Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 15-16)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ } الآية . قال - عز وجل - : { قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا } ، ولم يقل : فلان بن فلان ؛ ليعلم أن الرسل - عليهم السلام - ليسوا يعرفون بالأسامي والأنساب ؛ ولكن إنما يعرفون بالآيات المعجزة والبراهين النيرة . وفيه دليل أن من آمن بالرسل كلهم ولم يعرف أسماءهم أنه يكون مؤمناً ، ولم يؤخذ علينا معرفة أسامي الرسل ؛ إنما أخذ علينا الإيمان بهم جملة ؛ ألا ترى أن الله - عز وجل - لم يذكر في الكتاب الأنبياء والرسل جميعاً واحداً فواحداً ، ولا ذكر أسماءهم ؛ إنما ذكر بعضاً منهم ؟ ! أفترى أن من لم يعرف أسماءهم لم يكن مؤمناً ؟ ! هذا بعيد . وفيه دلالة إثبات رسالة [ سيدنا ] محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه قال : { يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ } ، وهم إذا كتموا ذلك وأخفوه - أعني : الرؤساء - ولم يخبروا أحداً أنهم كتموا ذلك وأخفوه ، حتى يبلغ الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلف إلى أحد منهم ، أو نظر في كتابهم قط ؛ ليعلم ما كتموا ، فلما بين لهم ما قد كتموا وأخفوا من الناس ؛ دل ذلك لهم أنه إنما علم ذلك بالله تعالى . وقوله - عز وجل - : { يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } . اختلف في تأويله وقراءته : قال بعضهم : " نبين " بالنون ، " ونعفوا عن كثير " ، أي : الله يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون [ من الكتاب ] ، ويعفوا الله - تعالى - عن كثير إذا آمنوا ورجعوا عما كانوا يخفون ويكتمون . وقال آخرون : يبين لهم كثيراً ، أي : جميع ما كانوا يخفون ، ويعفو عن جميع ذلك . وأمَّا عندنا فقوله : { يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } بالياء ، أي : رسول الله يبين لهم كثيراً ، ويعفو عن كثير ، على قدر ما أذن له البيان لهم ؛ لأن الرسل إنما يأتون بالبراهين والحجج على قدر ما أذن لهم ، لا بكل ما لهم من الآيات ؛ ألا ترى أن سحرة فرعون لما ألقوا حبالهم وعصيهم فصارت حيات ، لم يلق موسى عصاه حتى أذن الله له في ذلك ؟ ! وهو قوله - تعالى - : { وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } [ الأعراف : 116 - 117 ] . إنما أتى بالآية بعد ما أذن له بذلك ؛ فعلى ذلك قوله : { يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً } إنما يبين على قدر ما أذن له بالبيان والحجة ، والله أعلم . وقوله : { مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ } : يحتمل مما كنتم تخفون من الكتاب : من الشرائع والأحكام ، ويحتمل : كتموا ما في الكتاب من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وصفته [ الكريمة ] . وقوله - عز وجل - : { قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ } . عن الحسن : النور والكتاب واحد ، وكذلك ما قال في قوله : { ٱلْكِتَابِ وَٱلْحِكْمَةِ } [ البقرة : 231 ] هما واحد . وقال غيره : النور : هو محمد ، والكتاب : هو القرآن ، سماه : نوراً ؛ لما يوضح ويضيء كل شيء على ما هو عليه حقيقة ؛ وعلى ذلك يخرج قوله - عز وجل - : { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ … } الآية [ النور : 35 ] ، أي : به يتضح كل شيء على ما هو عليه في الحقيقة ، وبالله التوفيق . وقوله - عز وجل - : { يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ } . يحتمل قوله : { يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ } ، أي : بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل : بالقرآن ، أي : به يهدي الله { مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ } ، يحتمل : رضاه . وقوله - عز وجل - : { سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ } . السلام : قيل : هو الله ؛ كقوله - تعالى - : { ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ } [ الحشر : 23 ] ، أي : به يهدي سبل السلام ، سمي سبلا ؛ لأن سبيل الله - وإن كان كثيراً في الظاهر - فهو في الحقيقة واحد ، وسمي سبل الشيطان سبلاً وقال : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ … } الآية [ الأنعام : 153 ] ؛ لأن سبله متفرقة مختلفة ، ليست ترجع إلى واحد ، وأما سبل الله - وإن كانت سبلاً في الظاهر - فهي ترجع إلى واحد ، وهو الهدى والصراط المستقيم .