Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 41-56)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } ، وذكر في أصحاب اليمين مثله من التعجب ، وأخبر عما يكرمهم ويعطيهم من أنواع النعم ، وذكر أصحاب الشمال ، وذكر على إثره ما أعد لهم من العذاب والهوان بقوله : { سَمُومٍ وَحَمِيمٍ … } الآية ، ثم ذكر في أول السورة أصحاب الميمنة والمشأمة ، ولم يذكر لهم الثواب ولا العذاب ؛ وذلك - والله أعلم - لأن في ذكر الميمنة والمشأمة دلالة ما لهم ؛ لأن الميمنة من اليمن ، والمشأمة من الشؤم ، ففي ذكر ذلك بيان [ ما ] لهم من الكرامات ، وما لأولئك من العقوبات ، وليس في ذكر اليمين والشمال بيان العقاب ؛ فذكر على أثر ذلك ؛ ليعرف ما لكل فريق من الجزاء ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ } قيل : السموم : هو فيح جهنم ، والحميم : هو الذي قد انتهى حره غايته . وقيل : السموم : هو حر النار . وقيل : هو ريح باردة . وقيل : ريح حارة . وأصله : أنه لما أصابهم السموم ، اشتد بهم العطش ، فعند ذلك يشربون الحميم ؛ رجاء أن يسكن به عطشهم ، ويذهب ذلك عنهم ، فلا يزداد لهم بذلك إلا شدة عطش على ما كان ، والله أعلم . وقوله : { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } قيل : هو دخان أسود . وقال بعضهم : اليحموم : هو من الحميم . وقال أبو بكر : أي : ظل من بخار يجعل اليحموم بخارا . ثم الظل الذي ذكر هاهنا يحتمل أن يكون هو الظل الذي ذكر في قوله : { ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ } [ المرسلات : 30 ] ، وقوله : لهم ظلل من النار . وقيل : هو السرادق من النار . وقوله - عز وجل - : { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } { لاَّ بَارِدٍ } ؛ لأنه من النار { وَلاَ كَرِيمٍ } ؛ لأنه لهوانهم ليس للكرامة . وقال الحسن وقتادة : { لاَّ بَارِدٍ } المنزل ، { وَلاَ كَرِيمٍ } المنظر . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } أي : هذا الجزاء لهم ؛ لأنهم كانوا يقولون في الدنيا : { نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [ سبأ : 35 ] ، وإنما قال ذلك مترفوهم دون السفلة والأتباع ؛ لقوله تعالى : { إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [ سبأ : 34 ] . وقوله - عز وجل : { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } اختلف فيه : قال بعضهم : { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } ، أي : على الإثم العظيم ، وهو الشرك . وقيل : الحنث العظيم . الكبائر ، والإصرار : هو الإدامة عليها . وقال بعضهم : يصرون على أنهم يقسمون ويحنثون فيه ؛ كقوله تعالى : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } [ النحل : 38 ] أقسموا : أنهم لا يبعثون ، فحنثوا في ذلك ؛ لأنه تعالى أخبر أنهم يبعثون ؛ حيث قال : { بَلَىٰ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً } [ النحل : 38 ] . ويحتمل أن يكون قسمهم ما ذكر : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا } [ الأنعام : 109 ] وقوله : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } [ فاطر : 42 ] ، وقد جاءهم النذير ، فلم يكونوا أهدى ، وجاءتهم الآيات ، فلم يؤمنوا بها ؛ فحنثوا فيها ، فإن كان قسمهم بأنهم لا يبعثون حنثوا حين فراغهم من اليمين ؛ لأنهم أيسوا عن ذلك . وفيه دلالة لصحة مذهب أصحابنا : أن من حلف : للمس السماء ، أنه يحنث عند فراغه من اليمين . وقوله - عز وجل - : { وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَآؤُنَا } قالوا هذا على الاستهزاء والاستبعاد للبعث ؛ ألا ترى أنه أجابهم ، فقال : { قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } . ثم قوله : { قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ } يخرج على وجهين : أحدهما : أي : يجمع الأولين والآخرين في التخليق ؛ أي : جمع بين الأولين والآخرين في التخليق ؛ حيث خلق الآخرين على إثر الأولين ، وإلا لم يكونوا وقتما قال : { لَمَجْمُوعُونَ } ؛ إذ الآخرون لم يكونوا مخلوقين بعد . والثاني : مجموعون في الأرض ، أي : في القبور { إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ } بآيات الله الدالة على توحيده ، ورسله ، والبعث . وقوله : { لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } ، أخبر أن المكذبين يكونون آكلين من شجر الزقوم ؛ فيكون كما أخبر . ثم شجرة الزقوم : هي التي ذكر { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } [ الصافات : 64 - 65 ] ، وقد ذكرنا تأويله في موضعه . وقوله : { فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } يخبر أن ليس لهم مما يأكلون ويشربون إلا امتلاء البطون ، لا يدفع عنهم ما يأكلون من الزقوم وغيره الجوع ، ولا ما يشربون من الحميم العطش عنهم ، بل يزداد لهم بذلك جوع وعطش على ما كان ، والله أعلم . وقوله : { فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ } قيل : الهيم : هو إبل يأخذه الداء ، فيشرب حتى يملأ البطن ، فلا يروى أبدا ؛ للداء الذي فيه ؛ فعلى ذلك أهل النار يشربون ويأكلون حتى تمتلئ بطونهم ، فلا يروون ولا يشبعون ، والله أعلم . وقيل : الهيم : الإبل الذي يهيم في الأرض ولا يرد الماء أياما ، ثم إذا ورد الماء فيشرب ، فتمتلئ بطنه حتى يهلك ؛ لامتلاء البطن ؛ وهو قول الأصم . وقوله - عز وجل - : { هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدِّينِ } ، أي : الذي ذكر غذاؤهم ورزقهم يوم الدين .