Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 136-140)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَجَعَلُواْ للَّهِ … } الآية ، يخبر - عز وجل - عن سفههم من وجوه : أحدها : أنهم كانوا يجعلون لله نصيباً مما كان لله في الحقيقة مع علمهم أن الله هو الذي أنشأ لهم تلك الأشياء وهو ذرأها ، ثم يجعلون لله في ذلك نصيباً [ وللأصنام نصيباً ] يسفههم لأنهم إذا علموا أن الله هو الذي ذرأ لهم تلك الأشياء وأنشأها لهم ، فإليه الاختيار في جعل ذلك لا إليهم [ إذ علموا ] أنهم إنما يملكون هم بجعل الله لهم ، وهو المالك عليها حقيقة . والثاني : ما يبين سفههم - أيضاً - أنهم يجعلون لله في ذلك نصيباً وللأصنام نصيباً من الثمار والحروث وغيرها ، ثم إذا وقع [ شيء ] مما جعلوا لله وخالط ما جزّءوا وجعلوه لشركائهم تركوه ، وإذا خالط شيء مما جعلوا لشركائهم ، ووقع فيما جعلوه لله أخذوه وردوه على شركائهم وانتفعوا به ، وتركوا الآخر للأصنام إيثاراً للأصنام عليه ، وإعظاما لها . أو إذا زكا نصيب الأصنام ونما ، ولم يزك نصيب الله ، ولم ينمُ تركوا ذلك للأصنام ، ويقولون : لو شاء الله لأزكى نصيبه ، وإذا زكا الذي كانوا يجعلون لله ، ولا يزكو نصيب الأصنام أخذوا نصيب الله فقسموه بين المساكين وبين الأصنام نصفين . يسفههم - عز وجل - بصنيعهم الذي يصنعون ويبين عن جوهرهم بإيثارهم الأصنام ، وإعظامهم إياها ، والتفضيل في القسمة والتجزئة ، مع علمهم أن الله هو الذي ذرأ ذلك وأنشأه لهم ، وأن الأصنام التي أشركوها في أموالهم وعبادتهم لله لا يملكون من ذلك شيئاً . وذلك منهم سفه وجور ؛ حيث أشركوا في أموالهم وعبادتهم مع الله أحداً لا يستحق بذلك شيئاً ، وهو كما جعلوا لله البنات ، وهم كانوا يأنفون عن البنات ، كقوله : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ … } الآية [ النحل : 58 ] : وقال : { أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ } [ الطور : 39 ] وقال : { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } [ النجم : 22 ] تأنفون أنتم عن البنات وتضيفونهن إليه ؟ ! فهو إذاً جور وظلم ؛ فعلى ذلك تفضيل الأصنام في القسمة وإيثارهم إياها على الله ، وإشراكهم مع الله ، مع علمهم أنه كان جميع ذلك بالله ، وهو أنشأه لهم - جور وسفه . ثم أخبر أنهم : { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } . أي بئس الحكم حكمهم . وقوله - عز وجل - : { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } ، أي : كما زين لهم جعل النصيب للأصنام [ و ] التجزئة لها ، وصرف ما خلق الله لهم عنه إلى الأصنام كذلك زين لهم قتل أولادهم . أو كما زين لهم تحريم ما أحل الله لهم من السائبة والوصيلة والحامي كذلك زين لهم شركاؤهم قتل أولادهم . وأصله : أن الشفقة التي جعل الله في الخلق لأولادهم [ و ] الرحمة التي جبلت طبائعهم عليها تمنعهم عن قتلهم ، وخاصة أولادهم الضعفاء والصغار ، وكذلك الشهوة التي خلق فيهم تمنعهم عن تحريم ما أحل الله لهم ، لكن [ زين لهم ذلك ] شركاؤهم ، وحسنوا عليهم تحريم ما أحل لهم وقتل أولادهم ، فما حسن عليهم الشركاء وزين لهم من تحريم ما أحل لهم وقتل أولادهم غلب على الشفقة التي جبلت فيهم ، والشهوة التي خلق ومكن فيهم . ثم اختلف في شركائهم : قال بعضهم شركاؤهم : شياطينهم التي تدعوهم إلى ذلك . وقيل : شركاؤهم : كبراؤهم ورؤساؤهم الذي يستتبعونهم . [ ثم ] يحتمل : قتل الكبراء أولادهم ؛ تكبرا منهم وتجبرا ؛ لأنهم كانوا يأنفون عن أولادهم الإناث ، وقتل الأتباع ؛ مخافة العيلة والفقر . وقوله - عز وجل - : { لِيُرْدُوهُمْ } . قيل : ليهلكوهم ، إنهم كانوا يقصدون في التحسين والتزيين الإرداء والإهلاك ، وإن كانوا يرونهم في [ ذلك ] الشفقة ، وكذلك كانوا يقصدون بالتزيين تلبيس الدين عليهم . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ } . يحتمل : وجوهاً : قال بعضهم : لو شاء الله لأهلكهم فلم يفعلوا ذلك . وقيل : لأعجزهم ومنعهم عن ذلك ؛ كقوله : { وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ } [ يس : 66 ] . وقيل : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ } ، أي : لأراهم قبح فعلهم ؛ حتى لم يفعلوا . وأصله : أنه إذا علم منهم أنهم يفعلون ما فعلوا ويختارون ما اختاروا من التزيين ولبس الدين عليهم شاء ما فعلوا واختاروا ، [ وقد ] ذكرنا ذلك في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } . أي : ذرهم ولا تكافئهم بافترائهم على الله . ويحتمل : ذرهم وما يفترون ؛ فإن الله يكافئهم ولا يفوتون . ويحتمل : ذرهم وما يفترون ؛ فإن ضرر ذلك الافتراء عليهم ، ليس علينا ولا عليك ، والله أعلم بذلك . وقوله - عز وجل - : { وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ } . قيل : هذه الآية صلة قوله : { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا } هذا الذي جعلوا للشركاء هو الحجر الذي ذكر في هذه الآية ؛ لأنهم كانوا [ لا ] ينتفعون بذلك ويحرمونه ، وهو حجر . وأصل الحجر : المنع ، وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : الحجر : ما حرموا [ أنفسهم ] من أشياء : من الوصيلة ، والسائبة ، والحامي ، وتحريمهم ما حرموا من أشياء : كانوا يحلون أشياء حرمها الله ، ويحرمون أشياء أحلها الله في الجاهلية من الحرث والأنعام . وفي حرف [ أُبي ] وابن عباس - رضي الله عنهما - : ( حرج ) ، على تأخير الجيم وتقديم الراء . وعن الحسن : ( حُجر ) ، برفع الحاء . وأصل الحجر : المنع ، ممنوع : محجور ، يقال : حجرت عليه ، أي : منعته ، والحجر أيضاً : موضع بمكة ، والاحتجار : الاستئثار ، وهو أن يأخذ الشيء ولا يعطي منه أحداً شيئاً . وقوله - عز وجل - : { لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ } . قال بعضهم : قوله : { إِلاَّ مَن نَّشَآءُ } ، يعني : لا يطعمها إلا من يشاء الله [ بزعمهم ] ؛ لأنهم كانوا يحرمون أشياء ويأتون [ أشياء ] فواحش ، فيقولون : إن الله أمرهم بذلك ؛ كقوله في الأعراف : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [ الأعراف : 28 ] . وقال بعضهم : قوله { إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ } يعني : الذين سنوا لهم ، أي : لا يطعمها إلا من يشاء أولئك الذين سنوا ذلك ، وحرموا ذلك على نسائهم ؛ على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن شئت قد ذكرت لكم أول من بدل دين إسماعيل ، وبحر البحيرة والسائبة " . فعلى ذلك أضافوا المشيئة إلى أولئك الذين سنوا لهم ذلك ، وحرموا على إناثهم وأحلوا لذكورهم . وقال بعضهم قوله : { إِلاَّ مَن نَّشَآءُ } هؤلاء الرجال ، كانت مضافة إلى الرجال دون النساء ، وفي ذلك تسفيه أحلامهم ؛ لأنهم [ كانوا ] ينكرون الرسالة لما كان يحرمون من الطيبات ، ثم يتبعون الذي حرم عليهم الطيبات التي أحلها الله لهم [ لأنهم ينكرون الرسالة لما كان ] من البحيرة ، والسائبة ، ونحوهما . وقوله - عز وجل - : { وَأَنْعَٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا } هو ما ذكر من البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحامي ، وهو الحجر الذي ذكر في هذه الآية ، يجعلون تلك الأشياء لشركائهم ، لا ينتفعون بها . وقوله - عز وجل - : { وَأَنْعَٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا } . قيل فيه بوجوه : قيل : { لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا } ، أي : لا ينتفعون بها ؛ ليعرفوا أنعم الله ؛ ليشكروا الله عليها . وقيل : { لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا } ، أي : لا يذبحون للأكل ، ولا يذكرون اسم الله عليها . ويحتمل : لا يذكرون اسم الله عليها وقت الركوب ؛ كما يذكر اسم الله عليها وقت الركوب ، وهو قوله : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا } [ الآية ] [ الزخرف : 13 ] ؛ لأنهم كانوا لا يركبونها ؛ ولكن يسيبونها . وقيل : لا يحجون عليها . والأول كأنه أقرب : كانوا لا ينتفعون بها ؛ ليعرفوا نعم الله ، ويشكروه عليها . وقوله - عز وجل - : { ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } . بأن الله أمرهم بذلك ، وهو حرم عليهم ، وهو أحل ؛ فذلك هو الافتراء على الله ، أو بما أشركوا شركاءهم في عبادة الله وفي نعمه . { وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا } . قيل : هو صلة قوله : { وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ } ، يحرمون على النساء ، ويحلون للرجال ، يعني إذا ولدوا حيّاً [ كان ينتفع ] بذلك رجالهم دون نسائهم ، وإذا ولدوا ميتاً اشتركوا فيه الإناث والذكور [ و ] يذكر في هذا كله سفه أولئك في صنيعهم ، ويذكر في قوله : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ } إلى آخر [ منته و ] نعمه التي أنعم عليهم . وقوله - عز وجل - : { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ } . أي : افتراءهم على الله ، وتحريمهم ما أحل الله لهم ، وتحليلهم ما حرم عليهم . وقوله - عز وجل - : { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوۤاْ أَوْلَٰدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفْتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِ } . أخبر أنهم قد خسروا بقتلهم الأولاد ، وتحريمهم ما أحل لهم ورزقهم . وقوله - عز وجل - : { قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } . وبالله الهداية والرشاد .