Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 99-102)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز جل - : { مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ } فيه وجهان : أحدهما : ردّاً على من يقول : إن الموعظة لا تنفع ولا تنجع فيه إذا لم يكن الواعظ مستعملا لما يعظ غيره ؛ إذ ليس أحد من الخلق أشد استعمالا من الرسل - عليهم السلام - ثم لا تنفع مواعظهم وذكراهم قومهم ، ولا تنجع فيهم ؛ لشؤمهم ولشدة تعنتهم . والثاني : إنباء أن ليس على الرسل إلا البلاغ ، ولا ضرر عليهم بترك القوم إجابتهم ؛ كقوله - تعالى - : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } [ النور : 54 ] . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } ما تبدون من العداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم ولأصحابه ، وبنصب الحرب والقتال معهم ، وما تكتمون من المكر له ، والقصد لقتله ؛ كقوله - تعالى - : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ } الآية [ الأنفال : 30 ] ، كانوا يمكرون ، ويقصدون قصد إهلاكه ، لكن الله - عز وجل - أطلع رسوله على مكرهم ، وأخبر أنه يعصمه عن الناس ، وقال - : { كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً } [ المائدة : 64 ] . وقوله - عز وجل - : { قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ … } الآية . يحتمل وجهين : أحدهما : خرج عن سؤال قد سبق منهم عن كثرة الأموال ؛ لما رأوا أولئك كانوا يستكثرون ويجمعون من حيث يحل ولا يحل ، فمالت أنفسهم إلى ذلك ورغبت ، فقال : { لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ } كأنه قال : إن القليل من الطيب خير من الكثير من الخبيث ، والله أعلم . والثاني : أنهم رغبوا في عبادة أولئك من الترهب والاعتزال عن الناس ؛ لدفع أذى أنفسهم عنهم ، وكثرة ما كانوا يتحملون من الشدائد والمشقة ؛ فرغبوا في ذلك ، وهموا على ذلك ، على ما ذكر في القصة عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنهم هموا أن يترهبوا ويعتزلوا من الناس ؛ فقال : { قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ } أن العمل القليل مع أصل طيب خير من الكثير مع خبث الأصل . وقوله - عز جل - : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في مخالفة أمره ونهيه { يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } فيه دلالة أن الله لا يخاطب أحداً إلا من كمل عقله وتم ، وبالله العصمة . وقوله - عز وجل - : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } يحتمل : أن يكون النهي عن السؤال عن أشياء خرج عن أسئلة كانت منهم لم يكن لهم حاجة إليها ؛ فنهوا عن ذلك إلى أن يقع لهم الحاجة فعند ذلك يسألون ، كأنهم سألوه عن البيان والإيضاح لهم قبل أن يحتاجوا إليه ؛ ألا ترى أنه قال : { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ . … } الآية . ويحتمل : أن يكون خرج النهي عن السؤال ابتداء ، على غير تقدم سؤال كان منهم ، ولكن نهوا عن السؤال عنها . ثم يحتمل بعد هذا : أن كان منهم على ابتداء سؤال ، كان من أهل النفاق يسألون سؤال تعنت لا سؤال استرشاد ، يسألون منه آيات بعد ما ظهرت لهم ، وثبت عندهم الحجج ، وعرفوا أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإن كان النهي للمؤمنين فهو ما ذكرنا من سؤال البيان قبل وقوع الحاجة إليه . وقيل : نزلت في قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء : قال أحدهم : من أبي ؟ وقال آخر : أين أنا ؟ قال : " أَنْتَ في النَّارِ ، وأَنْتَ ابْنُ فُلانٍ " ونحو ذلك من الأسئلة ؛ فنهوا عن ذلك . وقيل : " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج ، فقال رجل : أفي كل عام يا رسول الله ؟ [ فقال : ] " لَوْ قُلْتُ : نَعَمْ ، صَارَ مَفْرُوضاً ، فَإِذَا صَارَ مَفْرُوضاً تَرَكْتُمْ ، وَإِذَا تَرَكْتُمْ جَحَدْتُمْ ، وَإِذَا جَحَدْتُمْ كَفَرْتُمْ ؛ لأنَّ مَنْ جَحَدَ فَرْضاً مِمَّا فَرَضَهُ اللهُ كَفْرَ " " أو كلام نحو هذا ، ولا يجب أن يفسر هذا أنه كان في كذا ؛ إذ ليس في كتاب الله بيان سوى أن فيه النهي عن سؤال ما لا يحتاج إليه . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ } قد عفا الله عنها { إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } ، أي : تظهر لكم تسؤكم ، أي : أمرتم العمل بها ، والله أعلم بذلك . وقوله - عز وجل - : { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ } . هذا يدل على أن النهي عن السؤال في الآي لأحد شيئين : إما أن سألوا الآيات عنه بعد ما ظهرت وثبتت لهم رسالته ، فلما أتى بها كفروا بها ؛ ألا ترى أنه قال : { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ } ، وقد كان الأمم السالفة يسألون من الرسل - عليهم السلام - الآيات بعد ظهورها عندهم . ويحتمل : ما ذكرنا من قولهم : أين نحن ؟ ومن أبي ؟ ومن أنا ؟ ونحوه ، فلما أن أخبرهم بذلك كفروا به ، والله أعلم .