Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 145-147)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ } . يحتمل قوله : { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ } وجهين : أحدهما : أنه إنما أضاف ذلك إلى نفسه لما تولى كتابتها الملائكة البررة الكرام ، أضاف [ ذلك ] إلى نفسه تفضيلاً لهم وتعظيماً على ما ذكر في الكتاب في غير موضع ؛ من نحو قوله : { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } [ التحريم : 12 ] ، وقوله : { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [ النساء : 80 ] ، أخبر أن طاعة الرسول له طاعة ، وغير ذلك ، فكذلك هذا ، والله أعلم . أو أضاف ذلك إلى نفسه لما كان ويكون إلى يوم القيامة ، إنما يكون بكن الذي كان منه في الأوقات التي أراد أن يكون ، فعلى ذلك كَتْبُ تلك الألواح كان تحت ذلك الكن ، وإن كان أضاف بعض تلك الأشياء إلى نفسه ؛ كقوله : { جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ } [ القصص : 73 ] و { جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً } [ يونس : 5 ] { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } [ النمل : 60 ] كذا وخلق لكم كذا { وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ } [ السجدة : 9 ] ونحو ذلك ، فذلك كله كان تحت قوله : { كُنْ } فكان على ما أراد أن يكون ، في الأوقات التي أراد أن تكون ، والله أعلم . وقوله : { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ } . يحتمل قوله : { مِن كُلِّ شَيْءٍ } : مما يقع للعباد الحاجة إليه ، ويحتمل : { مِن كُلِّ شَيْءٍ } من أمره ونهيه ، وحله وحرامه . وقوله - عز وجل - : { مَّوْعِظَةً } . قال : الموعظة : هي التي تحمل القلوب على القبول ، والجوارح على العمل . وقال بعضهم : الموعظة : هي التي تنهى عما لا يحل . قال أبو بكر : الموعظة : هي التي تلين القلوب القاسية ، وتدمع العيون الجامدة ، وتصلح الأعمال الفاسدة . قال الشيخ - رحمه الله - : وعندنا الموعظة : هي تذكر العواقب ، وتحمله على العمل بها . وقوله - عز وجل - : { وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } . قيل : تفصيلاً لما أمروا به ، ونهوا عنه . وقيل : بياناً لكل ما يحتاج إليه . وقوله : { فَخُذْهَا } يحتمل - أيضاً - وجهين : يحتمل قوله : { فَخُذْ } ، أي : اقبل ، على ما ذكرنا في قوله : { فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ } [ الأعراف : 144 ] . ويحتمل : اعمل بما فيها . وقوله - عز وجل - : { بِقُوَّةٍ } قال أهل التأويل : بجد ومواظبة ، ولكن قوله : { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } القوة المعروفة ، وعلى قول المعتزلة لا يكون أخذاً بقوة ، وقد أخبر أنه أخذها بقوة ؛ لأنهم يقولون : إن القوة تكون قبل الفعل ، ثم يقولون : إنها لا تبقى وقتين ، فيكون في الحاصل لو كانت قبل الفعل أخذاً بغير قوة دلّ أنها مع الفعل ، وتقول المعتزلة : دل قوله : { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ } على أن القوة قد تقدمت الأمر بالأخذ ، لكن لا يكون ما ذكروا ؛ لأنه أمر بأخذ بقوة دل أنها تقارن الفعل لا تتقدم . وقوله - عز وجل - : { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } . يحتمل قوله : { يَأْخُذُواْ } ما ذكرنا من الوجهين القبول أو العمل ، أي : مرهم يقبلوا بأحسن القبول . ويحتمل : مرهم يعملوا بأحسن ما فيها من الأمر ، والنهي ، والحلال والحرام . ويحتمل قوله : { بِأَحْسَنِهَا } ، أي : بما هو أحكم وأتقن . أو بأحسن مما عمل به الأولون ؛ إذ فيه أخبار الأولين . وقوله - عز وجل - : { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ } . قال بعض أهل التأويل : قال ذلك لبني إسرائيل : سأريكم دار الفاسقين ، يعني : سنة الفاسقين ، وهو الهلاك ؛ كقوله تعالى : { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ } [ الأنفال : 38 ] وسنته في أهل الفسق والكفر والهلاك . وقال ابن عباس - رضي الله عنه - [ قال ] : { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ } : جهنم ، وأمكن أن يكون الخطاب للفسقة ، سأريكم يا أهل الفسق دار الفاسقين . وقوله - عزّ وجلّ - : { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي … } الآية . يخرج هذا على وجهين : أحدهما : [ سأصرف عن آياتي أي : ] سأصرفهم عن قبولها وتصديقها ؛ إذ لم يستقبلوها بالتعظيم لها ، بل استهزءوا بها واستخفوا بها على علم منهم أنها آيات من الله وحجة . والثاني : سأصرف عن وجود الطعن والقدح فيها والكيد لها ، ثم إن كل واحد من هذين الوجهين يتوجه على وجهين : قال الحسن : إن للكفر حدّاً إذا بلغ الكافر ذلك الحد يطبع عليه ، فلا يقبل ولا يصدق آياته بعد ذلك . والثاني : أنهم كانوا يتعنتون في آياته ويكابرون في ردّها مع علمهم أنها آيات وحجج من الله ، فإذا تعانتوا صرفهم عن قبولها وتصديقها ، وهو كقوله تعالى : { ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم } [ التوبة : 127 ] ، [ وقوله : { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } [ الصف : 5 ] ] أي : خلق منهم فعل الزيغ وفعل الانصراف ، وهكذا كل من يختار عداوة الله ، فالله لا يختار له ولايته ، ولكن يختار له ما اختار هو . وأما قوله : { سَأَصْرِفُ } عن وجود الطعن فيها والقدح ؛ وذلك أن الله - عز وجل - جعل للرسل والأنبياء أضداداً من كبراء الكفرة وعظمائهم ، وكانوا يطعنون في الآيات ، ويقدحون فيها ، فأخبر أنه يصرفهم عن وجود الطعن فيها [ والقدح ] والكيد لها ، أي : لا يجدون فيها مطعناً ولا قدحاً . والثاني : قوله : { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي } الهلاك والإبطال ، بل [ هم ] المهلكون والآيات هي الباقية ، ثم اختلف في الآيات : قال الحسن : آياتي : ديني ، وتأويله ما ذكرنا أنهم إذا بلغوا ذلك الحد صرفهم عنها . وقال غيره : آياته : حججه وبراهينه . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } . كانوا يتكبرون هم على الرسل لما لم يروهم أمثالاً لأنفسهم وأشكالاً ، وهكذا كل من تكبر على آخر يتكبر لما لم يره مثالاً لنفسه ولا شكلاً ، أو يتكبر لما يرى نفسه سليمة عن العيوب ، ويرى في غيره عيوباً ، أو يرى لنفسه حقوقاً عليه فيتكبر ، [ فإذا كان التكبر ] لهذا ، فالخلق كلهم أكفاء بعضهم لبعض ؛ لأنهم أمثال وأشكال ، وفيهم العيوب والحاجات ، فلا يسع لأحد التكبر على أحد ، وإنما التكبر لله تعالى ، فله يليق لما لا مثل له ولا شكل ، منزه عن العيوب كلها والحاجات ؛ لذلك كان هو الموصوف بالكبرياء والعظمة . وقوله - عز وجل - : { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } ، أي : ليسوا هم بأهل الكبر . وقوله - عز وجل - : { وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا } أمكن أن يكون قوله : { يَرَوْاْ } ، أي : إن علموا أنه آية لا يؤمنون به أبداً ، هذا في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون أبداً . { وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } . أي : وإن علموا [ أنه سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً ولا يتبعوه ؛ مخافة أن تذهب بأسهم ومكانتهم { وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } أي : وإن علموا ] أن ذلك هو سبيل الغي والباطل يتخذوه سبيلاً . وقوله - عز وجل - : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } . يحتمل قوله : { ذٰلِكَ } الصرف الذي ذكر عن آياته لما كذبوا الآيات بعد علمهم أنها آيات من الله ، وكانوا عنها عافلين غفلة الإعراض والعناد لا غفلة الجهل والسهو . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ } . أي : الذين كذبوا بالآيات والبعث بعد الموت . وقوله - عز وجل - : { حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } . يحتمل هذا وجهين : يحتمل : أنهم كانوا مؤمنين من قبل فكذبوا الآيات ، فكفروا بها ، فحبطت الأعمال التي كانت لهم في حال الإيمان ، وبطلت . ويحتمل : { حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } : المعروف الذي كانوا يفعلون في حال الكفر ؛ من نحو صلة الرحم ، والصدقات وغيره من المعروف ، والخيرات التي عملوا بها ، حبط ثواب ذلك كله إذا لم يأتوا بالإيمان . وقوله - عز وجل - : { هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . أي : ما يجزون إلا ما كانوا يعملون من الاستهزاء بالآيات والاستخفاف .