Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 55, Ayat: 37-45)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ } يذكر تغير هذا العالم يومئذ لهول ذلك اليوم ، وهو كما ذكر من تبديل السماء والأرض ؛ حيث قال : { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ } [ إبراهيم : 48 ] ، وقوله : { يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } [ الأنبياء : 104 ] في غير ذلك من الآيات ، وكذلك ما ذكر من تغيير الجبال من قوله : { هَبَآءً مَّنثُوراً } [ الفرقان : 23 ] ، وقوله : { كَثِيباً مَّهِيلاً } [ المزمل : 14 ] ، وقوله : { كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } [ القارعة : 5 ] ، ونحو ذلك . ثم قوله تعالى : { فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ } منهم من قال : شبه السماء ؛ لكثرة تلونها بفرش الورد يكون في الربيع بلون ، ثم يصير إلى لون آخر ، ثم إلى آخر ؛ فعلى ذلك ما ذكر من تغيير السماء وتلونها . ومنهم من قال : شبهها بالدهان ، وهو الدهن ؛ للينها وضعفها ، وهو قد ذكر في آية أخرى : { يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ } [ المعارج : 8 ] ، والمهل : هو دردي الزيت ، لكن التشبيه بالمهل إنما يكون ؛ لكثرة التلون لا للين ؛ فيكون في هذا التأويل نوع وهاء ، والله أعلم . وقيل : إنما تحمر وتذوب كالدهن . وروي : أن سماء الدنيا من حديد ، فإذا كان يوم القيامة ، صارت من الخضرة إلى الاحمرار ، وحر جهنم كالحديد إذا حمي بالنار . ثم قال بعضهم : الدهان : جمع الدهن ، ويقال : الدهان : الأديم الأحمر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } ، اختلف في تأويله : قال بعضهم : أي : لا يسأل إنسي ولا جني عن ذنب غيره ، إنما يسأل عن ذنب نفسه ؛ نحو ألا يسأل من أضل غيره عن ضلال ذلك الغير ، إنما يسأل الذي أضله عن إضلاله ، ويسأل الضال عن ضلاله كقوله : { رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا … } الآية [ فصلت : 29 ] . ومنهم من قال : لا يسأل بعض عن بعض ، أي : لا يسأل جني عن ذنب إنسي ، ولا إنسي عن ذنب جني . ومنهم من قال : لا يسألون سؤال استخبار واستفهام ؛ أي : لماذا فعلتم ؟ ولكن يسألون لم فعلتم يطلبون عن الحجة ، لا عن نفس الفعل ؛ لأن كل ذي مذهب ودين ، إنما يفعل لحجة تكون له . ومنهم من قال : لا يسألون عن ذنوبهم ، ولكن يسألون عما في وجوههم من الأعلام من الاسوداد ، وزرق العيون ، وغير ذلك مما ذكر في الكتاب : أنها تكون للكفار ، كقوله تعالى : { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } [ عبس : 40 ] ، وقوله تعالى { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ … } الآية [ آل عمران : 106 ] ، وما ذكر من أعلام المؤمنين من قوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 - 23 ] ، وقوله تعالى : { ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ } [ آل عمران : 107 ] . وقال بعضهم : لا يسأل الملائكة عن المجرمين ؛ لأنهم يعرفون بسيماهم كقوله - عز وجل - : { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ } ذكر الله تعالى في كتابه للمجرمين أعلاما يعرفون في الآخرة بها على ما ذكرنا من اسوداد الوجوه ؛ كقوله : { قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } [ النازعات : 8 - 9 ] ، وقوله : { نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ } [ النساء : 47 ] ، أي : على أعقابها ، فهو - والله أعلم - تكون وجوههم في بعض الأحوال خاشعة ، ثم غبرة ، ثم مسودة ، ثم تطمس من نظر ذلك ، فنعوذ بالله من تلك الأحوال التي ذكر . وقوله - عز وجل - : { فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } ، قيل : بكسر أضلاعهم وظهورهم ، فتجمع أقدامهم ونواصيهم ، فيرمى بهم في النار . وقال بعضهم : تغل أيديهم إلى أعناقهم ، ثم تجمع به نواصيهم وأقدامهم ، ثم يدفعون إلى النار . وقوله - عز وجل - : { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } ، أي : إذا وقعوا على الوصف [ الذي ] ذكر ، عند ذلك يقال لهم : هذه جهنم التي كنتم تكذبون بها في الدنيا . وقوله - عز وجل - : { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } أي : يطوفون بين جهنم وبين حميم ، فيجوز أن يكون [ عبر ] بـ " جهنم " عما يأكلون ، وهي النار ، وبـ " الحميم " عما يشربون ، كأنه يقول - والله أعلم - : يطوفون بين ما يأكلون ، وبين ما يشربون ، لا يشبعون عما يأكلون ، ولا يروون عما يشربون ؛ بل كلما أكلوا زادتهم جوعا ، وكلما شربوا زادتهم عطشا ، والحميم : هو الشراب الذي جعل لهم ، والآن : هو الذي قد انتهى حره غايته ونهايته . وقوله : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ … } الآية . من الناس من قال : في قوله : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } على إثر الوعيد ، إنما يقال لهم في الآخرة ؛ أي : بأي آلاء ربكما تكذبان في الدنيا ؛ كقوله - عز وجل - : { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ … } [ الزمر : 71 ] إلى قوله : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ … } [ الزمر : 71 ] .