Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 8-11)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ … } الآية . يحتمل أن تكون الآية في الشهادة نفسها ؛ كأنه قال : أن قوموا شهداء لله ، واجعلوا الشهادة له ، فإذا فعلوا هكذا لا يمنعهم بغض أحد وعداوته ، ولا رضا أحد وولايته - القيام بها . ندبهم الله أن يقوموا في الشهادة لله والحكم له : يحكم للعدو كما يحكم للولي ، ويقوم في الشهادة للعدو كما يقوم للولي ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون في بيان الحق والحجج وتعليم الأحكام والشرائع ؛ كأنه يقول - والله أعلم - : قوموا في بيان الحجج والحق وتعليم الأحكام لله ، لا يمنعكم بغض قوم ولا رضاهم على ألا تبينوا الحق لهم ، ولا تعلموا الحجج والأحكام لهم . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } ، أي : لا يحملنكم { شَنَآنُ قَوْمٍ } ، أي : بغض قوم { عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ } فيهم ؛ فإنما العدل لله في الرضا والسخط ، { ٱعْدِلُواْ } ، يقول : قولوا العدل بالحق ؛ فإنه أقرب للتقوى . وقوله - عز وجل - : { ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } . أي : اعدلوا هو التقوى ؛ كقوله - تعالى - : { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف : 56 ] ، أي : رحمة الله للمحسنين ؛ لأن العدل ليس إلا التقوى . { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } . في ترك ما أمركم به ، وارتكاب ما نهاكم عنه . { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } . وتضمرون من العدل والجور ، خرج على الوعيد . وقوله - عز وجل - : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } قال بعضهم : هذه الآية [ هي ] صلة ما تقدم في قوله - سبحانه وتعالى - : { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ … } إلى آخر ما ذكر . فإذا فعلوا ، وقاموا في الشهادة والعدل في الحكم ، كان لهم ما ذكر من الوعد ، والله أعلم . ولكن يحتمل هي على الابتداء - والله أعلم - كأنه قال : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات وعداً ، ثم بين ما في ذلك الوعد ، فقال : لهم مغفرة وأجر عظيم : يستر على ذنوبهم ، ويتجاوز عنها ، وأجر عظيم : الجنة ، قال ابن عباس - رضي الله عنه - " لهم مغفرة في الدنيا لذنوبهم ، وأجر عظيم في الآخرة : الجنة " ، وهو ما ذكرنا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } قيل : كفروا بآيات الله وكذبوا بآياته ، يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم والقرآن ، { أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } . وقيل : { كَفَرُواْ } بتوحيد الله ، { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ } : بالقرآن بأنه ليس من الله تعالى ، وهما واحد ؛ وهذا يدل على أن الآية على الابتداء خرجت ، ليس على الصلة على ما قالوا . وقوله - عز وجل - : { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } . يحتمل أن تكون هذه المنة التي ذكر الله - تعالى - في هذه الآية من كف أيدي الأعداء عنهم ، بعدما بسطوا إليهم أيديهم في جملة المؤمنين ؛ لأن المؤمنين كانوا في ابتداء الأمر مختفين فيما بين الكفرة ، لا يقدرون على إظهار الإسلام وإعلانه ، وقد هموا قتل المؤمنين غير مرة ، وفيما كف أيديهم عنهم منة عظيمة علينا وعليهم وعلى جميع المسلمين . ويحتمل أن يكون في قوم خاص قد أحاطوا بهم ، وبسطوا أيديهم إليهم ، وهموا بقتلهم ؛ فكف الله - عز وجل - بفضله أيديهم عنهم ، وأنقذهم من أيديهم . ثم اختلف فيه : عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : " هَمَّ بنو قريظة أن يبسطوا إليهم أيديهم بالقتل ؛ فكف الله - تعالى - أيديهم عنهم بالمنع " . وقيل : نزلت في اليهود : دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطاً لهم في النخل ، وأصحابه وراء الجدار ، واستعانهم في مغرم دية غرمها ، ثم قام من عندهم ، فائتمروا بينهم بقتله ، فخرج يمشي القهقرى معترضاً ينظر من خيفتهم ، ثم دعا أصحابه إليه رجلاً رجلاً ، حتى تناهوا إليه . فلا ندري كيفما كانت القصَّة ؟ وليس لنا إلى معرفة القصّة حاجة بعد أن نعرف منة الله - تعالى - التي من علينا بكف الأعداء عنهم ، ونشكر له على ذلك . وفي هذه الآية دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أخبر عما كان منهم من غير أن يشهد ذلك ؛ ليعلم أنه بالله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } . أي : على الله يكل المؤمن في كل أمره ، وبه يثق .