Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 17-28)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ … } الآية . يحتمل : في جنات وفي نعيم . ويحتمل : في جنات فيها نعيم ؛ فتكون الواو بمعنى " مع " ، أي : في جنات مع نعيم . وقوله - عز وجل - : { فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } . قال بعضهم : أي : ناعمين متنعمين . وقال بعضهم : معجبين وهما واحد المعجب به والناعم سواء ؛ لأنه إذا كان ناعما متنعما ، كان معجبا مسروراً . وقال بعضهم : { فَاكِهِينَ } : ناعمين ، و { فَكِهِينَ } معجبين بذلك ؛ وهو قول القتبي . ثم ذكر هاهنا : { فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } ، وذكر في سورة " الذاريات " : { آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } [ الذاريات : 16 ] فالفاكه ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } [ الذاريات : 16 ] . أي : آخذين ما آتاهم ربهم بالشكر منه والحمد ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } ، هذا يخرج على وجهين : أحدهما : وقاهم ، أي : عصمهم في الدنيا عن الأعمال التي توبقهم وتهلكم لو أتوا بها وعملوها ، فإذا عصمهم عن ذلك ، وقاهم عن عذاب الجحيم ، والله أعلم . والثاني : وقاهم أي : عفا عنهم في الآخرة ، وصفح عما عملوا من الأعمال الموبقات في الدنيا ما لولا عفوه إياهم ، لكانت توبقهم ، ويستوجبون ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ، كأنه على الإضمار ، أي : يقال لهم لما أدخلوا الجنة ، ونزلوا منازلهم : كلوا واشربوا . وقوله : { هَنِيئَاً } أي : ليس عليهم في ذلك خوف التبعة ، ولا خوف حدوث مكروه في أنفسهم ولا آفة ؛ لأن ذلك ينغص عليهم ذلك ، ليس كما يؤكل في الدنيا ، فيه خوف التبعة ، وخوف حدوث المكروه والآفات في أنفسهم والضرر ، فأخبر : ألا يكون لهم في الجنة ذلك ؛ لئلا ينغص عليهم نعمها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } ذكر [ أن ] لهم في الجنة جميع ما ترغب إليه أنفسهم في الدنيا ، ويتمنون بها ، كقوله تعالى : { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } [ الطور : 24 ] ، وقوله : { وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً * وَكَأْساً دِهَاقاً } [ النبأ : 33 - 34 ] ، وقوله - عز وجل - : { فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } [ الغاشية : 13 - 16 ] ، وأشباه ذلك مما يكثر عده مما تحدث به أنفسهم في الدنيا ، ورغبهم فيه ؛ ليرغبوا في طلبها وليتركوا ما في الدنيا من ذلك ؛ ليصفوا لهم ذلك في الآخرة . وهذه الأحوال التي ذكر وأخبر أنه تكون لهم في الآخرة من الاتكاء على السرر ، والمقابلة في المجلس وغير ذلك من الأشياء التي ذكرها في الكتاب . ثم قوله - عز وجل - : { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } . كما يقال : تزوجت بفلانة وفلانة ؛ فعلى ذلك هذا . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } . قيل فيه بوجوه : أحدها : ما قال أبو بكر الكيساني : أي : يلحق الأولاد بإيمانهم وأعمالهم درجات الآباء والأمهات ، ولو قصرت أعمال الذرية من أعمال الآباء والأمهات لأن الدرجات إنما تكون بالأعمال ، فهم وإن لم يبلغوا في الأعمال مبلغ آبائهم ؛ فإنهم يلحقون بهم في الدرجات ، والله أعلم . وقال بعضهم : إن الذرية التقنوا الإيمان من آبائهم وأمهاتهم ، وأخذوه منهم ، ولم يبحثوا عن حجته وبرهانه حتى يكون أخذهم وقبولهم عن البحث عن الحجة والبرهان ، فهم وإن كانوا مقلدين آباءهم في الإيمان ، متلقنين منهم فإنهم يلحقون بآبائهم وإن كان الإيمان عن الحجة أفضل من الإيمان بالتقليد والالتقان . وقال بعضهم : إن الذرية وإن لم يبلغوا مبلغا يكون منهم الإيمان ، فإنهم يلحقون بآبائهم وأمهاتهم في إيمانهم ، وإن لم يكن منهم الإيمان ولم يأتوا به ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } . على تأويل أبي بكر : أي : وما ألتنا من أعمال الذرية من شيء ؛ أي : ما نقصنا أعمال آبائهم في الثواب وإن قصرت أعمالهم عن أعمالهم ، بل يبلغون درجات آبائهم ، ويوفرون كما يوفر على آبائهم ؛ وتأويله أبعد هذه التأويلات التي ذكرنا . وعلى تأويل غيره : أي : ما نقصنا من أعمال آبائهم شيئاً ، أي : إنهم وإن بلغوا مبلغ الآباء ، فإن الآباء لا ينقصون من أعمالهم شيئاً ، ذكر هذا حتى لا يظن أنه ينقص من ثواب