Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 88-90)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { ٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي : ذلك الهدي الذي هدى هؤلاء فبهداه اهتدوا . وفي الآية [ دلالة ] نقض قول المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : إن الله قد شاء أن يهدي الخلائق كلهم لكن لم يهتدوا ، وعلى قولهم لم يكن من الله إلى الرسل والأنبياء من الهداية والفضل إلا كان ذلك إلى جميع الكفرة ، فالآية تكون مسلوبة الفائدة على قولهم ؛ لأنه ذكر أنه يهدي من يشاء وهم يقولون : شاء أن يهدي الكل لكن لم يهتدوا ، فإن كان كما ذكروا لم يكن لقوله : { مَن يَشَآءُ } فائدة ؛ دل أنه من الخلائق من قد شاء ألا يهديهم إذا علم منهم أنهم لا يهتدون ولا يختارون الهدى ، وبالله التوفيق . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . هذا بناء على الحكم فيهم لو أشركوا إلا أنهم [ لا ] يشركون ؛ لأن الله قد عصمهم واختارهم لرسالته واختصهم لنبوته ، فلا يحتمل أن يشركوا ، لكن ذكر هذا ؛ ليعلموا أن حكمه واحد فيمن أشرك في الله غيره وضيعا كان أو شريفاً . وقوله : { لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } : من الحسنات والخيرات التي كانت قبل الإشراك . وقوله - عز وجل - : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ } : قيل : الكتب التي أعطى الرسل . { وَٱلْحُكْمَ } قيل : العلم والفقه والفهم . وقيل : الأحكام التي أعطاهم ، والنبوة هي أنباء الغيب ؛ وقد ذكرنا [ هذا ] . وقوله - عز وجل - : { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ } . قيل : { بِهَا } كناية عن أنباء الغيب ، والنبوة التي ذكر . وقيل : { بِهَا } كناية عن الكتب التي أنزلها على الرسل . وقيل : هي كناية عن الآيات والحجج التي أعطى رسوله . وقوله : { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } . اختلف فيه قال بعضهم : { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا } - يعني : أهل مكة - { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } : أهل المدينة من الأنصار والمهاجرين ؛ وهو قول ابن عباس . وقيل : { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } ، يعني : من عد من الرسل والأنبياء . وقيل : { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } ، يعني : أهل قرابتك وأهل وصلتك ، فقد وكلنا بها قوماً من غير أهل قرابتك ليسوا بها بكافرين . وقيل : { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ } ، يعني : أهل زمانك ، { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً } : من تقدمهم من آبائهم وأجدادهم ، { لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } . وقيل : { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ } ، يعني : أهل الأرض ، { فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً } ، يعني : أهل السماء ، { لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } . قال الحسن - رحمه الله - : { فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ } ، يعني : أمتك ، فقد وكل الله بها النبيين والصالحين من الأمم الخالية ، { لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ } ، والله أعلم بذلك وهو كما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } . يحتمل [ فبهديهم الذي هدوا هم ] أهدِ أنت أمتك . ويحتمل : فبهداهم الذي هدوا هم اهتد أنت ؛ يأمره - عز وجل بالاقتداء بإخوانه الذين مضوا من الرسل . والهدى : هو اسم ما يدان به ليس هو اسم الأفعال ، لا يقال : لتارك الصلاة والزكاة والصيام : هداك ، إنما يقال ذلك لمن دان بضد الهدى . أمر رسوله أن يقتدي بهم بذلك ، وذلك يدل على أن الأنبياء والرسل كانوا على دين واحد ، وأن الدين لا يحتمل النسخ والتغيير . ألا ترى أنه قال في آية أخرى : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً } [ الشورى : 13 ] أخبر [ أنه شرع لنا الدين الذي وصى به نوحاً ] ، وذلك يدل [ على ] أن الدين واحد لا يحتمل النسخ ، وأما الشرائع : فهي مختلفة ؛ لأنها تحتمل النسخ ، وتحتمل الأمر بالاقتداء بهم ما ذكر . { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } أي : اقتد بمن تقدم من الرسل ، ولا تأخذ على تبليغ الرسالة أجرا كما لم يأخذوا هم . وفي قوله : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً } دليل نقض قول من يجيز أخذ الأجر على تعليم القرآن والعلم ورواية الحديث وغير ذلك من العبادات ؛ وكذلك قوله : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } [ الطور : 40 ] ؛ كأنه - والله أعلم - يجعل لهم العذر في ترك الإجابة له بما يلحقهم من ثقل الأجر والغرم ، والله أعلم . وفيه - أيضاً - دلالة نقض مذهب القرامطة ؛ لأنهم يعرضون مذهبهم على الناس ، ويأخذون منهم المواثيق والجعل في ذلك ، وإنما أخذ المواثيق من الرسل على تبليغ الرسالة إلى قومهم ، وأمروا بتأليف قلوب الخلق ، وهي أخذ الجعل منهم نفور قلوبهم وطباعهم عن ذلك . وقوله - عز وجل - : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ } . أي : ما هذا القرآن إلا ذكرى ، أي : عظة وزجر للعالمين .