Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 33-35)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ } هذا - والله أعلم - إخبار منه نبيه - عليه السلام - أنه عن علم منه بتكذيبهم إياك بعثك إليهم رسولا ، وأمرك بتبليغ الرسالة إليهم ، وكان عالماً بما يلحقك من الحزن بتكذيبهم إياك ، ولكن بعثك إليهم رسولا مع علم منه بهذا كله لتبلغهم ، يذكر هذا - والله أعلم - ليعلم رسوله ألا عذر له في ترك تبليغ الرسالة ، وإن كذّبوه في تبليغها . ثم الذي يحمله على الحزن يحتمل وجوهاً : يحتمل : يحزنه افتراؤهم وكذبهم على الله . أو كان يحزن لتكذيب أقربائه وعشيرته إياه فإذا أكذبته عشيرته ، انتهى الخبر إلى الأبعدين فيكذبونه ، فيحزن لذلك . أو يحزن حزن طبع ؛ لأن طبع كل أحد ينفر عن التكذيب . أو كان يحزن إشفاقاً عليهم بما ينزل عليهم من العذاب بتكذيبهم إياه وآذاهم له ؛ كقوله - تعالى - : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ … } الآية [ الكهف : 6 ] وكقوله - تعالى - : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] . وقوله - عز وجل - : { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ } اختلف في تلاوته : قرأ بعضهم بالتخفيف ، وبعضهم بالتشديد والتثقيل : فمن قرأ بالتخفيف : قراءة { لاَ يُكَذِّبُونَكَ } ، أي : لا يجدونك كاذباً قط . ومن قرأ بالتثقيل : { لاَ يُكَذِّبُونَكَ } ، أي : لا ينسبونك إلى الكذب ، ولا يكذبونك في نفسك . ويحتمل قوله : ولا يكذبونك في السر ، ولكن يقولون ذلك في العلانية ، والتكذيب هو أن يقال : إنك كاذب . { وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ } . أي : عادة الظالمين التكذيب بآيات الله . و { ٱلظَّٰلِمِينَ } يحتمل وجهين : أحدهما : الظالمين على نعم الله عادتهم التكذيب بآيات الله . [ الثاني ] والظالمين على أنفسهم ؛ لأنهم وضعوها في غير موضعها . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ } . يخبر نبيه - عليه الصلاة والسلام - ويصبره على تكذيبهم إياه وأذاهم بتبليغ الرسالة ، يقول : لست أنت بأول مكذب من الرسل ، بل كذب إخوانك من قبلك على تبليغ الرسالة ، فصبروا على ما كذبوا وأوذوا ، ولم يتركوا تبليغ الرسالة مع تكذيبهم إياهم ؛ فعلى ذلك لا عذر لك في ترك تبليغ الرسالة وإن كذبوك في التبليغ وآذوك ، وهو ما ذكرنا أنه يخبره أنه بعثك رسولا على علم منه بكل الذي كان منهم من التكذيب والأذى . وقوله - عز وجل - : { فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } . أخبر الله أنه نصر رسله ، ثم يحتمل ذلك ( النصر ) وجوهاً . أحدها : ينصرهم أي : أظهر حججه وبراهينه ، حتى علموا جميعاً أنها هي الحجج والبراهين ، وأنهم رسل الله ، لكنهم عاندوا وكابروا . ويحتمل : النصر لهم بما جعل آخر أمرهم لهم ، وإن كان قد أصابهم شدائد في بدء الأمر . أو نصرهم لما استأصل قومهم وأهلكهم بتكذيبهم الرسل ، وفي استئصال القوم وإهلاكه إياهم ، وإبقاء الرسل نَصْرُهم ، وكذلك قوله - تعالى - : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا } [ غافر : 51 ] وقوله : { إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ } [ الصافات : 172 ] يخرج على الوجوه التي ذكرناها . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } هو ما ذكرنا من النصر لهم ، واستئصال قومهم ، وما أوعدهم من العذاب ؛ فذلك كلمات الله . ويحتمل قوله : { لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } : حججه وبراهينه ؛ كقوله : { وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } [ يونس : 82 ] ، أي : بحججه وآياته ، وكقوله - تعالى - : { قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي } [ الكهف : 109 ] أي : حجج ربي . وقوله - عز وجل - : { وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } يحتمل ما ذكرنا من إهلاك القوم وإبقاء الرسل ، قد جاءك ذلك النبأ . ويحتمل قوله - تعالى - : { وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } من تكذيب قومهم لهم وأذاهم إياهم ، فإن كان هذا ففيه تصبير رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ وقوله { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ } كان يشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ويشق عليه كفر قومه وإعراضهم عن الإيمان ، حتى كادت نفسه تتلف وتهلك لذلك إشفاقاً عليهم ؛ كقوله : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] وقوله : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ] ونحو ذلك من الآيات ، يشفق عليهم بتركهم الإيمان لما يعذبون أبداً في النار ، فعلى ذلك قوله : { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ } . أو كان يكبر عليه ويثقل إعراضهم لما كانوا يطلبون منه الآيات ، حتى إذا جاء بها لا يؤمنون ؛ من نحو ما قالوا : { وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ } [ الإسراء : 93 ] وغير ذلك من الآيات التي سألوها ، فطمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إيمانهم إذا جاء بما سألوا من الآيات ، فكان الله عالماً بأنه وإن جاءتهم آيات لم يؤمنوا ، وإنما يسألون سؤال تعنت لا سؤال طلب آيات لتدلهم على الهدى ، فقال عند ذلك : { فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ } . أو أن يكون قوله : { فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ } نهياً عن الحزن عليهم ، أي : لا تحزن عليهم كل هذا الحزن بما ينزل بهم ، وقد تعلم صنيعهم وسوء معاملتهم آيات الله . وكذلك روي في القصة عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن نفراً من قريش قالوا : يا محمد ، ائتنا بآية كما كانت الأنبياء تأتي قومها بالآيات إذا سألوهم : فإن أتيتنا آمنا بك وصدقناك ، فأبى الله أن يأتيهم بما قالوا ، فأعرضوا عنه ، فكبر ذلك عليه وشق ، فأنزل الله : { فَإِن ٱسْتَطَعْتَ … } . يقول : إن قدرت { أَن تَبْتَغِيَ } يقول : أن تطلب { نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ } يقول : سرباً في الأرض كنفق اليربوع نافذاً أو مخرجاً فتوارى فيه منهم { أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ } يكون سبباً إلى صعود السماء ، { فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ } التي سألوكها فافعل . قال القتبي : النفق في الأرض : المدخل ، وهو السرب ، والسلم في السماء : المصعد . وقال أبو عوسجة : النفق : الغار ، والأنفاق : الغيران ، والغار واحد . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } . قال الحسن : أي : لو شاء الله لقهرهم على الهدى وأكرههم ، كما فعل بالملائكة ؛ إذ من قوله إن الملائكة مجبورون مقهورون [ على ذلك ] ، ثم هو يفضل الملائكة على البشر ويجعل لهم مناقب ، لا يجعل ذلك لأحد من البشر ، فلو كانت الملائكة مجبورين مقهورين على ذلك ، لم يكن في ذلك لهم كبير منقبة ؛ ففي قوله اضطراب . وأما تأويله عندنا : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } ، أي : لجعلهم جميعاً بحيث اختاروا الهدى وآثروه على غيره ، ولكن لما علم منهم أنهم يختارون الكفر على الهدى ، لم يشأ أن يجمعهم على الهدى ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم ألا يكون الهدى في حال القهر والجبر ، وإنما يكون في حال الاختيار . وقوله - عز وجل - : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ } . يحتمل وجوهاً : يحتمل : فلا تكونن من الجاهلين : من قضاء الله وحكمه . ويحتمل : لا تكونن من الجاهلين : من إحسانه وفضله ، أي : من إحسانه [ وفضله ] يجعل لهم الهدى . ويحتمل : لا تكونن من الجاهلين أنه يؤمن بك بعضهم وبعضهم لا يؤمن . قال أبو بكر الكيساني في قوله : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } أي : لو شاء الله ابتلاهم بدون ما ابتلاهم به ليخف عليهم ، فيجيبون بأجمعهم ، أو يقول : لو شاء [ الله ] لوفقهم جميعاً للهدى فيهتدون ، وهو قولنا ، لكن لم يشأ ؛ لما ذكرنا أنه لم يوفقهم لما علم منهم أنهم يختارون الكفر . وقوله : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ } ، بأن الله قادر لو شاء لجعلهم جميعاً مهتدين . ثم معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معصوماً ، لا يجوز أن يقال إنه يكون من الجاهلين أو من الشاكرين ، على ما ذكر ، ولكن ذكر هذا - والله أعلم - ليعلم أن العصمة لا ترفع الأمر والنهي والامتحان ، بل تزيد ؛ لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم .