Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 12-14)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } . هذا - والله أعلم - تعليم من الله - تعالى - هذه الأمة وإنباء من أنه قد أخذ العهود والمواثيق على الأمم السالفة ، كما أخذ منكم ؛ لأنه ذكر أنه : قد أخذ من هؤلاء الميثاق بقوله : { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ … } الآية . ثم أعلمهم بما وعد لهم من الثواب إن وفوا بتلك العهود والمواثيق التي أخذت عليهم ، وبما أوعد لهم من العقاب إن نقضوا العهود التي أخذ عليهم ؛ ليكونوا على حذر من نقضها ، وليقيموا على وفائها . أو أن يقال : إنه إنما ذكر ما أخذ على أولئك من العهود والمواثيق ؛ ليكون ذلك آية من آيات رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه إخبار عن الأمم السالفة ، وهو لم يشهدها ولا حضرها ؛ ليعلموا أنه إنما علم ذلك بالله . ثم تحتمل تلك العهود والمواثيق التي أخذت عليهم : ما ذكر على أثرها وسياقها ، وهو قوله - تعالى - : { وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ … } إلى آخر ما ذكر . ويحتمل ما قال ابن عباس : { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } في التوراة : ألاَّ تشركوا به شيئا ، وبالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وإحلال ما أحل الله ، وتحريم ما حرم الله ، وحسن مؤازرتهم . { وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } ، يعني : ملكاً ، وهم الذين بعثهم موسى إلى بيت المقدس ؛ ليعلموا له علمها . ويحتمل : أن يكونوا اختاروا من بينهم أولئك ، فسألوا موسى أن يجعلهم عليهم قدوة يقتدون بهم ويعلمونهم الدين والأحكام ، ويأخذ عليهم المواثيق والعهود ؛ فيكون ما أخذ على أولئك من المواثيق والعهود عليهم ، والله أعلم . ثم اختلف في النقيب : قال بعضهم : النقيب : هو الملك ، وهو قول ابن عباس . وقال أبو عوسجة : النقيب : هو المنظور إليه ، والمصدور عن رأيه ، وهو من وجوه القوم ، وجمعه : النقباء ، مثل العرفاء . وقال أبو عبيد : النقيب : الأمير والضامن على القوم . وقال الكسائي والفراء يقال منه : نقبت عليه ، أنقب ، نقابة ، وهو فرق العريف ؛ يقال من العريف : عرفت عليهم عرافة ، وهم النقباء والعرفاء . والمناكب ، واحدهم : منكب ، وهم كالعون يكون مع العريف . وقال القتبي : النقيب : الكفيل على القوم ، والنقابة والنكابة : شبيهة بالعرافة . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ } ، قال بعضهم : قال للنقباء : إني معكم في النصر والدفع عنكم ، { لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ … ِ } إلى آخر ما ذكر ، وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه . ويحتمل أن يكون هذا الوعد لكل من قام بوفاء ذلك : النقباء وغير النقباء ، وما ذكر من الوعيد في الآية التي هي على أثر هذه على كل من نقض [ ذلك ] العهد : النقيب وغير النقيب . ثم قوله : { لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ } يحتمل وجهين : يحتمل : أنه أراد بالصلاة : الخضوع والثناء له ، وبالزكاة : تزكية النفس وطهارتها ، وذلك في العقل على كل أحد القيام به في كل وقت . ويحتمل : أن يكون أراد بالصلاة والزكاة : الصلاة المعروفة المعهودة ، والزكاة المعروفة ؛ ففيه دليل وجوب الصلاة والزكاة على الأمم السالفة . وقوله - عز وجل - : { وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي } . يحتمل : أن تؤمنوا برسلي جميعاً ، ولا تفرقوا بينهم : أن تكفروا ببعض وتؤمنوا ببعض ؛ كقولهم : { نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } [ النساء : 150 ] . { وَعَزَّرْتُمُوهُمْ } . قال القتبي وأبو عوسجة : وعزرتموهم ، قالا : وعظمتموهم ، والتعزير : التعظيم . وقال بعضهم : نصرتموهم . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : " وعزرتموهم : أعنتموهم " ، يعني : الأنبياء ، عليهم السلام . [ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً . أي : صادقا من كل أنفسكم ، ابتغى به وجه الله . وقال بعضهم ] : { وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } أي : محتسباً طيبة بها نفسه . ويحتمل قوله : { وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } ، أي اجعلوا عند الله لأنفسكم أيادي محاسنَ ؛ تستوجبون بذلك الثواب الجزيل ، ثم قال : { لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } . وعد لهم تكفير ما ارتكبوا من المآثم إذا قاموا بوفاء ما أخذ الله عليهم من المواثيق . وقوله - عز وجل - : { فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيل } . قال بعضهم : فمن كفر بعد ذلك ، أي : بعد المواثيق والعهود التي أخذ عليهم . ويحتمل قوله : { فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ } ، أي : من كفر ، { فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيل } ، أي : أخطأ قصد السبيل . وقوله - تعالى - : { فَبِمَا نَقْضِهِم } . أي : فبنقضهم ، قيل : ما زائدة ، فبنقضهم ميثاقهم . { لَعنَّاهُمْ } . يحتمل : { لَعنَّاهُمْ } ، أي : طردناهم ، والملعون : هو المطرود عن كل خير . ويحتمل : { لَعنَّاهُمْ } ، أي : دعونا عليهم باللعن . { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } . بما نزع منها الرحمة والرأفة ؛ إذا نقضوا العهود وتركوا أمر الله ؛ لأن الله - تعالى - أخبر أنه جعل في قلوب الذين اتبعوا أمر الله وأطاعوا رسوله الرحمة والرأفة بقوله - تعالى - : { وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً } [ الحديد : 27 ] ؛ فإذا نزعت الرحمة من قلوبهم صارت قاسية يابسة . وقوله - عز وجل - : { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } . يحتمل أن يكونوا يغيرون تأويله ويقولون : هذا من عند الله . ويحتمل التحريف : تحريف النظم والمتلو ، ومحوه ، ويكتبون غيره . { وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } . قيل : ضيعوا كتاب الله بين أظهرهم ، ونقضوا عهده الذي عهد إليهم ، وتركوا أمره . وقوله - عز وجل - : { مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } ، أي : وعظوا به ، وقيل : تركوا نصيباً مما أمروا به في كتابهم من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ } . إخبار عن تمردهم في المعاندة ، وكونهم في الخيانة ، وإياس عن إيمانهم ، ثم استثنى فقال : { إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ } . وهم الذين أسلموا منهم . وقوله - عز وجل - : { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ } . ولا تكافئهم لما آذوك . ثم قال بعضهم : هو منسوخ بآية القتال في سورة براءة ، وهو قوله - تعالى - : { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ … } الآية [ التوبة : 29 ] . ويحتمل { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ } إلى أن تؤمر بالقتال ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ } . عن الحسن قال : قال للنصارى : { كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ } [ الصف : 14 ] ؛ فقالوا : بل نكون نصارى ؛ فذلك قوله : { إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } : ما من أحد يعقل إلا وقد أخذ الله - عز وجل - عليه العهد والميثاق ، وقد أخذ الميثاق على المؤمنين بقوله - تعالى - : { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ … } الآية ، وأخذ الميثاق على اليهود بقوله : { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ … } الآية ، وأخبر - أيضاً - أنه قد أخذ الميثاق على النصارى في هذه الآية بقوله - تعالى - : { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ } ، وقد تقدم ذكر الميثاق ومعناه في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } . يحتمل هذا وجهين : يحتمل : أي تركوا حظهم مما أمروا به من التوحيد بالله ، والإيمان بالرسل كلهم ، والتمسك بكتاب الله - سبحانه وتعالى - والوفاء بالعهود التي عهد إليهم ، فتركوا ذلك كله وضيعوا . ويحتمل : { فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } ، أي : لم يحفظوا ما وعظوا به . وقوله - عز وجل - : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } . قيل : { فَأَغْرَيْنَا } : ألقينا بينهم العداوة والبغضاء ، قال الحسن : من حكم الله - تعالى - أن يلقى بينهم العداوة والبغضاء ، وأن يجعل قلوبهم قاسية ، ومن حكمه أن يكون بين المسلمين رأفة ورحمة . وقال بعض المعتزلة : قوله - تعالى - : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ } ، أي : خذلناهم ، وتركناهم . لكن هذا كله منهم احتيال ، وفرار عما يلزمهم من سوء القول وقبحه ؛ فيقال لهم : إن شئتم جعلتم خذلاناً ، وإن شئتم تركاً ، اجعلوا ما شئتم ، ولكن هل كان من الله في ذلك صنع ، أو أضاف ذلك [ إلى نفسه ] ولا صنع له في ذلك ، وذلك الحرف على غير إثبات الفعل فيه أو شيء ، حرف ذم لا يجوز أن يضيف ذلك إلى نفسه ولا فعل له في ذلك ، ولا صنع ؛ فدل أن له فيه صنعاً ، وهو ما ذكرنا أن خلق ذلك منهم ؛ وكذلك فيما أضاف إلى نفسه من جعل الرأفة والرحمة في قلوب المؤمنين ؛ فلو لم يكن له في ذلك صنع لكان لا يضيف ذلك إلى نفسه ، وذلك الحرف حرف الحمد والمدح ؛ فدل أن له صنعاً ، وهو أن خلق الرأفة والرحمة في قلوب المؤمنين ، وخلق القساوة والعداوة في قلوب أولئك الكفرة ، وبالله التوفيق . وفي الآية دلالة إثبات رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أخبر أنه ألقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ، وأخبر ألا تزال تطلع على خائنة منهم ، وكان كما قال ، على علم منهم أنه لا يطلع على [ ما في ] قلوبهم من الخيانة والقساوة ، وغير ذلك من الأمور ؛ فدل أنه علم بالله ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ } . في الآخرة . { بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } في الدنيا ، وهو قول ابن عباس .