Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 148-150)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ } [ الأنعام : 148 ] . قيل : الآية في مشركي العرب . قالوا ذلك حين لزمتهم المناقضة ، وانقطع حجاجهم في تحريمهم ما حرموا من الأشياء ، وأضافوا ذلك إلى الله ، وهو صلة قوله : { ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ … } إلى آخر ما ذكر [ الأنعام : 143 ] إلى قوله : { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا } [ الأنعام : 144 ] فلما لزمتهم المناقضة وانقطع حجاجهم فزعوا عند ذلك إلى هذا القول : { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ } ، فيقول الله لنبيه : { كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم } : من الأمم الخالية رسلهم كما كذبك هؤلاء ، وكانوا يقولون لرسلهم ما قال لك هؤلاء : { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا … } إلى آخر ما ذكر . ثم اختلف في تأويل قوله : { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا } [ إلى آخر ما ذكر ] . قال الحسن ، والأصم : إن المشيئة - هاهنا - : الرضا ؛ قالوا : رضي الله بفعلنا وصنيعنا ، حيث فعل آباؤنا مثل ما فعلنا ، وصنعوا مثل ما صنعنا ، فلم يحل الله بينهم وبين ذلك ، ولا أخذ على أيديهم ، ولا منعهم عن ذلك ، فلو لم يرض بذلك منهم لكان يحول ذلك عنهم ويمنعهم عنه . وإنما استدلوا بالرضا من الله والإذن فيه بما كانوا يخوفون إياهم الهلاك والعذاب بصنيعهم الذي كانوا صنعوا ، ثم رأوهم ماتوا على ذلك ولم يأتهم العذاب ، فاستدلوا بتأخير نزول العذاب عليهم على أن الله رضي بذلك ، والله أعلم . وليس للمعتزلة في ظاهر هذه الآية [ أدنى ] تعلق ؛ لأنهم يقولون : إن الله - تعالى - قد ردّ ذلك القول الذي قالوا ، وعاتبهم على ذلك القول بقوله : { كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا } ، وأوعدهم على ذلك وعيداً شديداً ، فلو كان يجوز إضافة المشيئة إلى الله تعالى في ذلك على ما تضيفون أنتم لم يكن يرد ذلك عنهم ، ولا عاتبهم على ذلك ، ولا أوعدهم وعيداً في ذلك ؛ دل أنه لا يجوز أن يقال ذلك ، ولا إضافة المشيئة إليه في ذلك . فنقول - وبالله التوفيق - : إن المشيئة - هاهنا - تحتمل وجوهاً : أحدها : ما قال الحسن والأصم من الرضا ؛ قالوا : إن الله رضي بذلك . والثاني : الأمر والدعاء إلى ذلك ؛ يقولون : إن الله أمرهم بذلك ، ودعاهم إلى ذلك . والثالث : كانوا يقولون ذلك على الاستهزاء والسخرية ، لا على الحقيقة ، وهكذا أمر المجوس أنهم إذا قيل لهم هذا : لم لا تؤمنون وتسلمون ؟ يقولون ما قال هؤلاء : لو شاء الله لآمنا ولا أشركنا ؛ فهذا العتاب الذي لحقهم والوعيد الذي أوعدهم إنما كان لما قالوا ذلك استهزاء منهم ؛ أو لما ادعوا من الأمر والدعاء على الله وافتروا عليه ، أو الرضا أنه رضي بذلك . على هذه الوجوه الثلاثة تخرج المشيئة في هذا الموضع - والله أعلم - لا على ما قاله المعتزلة ، وهو ما ذكر في آية أخرى : { وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } [ مريم : 66 ] هي كلمة حق ، لكن قالها استهزاء وهزؤا ، فلحقه العتاب . وقوله - عز وجل - : { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ } أي : هل عندكم من بيان وحجة من الله [ فتبينوه لنا وتظهروه على زعمكم أن الله أمركم بذلك ودعاكم إليه أو ترككم على ذلك لما رضي بذلك ] دون أن أمهلكم ليعذبكم ، أو ليس قد ترك من خالفكم في ذلك ، ثم لم يدل تركه إياهم على أنه رضي بذلك ، فقال الله : { إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } . أي : ما تتبعون في ذلك إلا الظن . { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [ الأنعام : 116 ] . أي : ما هم إلا يخرصون ويكذبون في ذلك ، ليست لهم حجة ولا بيان على ما يدعون من الأمر والدعاء إلى ذلك ، والترك على ما هم عليه من الرضا به . وقوله - عز وجل - : { قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ } . [ قيل : الحجة البالغة ] : التي إذا بلغت كل شبهة أزالتها ، وكل غافل نائم نبهته وأيقظته . وقل : الحجة البالغة : التامة القاهرة ، الظاهرة على كل شيء ، الغالبة عليه ، لم تبلغ شيئاً إلا قهرته وغلبته . وقال الحسن : الحجة البالغة في الآخرة : لا يعذب أحداً ولا يعاقبه إلا لحجة تلزم ، لا يعاقب بهوى أو انتقام أو شهوة على ما يعاقب في الشاهد ولا غيره ، ما من أحد من الخلائق إلا ولله عليه الحجة البالغة ، أما الملك المقرب : فإن الله جبله على الطاعة فلا يعصيه ، منّاً من الله عليه طولا وفضلا ، فهو مقصر عن شكر نعمة الله عليه ، وأما النبي المرسل والعبد الصالح : فلله عليهما السبيل والحجة من غير وجه . ثم تحتمل الحجة البالغة وجوهاً : أحدها : هذا القرآن الذي أنزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية معجزة وحجة بالغة ما عجز الخلائق عن إتيان مثله ، فدل عجزهم عن إتيان مثله على أنه آية من آيات الله ، وحجة من حجج الله أرسلها إلى نبيه صلى الله عليه وسلم . والثاني : أنه جعل في كلية الخلائق