وَتُعَزِّرُوهُ } ليس على النصر والإعانة ، ولكن على التعظيم ، أو على الطاعة - استدل بما قال في آية أخرى : { وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ } [ الأعراف : 157 ] ذكر التعزير وعطف النصر عليه ؛ والمعطوف غير المعطوف عليه ، فدل أنه غير النصر ، ولكن جائز أن يذكر الشيء الواحد بلفظين مختلفين ومعناهما واحد على التأكيد ، وكذلك من يقول بالتعظيم يقول : أمرهم بتعظيمه في الحرفين ؛ أعني : قوله : { وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } وذلك جائز في الكلام . ويحتمل أن يكون التعزير هو الطاعة له ، والتوقير هو التعظيم ، وفي الطاعة له تعظيمه ، والله أعلم . ومن قال بالنصر والمعونة في التبليغ تبليغ الرسالة إلى الخلق ، والدفع عنه ، والذب ، والتعظيم له في قلبه وجميع جوارحه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } والتسبيح ، أجمع أهل التأويل أن قوله - تعالى - : { وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً } راجع إلى الله - تعالى - وكذلك ذكر في بعض القراءة { ويسبحون الله بكرة وأصيلا } ، والتسبيح هو التنزيه في الأفعال والأقوال ، فجائز نسبة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه كان برئيا من العيوب في أفعاله وأقواله لا يدخل في أفعاله وأقواله عيب ، وإن كان هو تنزيهاً عن الحدثية ، والفناء ، وآفات كل في نفسه ، فذلك لا يجوز إضافته ونسبته [ إلا ] إلى الله - عز وجل - فأما غيره لا يجوز إضافة ذلك إليه . وأصله ما ذكر أهل التأويل من صرفه إلى الله تعالى . وقوله - عز وجل - : { بُكْرَةً وَأَصِيلاً } صرف أهل التأويل البكرة إلى صلاة الفجر ، والأصيل إلى صلاة المغرب والعشاء ، ولكن جائز أن تكون البكرة كناية عن النهار ، والأصيل كناية وعبارة عن الليل ، فكأنه يقول : سبحوه بالليل والنهار جملة في كل وقت ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } أجمع أهل التأويل أو عامتهم على أن المبايعة المذكورة في هذه الآية هي البيعة التي كانت بالحديبية ، بايعوه على ألا يفروا إذا لقوا عدوا . قال معقل بن يسار : " لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس ، وأنا رافع غصناً من أغصانها عن رأسه ، ونحن أربع عشرة مائة ؛ أي : ألف وأربعمائة نفر ، وقال : لم نبايعه على الموت ، ولكن بايعناه على ألا نفر " . وجائز أن تكون المبايعة على ألا يفروا كما ذكر في آية أخرى : { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ } [ الأحزاب : 15 ] والمبايعة هي المعاهدة ؛ ألا ترى أنه قال في آية أخرى : { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ } ذكر في أول الآية المبايعة ، وفي آخرها المعاهدة ؛ ليعلم أن المبايعة والمعاهدة سواء ، والله أعلم . ثم إضافة مبايعتهم رسوله إلى نفسه يحتمل وجهين : أحدهما : لما بأمره يبايعونه . أو ذكر ونسب إلى نفسه ؛ لعظيم قدره ، وجليل منزلته عنده ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } قال بعضهم : يد الله في جزاء المبايعة فوق أيديهم في المبايعة ؛ أو كلام نحوه . وجائز أن يكون قوله { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } أي : يد الله في الجزاء إذا وفوا بالعهد فوق أيديهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه لما بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لهم عنده يد ، فيخبر أن جزاء الله الذي يجزيهم بوفاء تلك المبايعة فوق أيديهم التي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويحتمل أن يكون ما ذكر من يد الله وإضافتها إليه يريد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول : يد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندكم فيما بايعكم فوق أيديكم عنده ؛ لما يحتمل أن يقع عندهم أن يكون لهم يد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بما بايعوه ؛ كقوله - تعالى - : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ … } الآية [ الحجرات : 17 ] ؛ فيخبر أن يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق أيديكم عنده بالمبايعة التي بايعتم ، والله أعلم . ويحتمل : أي : يد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد والبسط بالمبايعة فوق أيديهم ، والله أعلم . ويحتمل قوله : { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } أي : توفيق الله - تعالى - إياكم ومعونته على مبايعتكم رسوله فوق وخير من وفائكم ببيعته وعهده ، والله أعلم . وجائز أن يكون قوله : { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } أي : يد الله في النصر لرسوله فوق أيديهم ؛ كقوله - تعالى - : { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } [ آل عمران : 126 ] حقيقة النصر إنما يكون بالله تعالى ؛ ولا قوة إلا بالله . وقوله - عز وجل - : { فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } أي : من نكث فعليه ضرر نكثه ، وإليه يرجع ذلك الضرر لا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه - رضوان الله عليهم أجمعين - لأن الله - جل وعلا - وعد النصر له والظفر بأولئك ، فمن نكث فإنما يرجع ضرر نكثه إليه ؛ إذ الله يفي لرسوله صلى الله عليه وسلم ما وعد الله من النصر له ، والله أعلم .