آبائهم ويعطي ذلك لهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } . قال بعضهم : هذا صلة قوله - عز وجل - : { ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الطور : 16 ] ، { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } [ المدثر : 38 ] وهو يرد قول من يقول بأن الرهن لصاحبه ، له أن يحلبه ، وأن يركبه ، وأن ينتفع به ، ثم يرد إلى المرتهن ، ولو كان له هذا ، لكان لا يكون رهنا ؛ إذ أخبر : أنه رهين - أي : محبوس - فالرهن هو الذي يحبس في كل وقت ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ } . أي : وأمددناهم فاكهة ، والباء في ( الفاكهة ) زائدة كما ذكرنا في قوله تعالى : { بِحُورٍ عِينٍ } . ثم يحتمل أن يكون قوله : { وَأَمْدَدْنَاهُم } إخباراً عن دوامها وكثرتها ، أي : لا تنقطع ولا تقل ، وليس كفواكه الدنيا أنها لا توجد في كل وقت . وقوله - عز وجل - : { وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } . أخبر أنهم يأكلون جميع ما يشتهون ، ويجدون ما يتمنون ، ليس كالدنيا ، ربما يشتهي شيئاً لا يجده ، ويجد ما لا يشتهيه ، وهو كقوله - تعالى - : { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ } [ فصلت : 31 ] . وقوله - عز وجل - : { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً } أي : يتعاطون فيها كأسا ، ويأخذ بعضهم من بعض ، كما يكون في الدنيا لا يكون لكل أحد كأس على حدة ، وهو كما روي في الخبر : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل مع بعض أزواجه وربما تتنازع أيديهما . وقال أبو بكر الكيساني : الكأس هو الخمر . وقال غيره : هو الإناء المملوء من الخمر ، وأما الذي لا شراب فيه فهو الإناء . وقوله - عز وجل - : { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } قرئ : { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } بالرفع والتنوين . قال أبو عبيدة : إنه خبر بأنه ليس فيها لغو ولا تأثيم كما قال : { لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } [ الصافات : 47 ] . وقرئ بالنصب فيهما على التنزيه ، وهو وجه غير مدفوع . وتأويل الآية : أي : لا يكون منهم من اللغو ، وما يؤثم من القول ؛ كما يكون في شراب الدنيا من اللغو وقول الإثم . وقيل : { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } ؛ لأنها أحلت لهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } . يرغبهم فيها [ كما ] رغب إليهم أنفسهم في الدنيا من الخدم ، والفواكه ، والبسط ليطلبوها ، والله أعلم . وقوله : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } . قال أبو بكر الكيساني : يتساءلون عن المعاصي التي كانت منهم في الدنيا ، واستدل بقوله على أثر هذه الآية : { إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } يحتمل قوله : { فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } وجهين : أحدهما : إنا كنا قبل وأهلنا مشفقين كقوله : { قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [ التحريم : 6 ] . والثاني : أي : إنا كنا قبل على أنفسنا وأهلنا مشفقين ، أي : خائفين على ما كان منا من الجنايات والمعاصي . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ } . أي : والله أعلم - : إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين على أنفسنا ؛ لجناياتنا وراجين رحمته بقوله تعالى : { إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ } ، وصف الله تعالى في غير آي من القرآن بالإشفاق والخشية ، والطمع والرجاء : كقوله تعالى : { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً } [ السجدة : 16 ] ، وقوله : { وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً } [ الأنبياء : 90 ] ، ونحو ذلك . ثم قوله : { إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ } قرئ : { أَنَّه هو البر } بنصب الألف وخفضه ؛ فمن كسره ، حمله على الابتداء ؛ أي : ربنا كذلك على كل حال ، ومن نصب أراد : يدعوه ثانيا ؛ لأنه هو البر الرحيم ، أي : يدعوه لأجل أنه كذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ } . دل قوله : { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ } : أن لله أن يعذبهم بعذاب السموم ، لكنه بمنه وفضله وقاهم ، ولو كان عليه ذلك كما قالت المعتزلة لم يكن لذكر المنة معنى .