Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 17-19)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ } . كفروا كفر مكابرة ومعاندة ، لا كفر شبهة وجهل ؛ لأنهم أقروا أنه ابن مريم ، ثم يقولون : إنه إله ، فإذا كان هو ابن مريم وأمُّه أكبر منه ؛ فمن البعيد أن يكون من هو أصغر منه إلهاً لمن هو أكبر منه وربا ؛ وإلا الكفر قد يكون بدون ذلك القول ، لكن التأويل هو ما ذكرنا : أنهم كفروا كفر معاندة ومكابرة مع إقرارهم أنه ابن مريم ؛ حيث جعلوا الأصغر إله الأكبر وربّاً له . وقوله - عز وجل - : { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } . أي : لا أحد يملك من دون الله شيئاً ، إن اراد إهلاك { ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ … } الآية ، أي : لو كان إلهاً - كما تقولون - لكان يملك دفع الإهلاك عن نفسه وعن أمه ومن عبدهما في الأرض . وقيل : فمن يملك أن يمنع من الله شيئاً من عذابه إن أراد أن يهلك المسيح بعذاب ، وأمَّه ومن في الأرض جميعاً بعذاب أو بموت ؟ ! وهما واحد . ثم عظَّم نفسه عن قولهم ونزهها حين قالوا : { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } ، فقال : { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . أي : كلهم عبيده وإماؤه ، يخلق ما يشاء من بشر وغير بشر . { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . أي : قادر على خلق الخلق من بشر ومن غير بشر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ الآية ] . يحتمل أن يكون هذا القول لم يكن من الفريقين جميعاً ، ولكن كان من أحد الفريقين هذا ، ومن الفريق الآخر غيره ، وكان كقوله - تعالى - : { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [ البقرة : 111 ] كأن هذا القول : كان كل فريق نفي دخول الفريق الآخر الجنة ، لا أن قالوا جميعاً : { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [ البقرة : 111 ] . ويحتمل : أن كان من النصارى { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ } ؛ لما ذكر في بعض القصة أن عيسى - عليه السلام - قال لقومه : " أدعوكم إلى أبي وأبيكم الذي في السماء " ؛ فقالوا عند ذلك : { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ } ، وكان من اليهود : " نحن أحباء الله " . ويحتمل : أن يكون هذا القول كان منهما جميعاً ، قال كل واحد من الفريقين : { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } . وقيل : إنهم قالوا ذلك في المنزلة والقدر عند الله تعالى ، أي : لهم عند الله من المنزلة والقدر كقدر الولد عند والده ومنزلته عنده ، ولا يعذبنا ، فقال : قل يا محمد : { فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم } . إن كان ما تقولون حقّاً فلم يعذبكم ؟ ! حيث جعل منكم القردة والخنازير ، ولا أحد من الخلق يحتمل قبله أن يكون ولده أو صديقه قرداً أو خنزيراً . أو يقال : لا أحد يحتمل قلبه تعذيب ولده وحبه - بذنب يذنبه - بالنار ، وقد أقررتم أنكم تعذبون في الآخرة قدر ما عبد آباؤكم العجل . ثم قال : { بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ } . أي : من اتخذ ولداً وحبّاً أن يتخذ من شكله ومن جنسه ؛ فالله - تعالى - إنما خلقكم من بشر ؛ كغيركم من الخلق ، وأنتم وهم في ذلك سواء ، فكيف خصصتم أنفسكم بذلك ؟ ! . وقوله - عز وجل - : { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } دليل أن من رفع أحداً من الرسل فوق قدره في الكفر كمن حط عن قدره ومرتبته . وقوله : { يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ } . أي : من تاب وأسلم . { وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } . من دام على الكفر ، ومات عليه . وقوله - عز وجل - : { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } . أي : كلهم عبيده وإماؤه وخلقه ؛ يعظم نفسه عن قولهم : { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } ، ولا أحد يتخذ عبده ولده ولا حبّاً ؛ فأنتم إذا أقررتم أنكم عبيده ، كيف ادعيتم البنوة والمحبة ؟ ! والله أعلم . وفي الآية دلالة إثبات رسالة [ نبينا ] محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنهم قالوا قولاً فيما بينهم ، ثم أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ؛ ليعلم أنه إنما عرف ذلك بالله . وقوله - عز وجل - : { يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ } . يحتمل قوله - تعالى - : { يُبَيِّنُ لَكُمْ } ما كنتم تكتمون من نعته وصفته ، ويحرفون ؛ كقوله - تعالى - : { يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } . ويحتمل : { يُبَيِّنُ لَكُمْ } مما [ لكم وعليكم ] من الأحكام والشرائع ، ويحتمل : { يُبَيِّنُ لَكُمْ } ما كان عليه الأنبياء والرسل . وقوله - عز وجل - : { عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ ٱلرُّسُلِ } . قيل : على انقطاع من الرسل من لدن إسرائيل إلى عيسى - عليه السلام - لأنه قيل : إنه كان رسول على أثر رسول : لم يكن بين رسولين انقطاع ؛ فأخبر - عز وجل - أنه بعث محمداً صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل . وقيل : { عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ ٱلرُّسُلِ } ليس على انقطاع منهم ؛ ولكن على ضعف أمور الرسل ودروس آثارهم ، وهو من الفتور ، يقال : فتر يفتر فتوراً . يخبر - والله أعلم - أنه إنما بعث الرسول بعدما درس آثار الرسل ، وضعف [ أمورهم ] ووقع فيما بينهم اختلاف للضعف ؛ ليبين لهم ما ذكر : { أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ } . يقطع احتجاجهم بذلك ، وإن لم يكن لهم في الحقيقة احتجاج ، وهو كما قال : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ } [ النساء : 165 ] ، وكقوله : { أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } [ الأعراف : 169 ] . بشير بالجنة [ لمن أطاع ] ، ونذير بالنار لمن عصاه . فقد جاءكم بشير ونذير . { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . يحتمل : { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } من بعث الرسل على فترة منهم ، وإحياء ما درس من آثار الرسل ، وما ضعف من رسومهم ، والله أعلم .