Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 18-23)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } يحتمل قوله : { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } لما عزموا على الوفاء على ما بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والصدق لذلك ، والتحقيق لما عهدوا من الوفاء لذلك - أخبر الله أن قد رضي الله عنهم لذلك ، فنحن نستدل به على صدق ذلك وتحقيقه وإن لم يخبرنا الله تعالى أنهم قد عزموا على ذلك ، فيجوز لنا أن نشهد أنهم قد عزموا على الوفاء لذلك والصدق له ، وقد يكون من الاستدلال ما تكون الشهادة له بالحق والصدق إذا كان في الدلالة مثل ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } هذا يحتمل وجوهاً : أحدها : ما ذكرنا : علم ما في قلوبهم من العزم على الوفاء والصدق ؛ لما أعطوا بأيديهم من أنفسهم . والثاني : علم ما في قلوبهم من الخوف والخشية ، وذلك يتوجه وجهين : أحدهما : أنهم خشوا ألا يتهيأ لهم القيام بأهل مكة ؛ لأنهم كانوا مستعدين للحرب والقتال ، وهم كانوا خرجوا لقضاء المناسك وزيارة البيت ، خشوا ألا يقوموا لهم ؛ فلم يفوا ما عاهدوا . والثاني : خشوا ألا يقدروا على وفاء ما بايعوا وأعطوه ؛ لأن في ذلك مناصبة جميع أهل الأديان والمذاهب ، والله أعلم . والثالث : علم ما في قلوبهم من الكراهة التي يذكرها أهل التأويل ، لكن تلك الكراهة كراهة الطبع ، لا كراهة الاختيار ؛ لأنهم طمعوا الوصول إلى البيت ، ورجوا دخولها ، فلما جرى الصلح بينهم على ألا يدخلوا عامهم ذلك ، فانصرفوا ، فاشتد ذلك عليهم ، فكرهوا ذلك ، لكن كراهة الطبع ، لا كراهة الاختيار ، وقد يكره طبع الإنسان شيئاً والخيار غيره ؛ كقوله - عز وجل - : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } [ النساء : 19 ] ، وكقول يوسف : { رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ } [ يوسف : 33 ] محبة الاختيار ، لا محبة الطبع ، بل الطبع إلى ما يدعونه أميل من السجن . وقوله - عز وجل - : { فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } أي : أنزل عليهم ما يسكن به قلوبهم ؛ لما علم تحقيق الوفاء لما بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق ما أعطوا من أنفسهم ، وأثابهم مكان ما كانوا يرجون ويطمعون من دخول مكة ، وما كرهت أنفسهم من الرجوع - فتحاً قريباً ، وهو فتح مكة ، أو فتح خيبر ، والله أعلم . ثم قوله : { وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا } اختلف فيه : منهم من صرف الفتح القريب المذكور في الآية إلى فتح خيبر ، وإلى مغانم خيبر حين بشروا بالحديبية بفتح خيبر ، وجعل المغانم لهم مكان ما منعوا من دخول مكة وحيل بينهم وبين ما قصدوا ، أو في الطريق بعد منصرفهم من الحديبية على ما ذكر في القصة ، والله أعلم . ومنهم من صرف الفتح إلى مكة ؛ لأنه ذكر في القصة أنهم بشروا في الطريق بعد انصرافهم من الحديبية بفتح مكة ، ويكون قوله : { وَأَثَابَهُمْ } على هذا التأويل بمعنى : ويثيبهم ، وذلك جائز في اللغة : فعل بمعنى : يفعل ، كقوله - عز وجل - : { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ … } [ المائدة : 116 ] كذا ، يعني : يقول له ، وقوله - تعالى - : { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا } على هذا ينصرف إلى غيره من المغانم ؛ لأنه لم يكن بمكة غنائم ، والله أعلم . ومنهم من قال : { وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } الفتوح كلها التي كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمته ، وكذلك قوله : { وَمَغَانِمَ } . وجائز أن يكون الكفرة جملة ، أي : لو قاتلوكم لولوا الأدبار ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ } ما سن في كل أمة من هلاك ، لم يجعل ذلك الهلاك في غيرها من الأمم ؛ نحو ما جعل هلاك قوم نوح الغرق ، وكذلك قوم فرعون ، وكذلك جعل هلاك عاد بريح صرصر ، وثمود بالطاغية ؛ جعل الله - تعالى - هلاك كل أمة بنوع لم يجعل ذلك لغيرها ؛ يقول : لم يكن لذلك تبديل إلى غيره . وجائز أن يكون قوله : { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ } أي : جعل عاقبة الأمر للمؤمنين . وقوله - عز وجل - : { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } في أمتك ، ولكن جعل عاقبة الأمر لهم كما جعل عاقبة الأمر في سائر الأمم للمؤمنين .