والأشياء ما يشهد أن الخلائق والأشياء كلها له شهادة خلقه ، وتدل كلية الأشياء على وحدانيته ، فهو حجة بالغة . والثالث : ألسن الرسل وأنباؤهم ؛ [ حيث لم يؤاخذوهم بكذب قط فيما بينهم ، ولا جرى على لسانهم كذب قط ، ولا فحش ؛ عصمهم - عز وجل - ] عن ذلك ، فدل [ ذلك ] على أنهم إنما خصوا بذلك ؛ لما أن الله جعلهم حججاً وآيات على وجه الأرض حجة بالغة ، وبالله العصمة . وقال بعضهم : { فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ } في تحريم الأشياء وتحليلها ، ليس لهؤلاء الذين يحرمون أشياء لهم في تحريمهم حجة ، إنما يحرمون ذلك بهوى أنفسهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } . قال الحسن : المشيئة - هاهنا - : مشيئة القدرة ، وقال : لو شاء قهرهم وأعجزهم حتى لم يقدروا على معصية قط ؛ على ما جعل الملائكة جبلهم على الطاعة حتى لا يقدروا على معصية قط ، ثم هو يفضل الملائكة على الرسل والأنبياء والبشر جميعاً ، ويقول : هم مجبورون على الطاعة ، فذلك تناقض في القول لا يجوز من كان مقهوراً مجبوراً على الطاعة يفضل على من يعمل بالاختيار مع تمكن الشهوات فيه ، والحاجات التي تغلب صاحبها وتمنعه عن العمل بالطاعة ، أو يقول : فضلهم بالجوهر والأصل ، فلا يجوز أن يكون لأحد بالجوهر نفسه فضل على غير ذلك الجوهر ؛ لأن الله - تعالى - لم يذكر فضل شيء بالجوهر إلا مقروناً بالأعمال الصالحة الطيبة ؛ كقوله : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ * تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } [ إبراهيم : 24 - 26 ] وغيره ، وقوله : { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ } [ الأعراف : 58 ] وقوله : { وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [ فاطر : 10 ] ونحوه ، لم يفضل أحداً بالجوهر على أحد ، ولكن إنما فضله بالأعمال الصالحة ؛ لذلك قلنا : إن قوله يخرج على التناقض ، وتأويل قوله : { فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } عندنا ظاهر ، لو شاء لهداهم جميعاً ، ووفقهم للطاعة ، وأرشدهم لذلك ، وهو كقوله : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ … } الآية [ الزخرف : 33 ] فإذا كان الميل إلى الكفر لمكان ما جعل لهم من الفضة والزينة ، فإذا كان ذلك للمؤمنين آمنوا ، ثم لم يجعل كذلك ، دل هذا على أن قولهم : { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا } هو الأمر والرضا ، أو ذكروا على الاستهزاء ؛ حيث قال : { فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } . والمعتزلة يقولون : المشيئة - هاهنا - مشيئة قسر وقهر ، وقد ذكرنا ألا يكون في حال القهر إيمان ، وإنما يكون في حال الاختيار ، والمشيئة مشيئة الاختيار ، ولا تحتمل مشيئة الخلقة ؛ لأن كل واحد بمشيئة الخلقة مؤمن ، فدل أن التأويل ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا } [ الأنعام : 150 ] الذي تحرمون أنتم من الوصيلة ، والسائبة ، والحامي ، وما حرموا من الحرث والأنعام { فَإِن شَهِدُواْ } . أن الله حرّمه { فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ } . كيف قال : { هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ } . دعاهم إلى أن يأتوا بالحجة ، فإذا أقاموها لا تشهد معهم ، لكن هذا - والله أعلم - أنهم يعلمون أن التحريم إلى الله ، ليس إلى أحد من الخلائق ، فإن شهدوا بأنه حرم ، فلا تشهد معهم ؛ فإنهم شهدوا بباطل . ويحتمل : أن يكون أمره أن يسألهم شهداء من أهل الكتاب يشهدون لهم بأن الله حرم هذا ؛ لأن هؤلاء كانوا أهل شرك ، وعبدة الأوثان يسألون أهل الكتاب وأهل الرسل يشهدون لهم بذلك ، فإن شهدوا فلا تشهد معهم أي : لا يشهدون لهم بذلك ، فلا تشهد أنت - أيضاً - معهم ؛ على الإخبار أنهم لا يشهدون ؛ وهو كقوله : { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ … } الآية [ الحشر : 12 ] ، أخبر عن المنافقين أنهم قالوا : { لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ … } [ الحشر : 11 ] ثم أخبر عنهم أنهم { لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ … } [ الحشر : 12 ] الآية ، لكنه أخبر أنهم لا يقاتلون رأساً ، وإلا لو نصروهم لا يولون الأدبار ؛ فعلى ذلك قوله : { هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ } ؛ لأنهم لا يشهدون ، والله أعلم . ويشبه أن يسألوا حتى يأتوا بآبائهم حتى يشهدوا ؛ لأنهم كانوا يقولون : إنا وجدنا عليها آباءنا ، والله أمرنا بها ، وإن الله رضي بصنيع آبائنا ؛ حيث لم يهلكهم ، وتركهم على ذلك ، فيسألون أن يأتوا بأولئك حتى يكونوا هم الذين يشهدون على ذلك ، فلن يجدوا إلى ذلك سبيلا أبداً ؛ وهو كقوله : { وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } [ البقرة : 23 ] فلا يجدون أبداً . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } . دل أن ما كانوا يحرمون إنما يحرمون بهواهم ، لا بحجة وبرهان . { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } . أي : يعدلون الأصنام في العبادة والألوهية بربهم .