Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 62, Ayat: 5-8)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : - عز وجل - : { مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } . له أوجه من التأويل : أحدها : يحتمل أن يكون هذا كناية عن العمل ، يعني : حملوا ما في التوراة فلم يعملوا بها . والثاني : أن يقول : { لَمْ يَحْمِلُوهَا } ، يعني : لم يحملوها إلى من أمروا بحملها إليهم على ما أمروا ؛ لأنهم حرفوا وبدلوا . أو يجوز أن يكون تأويله - والله أعلم - أنهم كذبوا التوراة وتلقوها بالعناد والتكذيب فلم ينتفعوا بها ، فمثلهم كمثل الحمار [ يحمل ] كتبا لا يعلم قدرها وخطرها كما قال : { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } ؛ لأنهم وإن عرفوا التوراة فحين لم يعظموها حق تعظيمها ، وكذبوا بما فيها ، كانوا كأنهم لا يعرفون قدرها وخطرها ، فصار مثلهم كمثل الحمار يحمل الكتب ، لا يعلم ما قدرها وخطرها ؟ وهذا التأويل أقرب ؛ لأنه قال في سياق هذه الآية : { بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } ، فثبت أن المعنى من الأول التكذيب ، والله أعلم . قال : ثم معلوم أن هذا التكذيب والتحريف إنما كان من عمل كبرائهم ورؤسائهم ، فأخبر أنهم كذبوا ولم يعرفوا قدرها حين كذبوا ؛ ليزجر متبعيهم عن اتباعهم ، ويبين أن رؤساءهم ليسوا ممن يستحقون الاتباع . وفيه - أيضاً - زجر للمسلمين أن يستخفوا كتاب الله والعمل بما فيه ، والله أعلم . ثم قوله : { بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } يحتمل وجهين : أحدهما : أن يقول : بئس النعت والصفة صفة الذين بلغ كذبهم مبلغا كذبوا على الله ؛ لأن الكاذب في العباد موصوف بالشر ، فإذا بلغ كذبه مبلغا يكذب على الله تعالى ، علم أنه في النهاية في الشر ، فكأنه يقول : صفة الذين كذبوا على الله في الغاية من الشر والقبح . أو يقول : بئس مثل الذين كذبوا بآيات الله ؛ لأن الله تعالى ضرب أمثال المشركين بكل ما يستخبث ويستقبح ، وضرب أمثال المؤمنين بكل حسن وطيب ، فقال : المثل يعني الشبه الذي شبه الله تعالى به المكذبين بآياته شبه قبيح . ثم في هذه الآية دلالة أن الله تعالى يخلق القبيح والحسن والخبيث والطيب جميعاً ؛ لأن قوله : { بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ } ، وذلك المثل الذي شبههم به ما خلقه وقد سماه : بئسا ، فثبت أن الله تعالى قد خلق الخبيث والطيب والقبيح والحسن ، وعند المعتزلة لم يخلق إلا الحسن ، فتكون الآية حجة عليهم . وقوله : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } ، له تأويلان : أحدهما : أنه لا يهدي القوم الظالمين لوقت اختيارهم الظلم والفسق ، أو لا يهديهم بظلمهم الآيات ومكابرتهم وعنادهم إياها ؛ فهو لا يهدي هؤلاء ، وأما من ظلم عن جهل أو فسق ثم استرشد ، فإنه يهديه ويرشده ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ؛ وقال في موضع آخر : { قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ البقرة : 94 ] ؛ فكان في هذا بيان أن من كان من أوليائه فله الدار الآخرة عند الله خالصة ، ومن كانت له الدار الآخرة فهو من أوليائه . ويجوز أن يكون مآلهما جميعاً ، والله أعلم . ثم المباهلة في المتعارف إنما هي المحاجة في بلوغ العناد والتمرد غايته ، فكأنه لما قررت عندهم جميع الحجج فلم يقبلوها أمره بالمباهلة ؛ فلم يباهله اليهود والنصارى ؛ لأنه يجوز أن قد كان في كتابهم هذا أن المباهلة من غاية المحاجة وأن من باهل ، نزل عليه العذاب واللعنة إن لم يكن محقّاً ؛ فلذلك امتنعوا من المباهلة ، وأما العرب من المشركين فلم يكن لهم كتاب يعرفون به حكم المباهلة فباهلوا ، وذلك أنه روي أن أبا جهل كان يقول : " اللهم انصر أحبنا إليك وأقرانا للضيف وأوصلنا للرحم " فنصر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ، فأبو جهل باهله ؛ لأنه لم يكن له كتاب ، ولم يباهله اليهود والنصارى ؛ لما كانت لهم كتب عرفوا فيها حكم المباهلة ، والله أعلم . وقوله : { وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ } . هذه الآية تدل على رسالة رسولنا صلى الله عليه وسلم لأنه لو كان يقوله من نفسه ، لكانوا يبادرون فيتمنون الموت للحال ؛ ليظهر كذبه فيه ، فلما أخبر أنه لا يتمنونه أبداً ، ولم يتمنوا ، تبين أنه قال من الوحي ، وأنهم علموا ذلك حتى امتنعوا عن التمني ؛ خوفا للهلاك على أنفسهم ؛ لعلمهم أنهم لو تمنوا لماتوا ، والله أعلم . وقوله : { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ } . أي : من تحريف التوراة والإنجيل ؛ لأن قول النصارى : { نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ } [ المائدة : 18 ] لم يكن في الإنجيل ، وقول اليهود : { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً } [ البقرة : 111 ] لم يكن في التوراة ، ولكنهم غيروا وبدلوا ؛ فلا يتمنون الموت بما قدمت أيديهم من تحريف هذه الآيات وتبديلها وتغيير نعت محمد ، عليه الصلاة والسلام . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } . يعني : بظلمهم الآيات ، وعنادهم لها ، ومكابرتهم إياها . وقوله : { قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ } . أي : الموت الذي تفرون منه بما قدمت أيديكم من تحريف التوراة والإنجيل يلقاكم لا محالة وإن فررتم منه ؛ فيكون فيه تذكيرهم إن رجعوا عما يهربون منه ، يعني : الموت . وقوله : { ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } . يعني : إلى عالم ما أشهدتم الخلق من التوراة والإنجيل ، وعالم ما غيبتم عن الخلق من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وغير ذلك . أو عالم ما غيبتم في أنفسكم وأسررتم من تكذيبكم بمحمد صلى الله عليه وسلم وما أشهدتم عليه ضعفتكم وأتباعكم من نهيكم إياهم عن اتباعه . وقوله - عز وجل - : { فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } . إما عيانا تقرءونه في كتابكم يوم القيامة ، أو ينبئكم بما كنتم تعملون بالجزاء إن خيرا فخير وإن شرّاً فشر ، والله المستعان .