Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 72-77)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ … } [ الآية ] : يحتمل قوله - عز وجل - : { لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ } : أي : كفروا بعيسى ؛ لأن عيسى كذبهم في قولهم : " إنه ابن الله " بقوله : { يَابَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ … } الآية ، وبقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } [ آل عمران : 51 ] ، وبقوله : { إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ … } الآية [ مريم : 30 ] ، أخبر أنه عبد الله ، ليس هو إلهاً ولا ابنه ، تعالى الله عن ذلك . والثاني : كفروا بعلمهم ؛ لأنهم علموا أنه ابن مريم ، وسموه ابن مريم ، ثم قالوا : هو الله أو ابن الله ، فإن كان ابن مريم أَنَّى يكون له ألوهية ؟ ! فإذا كانت أمه لم تستحق الألوهية وهي أقدم منه ، كيف يكون لمن بعدها ؟ ! ولكن لسفههم قالوا ذلك ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ } : إذا حرم عليه الجنة صار مأواه النار . وقيل : سمي : مسيحاً ؛ قال الحسن : سمي ذلك ؛ لأنه ممسوح بالبركات ، وسمي الدجال : مسيحاً ؛ لأنه ممسوح باللعنة . وقيل : المسيح بمعنى الماسح ، وذلك جائز ؛ الفعيل بمعنى الفاعل ، وهو ما كان يمسح المريض والأكمة والأبرص فيبرأ ، ويمسح الموتى فيحيون ، ومثل ذلك ؛ فسمي بذلك ، والله أعلم . والفعيل بمعنى المفعول جائز - أيضاً - يقال : جريح ومجروح ، وقتيل ومقتول ؛ هذا كله جائز في اللغة . وقوله - عز وجل - : { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } . قوله تعالى : { كَفَرَ } بعلمهم ، علموا [ بوحدانيته ] ، فكيف يكون ثالث ثلاثة وهو واحد ؟ ! فإذا قالوا : هو الله فلا يكون هناك ثان ولا ثالث ، وذلك تناقض في العقل . والثاني : أنهم لم يروا غير الله خلق السماوات والأرض ، ولا رأوا أحداً خلقهم سوى الله ، كيف سموا دونه إلهاً ولم يخلق ما ذكرنا ؟ ! إنما خلق ذلك الله الذي لا إله غيره ، وذلك قوله : { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } أي : يعلمون أنه لا إله إلا [ الله ] إله واحد ، لكنهم يتعنتون ويكابرون في ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ } : عما تقدم ذكره { لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . وقوله - عز وجل - : { أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ } : عن مقالتهم الشرك ، فإن فعلوا فإن الله غفور رحيم ؛ كقوله - تعالى - : { إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] ، وبالله العصمة . وقوله - عز وجل - : { مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ } . في الآية دلالة المحاجة مع الفريقين ؛ كأنهم كانوا فريقين : أحد الفريقين كانوا ينكرون أنه رسول ، والفريق الآخر يدعون له الربوبية والألوهية ، فقال : إنه ابن مريم ، وابن مريم لا يحتمل أن يكون إلهاً . والثاني : أخبر أنه رسول قد خلت من قبله الرسل ، أي : قد خلت من قبل عيسى رسل مع آيات وبراهين لم يقل أحد من الأمم السالفة : إنهم كانوا آلهة ، فكيف قلتم أنتم بأن عيسى إله ، وإن كان معه آيات وبراهين لرسالته ؟ ! وقوله - عز وجل - : { وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ } . قيل : مطهرة عن الأقذار كلها ، صالحة . وقيل : { صِدِّيقَةٌ } : تشبه النبيين ، وذلك أن جبريل - عليه السلام - لما أتاها وقال : { إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً } [ مريم : 19 ] صدقته كتصديق الأنبياء والرسل الملائكة ، وأما سائر الخلائق : إنما يصدقون الملائكة بإخبار الرسل إياهم ، وهي إنما صدقت جبريل بإخباره أنه ملك ، وأنه رسول ؛ لذلك سميت صديقة ، والله أعلم . وقيل : كل مؤمن صديق ، كقوله - تعالى - : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ … } [ الآية ] [ الحديد : 19 ] . وقوله - عز وجل - : { كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ } : فيه الاحتجاج عليهم من وجهين : أحدهما : أن الجوع قد كان يغلبهما ويحوجهما إلى أن يدفعا ذلك عن أنفسهما ، ومن غلبه الجوع وقهره كيف يصلح أن يكون ربّاً إلها ؟ ! . والثاني : أنهما إذا احتاجا إلى الطعام لا بد من أن يدفعهما ذلك إلى إزالة الأذى عن أنفسهما ودفعه ، والقيام في أخبث الأماكن وأقبحها ، فمن دفع إلى ذلك لا يكون إلها ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً . وقوله - عز وجل - : { ٱنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلآيَاتِ } : والآيات ما ذكر من وجوه المحاجة عليهم : أحدها : أنه ابن مريم ، ومن كان ابن آخر لا يكون إلها . والثاني : أنه رسول ، وقد كان قبله رسل مع آيات وبراهين ، لم يدع أحد لهم الألوهية والربوبية . والثالث : أنه كان يأكل الطعام ، ومن كان تحت غلبة آخر وقهره ، لا يكون إلها . والرابع : من أكل الطعام احتاج أن يدفع عن نفسه الأذى ، ويقوم في أخبث مكان ، ومن كان هذا أمره لم يكن ربّاً . وليس في القرآن - والله أعلم - آية أكثر ولا أبين احتجاجاً على النصارى وأولئك ، ولا أقطع لقولهم من هذه الآية ؛ للمعاني التي وصفنا . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ ٱنْظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } : أي : من أين يكذبون . قال أبو عبيد : { يُؤْفَكُونَ } : يصرفون ، ويخادعون عن الحق ، كل من صرفته عن شيء فقد أفكته . ويقال : أفكت الأرض ، إذا صرف عنها القطر . وقوله : { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } [ الذاريات : 9 ] . قال ابن عباس - رضي الله عنه - { وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [ الأحقاف : 28 ] قال : أضلهم ، فإذا أضلهم ، فقد صرفهم عن الهدى . قال أبو عوسجة : الإفك عندي : الصرف عن الحق ، وفي الأصل : الإفك : الكذب . وقال القتبي : { يُؤْفَكُونَ } : يصرفون عن الحق ويعدلون . وقيل : { أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } يخدعون بالكذب . وقوله - عز وجل - : { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً } إن خالفتموه { وَلاَ نَفْعاً } إن أطعتموه . ويحتمل : قوله : { مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً } إن كان الله أراد بكم نفعاً ، ولا نفعاً إن حل بكم الضر ، أي : لا يملكون دفعه عنكم . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } : لنسبتكم عيسى إليه تعالى ، { ٱلْعَلِيمُ } بعبادتكم غير الله . ويحتمل : { ٱلسَّمِيعُ } المجيب لدعائكم ، { ٱلْعَلِيمُ } بنياتكم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ } . خاطب الله - عز وجل - بالنهي عن الغلو في الدين أهل الكتاب ، لم يخاطب أهل الشرك بذلك فيما خاطب بقوله : { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } [ النساء : 171 ] ؛ وذلك أن أهل الكتاب ادعوا أنهم على دين الأنبياء والرسل [ الذين ] كانوا من قبل ، فنهاهم الله - عز وجل - عن الغلو في الدين . والغلو : هو المجاوزة عن الحد الذي حد ، والإفراط فيه والتعمق ؛ فكأنه - والله أعلم - قال : لا تجاوزوا في الدين الحد الذي حد فيه بنسبة الألوهية والربوبية إلى غير الله والعبادة له . وأما أهل الشرك : فإنهم يعبدون ما يستحسنون ، ويتركون ما يستقبحون ، ليس لهم دين يدينون به . وأما هؤلاء : فإنهم يَدَّعُون أنهم على دين الأنبياء والرسل ؛ لذلك خرج الخطاب لهم بذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ } : يعني : الرؤساء بذلك ، والله أعلم . [ { وَأَضَلُّواْ كَثِيراً } : أي : أتباعهم . { وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } : أي : عن قصد طريق الهدى ] .