Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 20-26)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ … } الآية . يحتمل قوله : { ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } : ما ذكر من بعث الرسل والأنبياء - عليهم السلام - على فترة منهم ، ويحتمل : ما ذكر على أثره ، وهو قوله : { إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } ؛ كأنه يقول : اشكروا نعمتي التي أنعمت عليكم من جعل الأنبياء فيكم ، ولم يكن ذلك لأمة من الخلق ، وجعلكم ملوكاً تستنصرون من الأعداء ؛ لأن الملوك في بني إسرائيل هم الذين كانوا يتولون القتال وأمر الحرب مع الأعداء ؛ كقوله : { ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 246 ] ، فأخبر أنه جعل فيهم الأنبياء يعلمونهم أمور الدنيا والآخرة ، ويحتاج غيرهم إلى معرفة ذلك ، وإنما يعرفون ذلك بهم ، وجعل فيهم ملوكاً يستنصرون من الأعداء ويقهرونهم ؛ فيعزون ويشرفون في الدنيا والآخرة . وقوله : { وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } . يحتمل : ما ذكر من جعل الأنبياء والملوك فيهم ، ويحتمل : ما رزقهم في التيه من المنِّ والسلوى وغيره من النعم . وقيل في قوله : { وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } ، أي : جعلكم بحيث تملكون أنفسكم ، وكنتم قبل ذلك يستعبدكم فرعون ، ويتخذكم خولاً لنفسه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } . قيل : قوله : { كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } ، أي : كتب الله عليكم قتال أهل تلك الأرض ؛ ليسلموا ، وهو كقوله : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } [ البقرة : 193 ] ، يعني : الكفر ؛ فعلى ذلك قوله - تعالى : { ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } قتال أهلها ؛ ليسلموا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لَكُمْ } ، أي : عليكم ، وهذا جائز في اللغة ؛ كقوله : { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } [ الإسراء : 7 ] ، أي : فعليها . وقيل : قوله : { ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } فَتْحَهَا ، إن أطعتم أمر الله فيما أمركم به ، وانتهيتم عما نهاكم عنه ، وأجبتم رسوله إلى ما دعاكم إليه ، أي : إذا فعلتم ذلك يفتح الله تلك الأرض ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ } ، قيل : هي الشام ، وقيل : غيرها ، ثم سماها مرة مقدسة ، ومرة : مباركة ، وهو كقوله : { إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } [ الإسراء : 1 ] ، ثم يحتمل قوله : { بَارَكْنَا حَوْلَهُ } [ الإسراء : 1 ] بكثرة الثمار والفواكة ، وسعة عيشها ، وكثرة ريعها . ويحتمل : أن سماها مباركة ؛ لما كانت معدن العباد والزهاد ومنزهة عن الشرك وجميع الفواحش والمناكير ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ } . هذا - والله أعلم - كناية عن الرجوع عن الدين ؛ وهو كقوله - تعالى - : { وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً } [ آل عمران : 144 ] ، وإنما صار ذلك كناية عن الرجوع عن الدين - والله أعلم - لما ذكرنا في أحد التأويلين : أنه كتب عليهم قتال أهل تلك الأرض ، فتركوا أمر الله وطاعته . ويحتمل : أن وعد الله لهم فتح تلك الأرض ، فلم يصدقوا رسوله فيما أخبر عن الله من الفتح لهم ؛ فكفروا بذلك . وقوله - عز وجل - : { فَتَنْقَلِبُوا خَٰسِرِينَ } . يحتمل : أن يكون ذلك لهم في الآخرة ، ويحتمل : في الدنيا منهزمين . ويحتمل قوله - تعالى - : { وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ } . أي : لا ترجعوا وراءكم ، ولكن ادخلوها . وقوله - عز وجل - : { قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } . يحتمل : أن يكون هذا - والله أعلم - لما رأوا فرعون مع قربه وكثرة جنوده ، مع ادعاء ما ادعى من الربوبية لنفسه - لعنة الله عليه وعلى آله - لم يقدر على فتح تلك الأرض ، وعجز عن غلبة أهلها وقهرهم وجعلهم تحت يديه - فرأي هؤلاء ألا يقدرون على ذلك مع ضعفهم في أنفسهم ، وقلة عددهم ؛ وقصور أسبابهم ؛ لذلك امتنعوا عن الدخول فيها إلا بعد خروج من فيها من الجبارين عنها ؛ خوفاً منهم على أنفسهم ، لكن موسى - عليه السلام - كان وعد لهم الفتح والنصرة مع ضعفهم وقلة عددهم ، إذا دخلوا فيها . وقوله - عز وجل - : { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ } اختلف في الرجلين اللذين قالا ذلك لهم : قال قائلون : كان ذانك الرجلان من أولئك الذين بعثهم موسى - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - إلى أهل تلك الأرض ، وأمرهم بالدخول فيها ، وهما ممن قد أنعم الله عليهما من تصديق ما وعد لهم موسى من الفتح والنصرة ، فقال : { فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ } صدقوا موسى بما وعد لهم من الفتح . وقال قائلون : كان ذانك الرجلان اللذان قالا ذلك لهم هما من أهل تلك الأرض ؛ لأنهم إذ سمعوا أن موسى قصد نحوهم خافوا من ذلك ؛ فذلك معنى قوله : { مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا } بالإسلام ؛ فقالا : { ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ } ؛ لما علموا من خوف أهلها من موسى ومن معه وفزعهم . وقوله - عز وجل - : { وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } . أي : مصدقين بوعد موسى بالفتح لكم والنصر . ويحتمل : وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مسلمين ؛ فإن كل من توكل على الله ووثق به ، نصره الله ، وجعله غالباً على عدوه ، والله أعلم . وقوله : { ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ } : كأن المراد من الباب ليس نفس الباب ؛ ولكن جهة من الجهات التي يكون الدخول عليهم من تلك الجهة أرفق وأهون ؛ كأنه قال : ادخلوا عليهم جهة كذا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا } . من تعرض لرسول من الرسل بمثل ما تعرض هؤلاء لموسى : { يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا } - يكفر ؛ لأن موسى - عليه السلام - قد وعد لهم النصر والفتح إذا دخلوها ، فقالوا : { لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً } لم يصدقوا موسى - عليه السلام - فيما وعد لهم من الفتح والنصر ، ومن كذَّب رسولاً من الرسل بشيء مخبر ؛ فهو كافر . وقوله - عز وجل - : { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ … } الآية : دل - قوله - تعالى - : { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ } على أن الأمر بالدخول فيها أمر بالقتال مع الأعداء ، حين قال : { ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } ، وأن المكتوب عليهم القتال معهم ؛ لأنهم قالوا : { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ } ، والله أعلم . ثم قيل في قوله - تعالى - : { فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ } بوجهين : قيل : اذهب أنت وربك فقاتل وحدك ، وليعينك ربك وينصرك ؛ لأنك تقول : إن الله قد وعدك فتحها والنصر عليهم ، فالواحد والجماعة فيه سواء ، إذا كان الله ناصرك ومعينك . والثاني : اذهب أنت وأخوك بربك فقاتلا ؛ لأنهما كانا جميعاً مأمورين بتبليغ الرسالة ؛ لأنهما إذا قاتلا إنما قاتلا بربهما ، وتجوز الإضافة إليه والنسبة لما كان يفعل به ؛ كقوله : { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ } [ الأنفال : 17 ] ، وقوله - تعالى - : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } [ الأنفال : 17 ] هم المباشرون للقتل والرمي في الحقيقة ، لكنه أضيف إليه ؛ لما بنصره ومعونته قتلوا ورموا ؛ فعلى ذلك الأول - والله أعلم - أضيف إليه ؛ لما بمعونته ونصره يقاتلون . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } . أي : ليس يريد به القعود نفسه ، ولكن - والله أعلم - إنا هاهنا منتظرون . وقوله - عز وجل - : { قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي … } [ الآية ] يحتمل وجهين : يحتمل : أني لا أملك في الإجابة والطاعة لك إلا نفسي [ وأخي - أيضاً - ] لما عرفت بالعصمة التي أعطيت له أن يجيبني ويطيعني في ذلك ، وأما هؤلاء : فإني لا أملك إجابتهم ولا طاعتهم ، { فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } . ويحتمل : { إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي } لا يملك - أيضاً - إلا نفسه ؛ على الإضمار ؛ لأنهما كانا جميعاً رسولين مأمورين بتبليغ الرسالة بقوله - تعالى - : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً … } الآية [ طه : 44 ] . وقوله - عز وجل - : { فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } . قال قائلون : إنما طلب موسى - عليه السلام - الفرقة بينه وبين الذين أبوا الدخول فيها ، وقالوا : { لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً } . وقال قائلون : إنما طلب [ موسى ] الفرقة بينهم وبين الجبابرة الذين كانوا في الأرض ، التي أمروا بالدخول فيها والقتال معهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً … } الآية . قوله تعالى : { مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } : من الحرمان والمنع ، هو - والله أعلم - ليس على التحريم ؛ كقوله - تعالى - : { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ } [ القصص : 12 ] ليس هو من التحريم الذي هو تحريم حكم ، ولكن من المنع والحرمان ؛ فعلى ذلك الأول ، والله أعلم . وقال قائلون : محرمة عليهم أبداً لم يدخلوها حتى ماتوا ، لكن ولد لهم أولاد ؛ فلما ماتوا هم دخل أولادهم ؛ لأنهم قالوا : { لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً } . وقال قائلون : قوله تعالى : { مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } : أي : التوبة محرمة عليهم ، لن يتوبوا أبداً ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ } : فالمدة هاهنا للتيه - والله أعلم - لا لقوله تعالى : { مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } . ثم اختلف في التيه : قال قائلون : لم يكن موسى وهارون - عليهما السلام - معهم في التيه ؛ لأن ذلك لهم من الله كان عقوبة ، ولا يحتمل أن يكون الله - عز وجل - يعذب رسوله بذنب قومه ؛ لأنه لم يعذب قوماً بتكذيب الرسول قط إلا من بعد ما أخرج الرسول من بين أظهرهم ؛ فعلى ذلك لا يحتمل أن يكون موسى يعذب بعصيان قومه ، والله أعلم . وقال آخرون : كان موسى معهم في تلك الأرض مقيماً فيها ، ولكن الحيرة والتيه كانت لقومه ، قيل : كانوا يرتحلون ثم ينزلون من حيث أصبحوا أربعين سنة ، وكان ماؤهم في الحجر الذي كان مع موسى - عليه السلام - فكان إذا نزل [ ضربه ] موسى بعصاه ، { فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } [ البقرة : 60 ] ، لكل سبط عين ، ولم يكن حل بموسى مما كان حل بقومه قليل ولا كثير ؛ إنما أمر بالمقام فيها ؛ فأقام من غير أن كان به حيرة .