Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 148-153)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً } . قوله : { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ } كيفية وصف اتخاذ العجل ما ذكر في سورة طه بقوله : { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ … } [ طه : 88 ] الآية ، وصف الله - تعالى - قوم موسى بعضهم بالهداية ، والعدالة ، واتباع الحق ، بقوله : { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [ الأعراف : 159 ] ، وبعضهم وصفهم بالسفاهة ، وقلة الفهم والضعف في الدين بقولهم : { ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [ الأعراف : 138 ] ، وقال : ههنا : اتخذوا العجل إلهاً عبدوه ، يذكر هذا - والله أعلم - لما لم يعرفوا نعم الله ولم يتفكروا في آياته وحججه ، يذكر هذا لنا لننظر في آياته وحججه والتفكر في نعمه ، فنؤدي شكرها ، ونتدبر في آياته وحججه لنتبعها ولا نضيعها على ما ضيع قوم موسى . وقوله : { مِن بَعْدِهِ } أي : من بعد مفارقة موسى قومه . وقوله : { مِنْ حُلِيِّهِمْ } ، وقال في موضع آخر : { أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ } [ طه : 87 ] وكانت تلك الحلي عارية عندهم من قوم فرعون ، بقوله : { أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ } [ طه : 87 ] أضاف إلى فرعون ، وأضاف هاهنا إلى قوم موسى ، بقوله : { مِنْ حُلِيِّهِمْ } دل أن العارية يجوز أن تنسب إلى المستعير . وفيه دلالة أن من حلف : لا يدخل دار فلان ، فدخل داراً له عارية عنده يحنث . وقوله : { عِجْلاً جَسَداً } . قال بعضهم : صورته كانت صورة عجل ، ولم يكن عجلاً في جوهره . وقيل : الجسد هو الذي لا تدبير له ، ولا تمييز ، ولا بيان ؛ لكنه ذكر فيه هنا ما لا يحتاج إلى هذا ، وهو قوله : { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً } لكنه كأنه قال : عجلاً له جسد يذكر سفههم أنهم عبدوا من لا تدبير له ولا كلام ولا سبب للذي يغتر به أو دعاء ، واختاروا ، الهيئة من وصفه ما ذكر . وقوله : { لَّهُ خُوَارٌ } قيل : إن السامري قد أخذ قبضة من أثر الرسول ، فألقى تلك القبضة في الحلي الذي ألقوه في النار ؛ فصار شبه عجل له خوار . وقال بعضهم : صاغ من حليهم عجلاً ؛ فنفخ فيه من تلك القبضة فخار خواراً . وقال بعضهم : إن السامري كان هيأ ذلك العجل الذي اتخذه بحال حتى إذا مسه وحركه : خار . وقال بعضهم : كان وضع في مهب الريح فيدخل الريح في دبره ، ويخرج من فيه ، فعند ذلك يخور . والله أعلم . وقوله : { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً } . [ ذكر أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا ] ، وفي سورة طه : { وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } [ طه : 89 ] ليس فيه أنه إن كان يكلمهم أو يملك لهم ضرّاً ونفعاً يجوز أن يعبد ؛ ليعلم أن ذكر حظر الحكم في حالٍ لا يوجب إباحة ذلك في حالٍ أخرى . وفيه : أن امتناع العلة عن اطرادها يوجب نقضها ، وإن كان اطرادها في الابتداء في معلولاتها لم يدل على صحتها . وفي قوله : { لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً } { وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } [ طه : 89 ] ذكر سفههم لعبادتهم شيئاً لا يملك لهم ضرّاً ولا نفعاً . وقوله : { ٱتَّخَذُوهُ } [ أي : اتخذوه ] إلهاً عبدوه ، { وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } في عبادتهم العجل ؛ لأنهم وضعوا العبادة في غير موضعها ، والألوهية في غير موضعها . وقوله - عز وجل - : { وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ } هذا حرف تستعمله العرب عند وقوع الندامة وحلولها ، وتأويله : لما رأوا أنهم قد ضلوا سقط في أيديهم ، أي : ندموا على ما كان منهم . وقوله - عز وجل - : { لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا } أي : لئن لم يرحمنا ربنا ، ويوفقنا للهداية والعبادة له ، ويغفر لنا لما كان منا من العبادة للعجل ، والتفريط في العصيان { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } . ويحتمل قوله : { لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا } ابتداء طلب الرحمة والمغفرة ؛ كقوله : { وَٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ … } الآية [ هود : 90 ] . ويحتمل التجاوز لما كان منهم والعفو . وفي قوله : { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ } بعد قوله : { لَّهُ خُوَارٌ } دلالة أن الكلام هو ما يفهم منه المراد ليست الحروف نفسها ؛ لأنه أخبر أن له خواراً ، ثم أخبر أنه كان لا يكلمهم ، دل أن الصوت وإن كان ذا هجاء وحروف ليس بكلام ، وذلك يدل لأصحابنا في مسألة : إذا حلف ألا يكلم فلاناً ، ثم خاطبه بشيء لا يفهم مراده أن ذلك ليس بكلام ، ولا يحنث . وقوله - عز وجل - : { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً } والأسف : هو النهاية في الحزن والغضب ؛ كقوله : { يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ } [ يوسف : 84 ] هو النهاية في الحزن والأسف في موضع الغضب ، وكقوله : { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } [ الزخرف : 55 ] أي : أغضبونا ، لكن الغضب يكون على من دونه ، والأسف والحزن على من فوقه . وقوله - عز وجل - : { غَضْبَٰنَ } أي : لله على قومه لعبادتهم العجل ، وتركهم عبادة الله حزناً على قومه لما يلحقهم بعبادتهم العجل من العقوبة ، وهكذا الواجب على من رأى المنكر أنه يغضب لله على مرتكب ذلك المنكر لمعاينته المنكر ، ويأسف عليه لما يلحقه من العقوبة والهلاك ؛ رحمة منه له ورأفة ، ويلزم الشكر لربه ؛ لما عصمه عن مثله ، وكذلك وصف رسوله - عليه السلام - بالأسف والحزن لتكذيبهم إياه حتى كادت نفسه تهلك حزناً عليهم ؛ حيث قال : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ] ، وقوله : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] ذكر هذه القصة لنا ؛ لنعرف : أن كيف نعامل أهل المناكير وقت ارتكابهم المنكر . وقوله - عز وجل - : { قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ } . يخرج هذا على وجهين : أحدهما : بئسما خلفتموني : بئس ما اخترتم من عبادتكم العجل على عبادة الله . والثاني : بئسما خلفتموني باتباعكم السامري إلى ما دعاكم إليه بعد اتباعكم إياي وأخي رسول الله وما أمركم به ودعاكم إلى عبادة الله . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ } اختلف فيه : قال بعضهم : أعجلتم ميعاد ربكم ؛ كقوله : { أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً } [ طه : 86 ] ، أي : أعجلتم الوعد الحسن الذي وعد لكم ربكم ، وهو قوله : { وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً } [ الأعراف : 142 ] . وقال آخرون : [ قوله ] : { أَمْرَ رَبِّكُمْ } أي : عذاب ربكم وغضبه بعبادتكم العجل واتخاذكم له إلهاً ، وقد سمى الله تعالى العذاب في غير موضع من القرآن : أمراً ؛ كقوله : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [ النحل : 1 ] ، ونحوه . وقوله - عز وجل - : { وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ } . قال أكثر أهل التأويل : ألقى الألواح ، أي : طرحها على الأرض غضباً منه ، فوقع منها كذا وكذا ، وبقي كذا ، لكن لا يجوز أن يفهم من قوله : { وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ } طرحها لا غير ؛ ألا ترى أنه قال : { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ } [ النحل : 15 ] ليس يفهم منه الطرح والإلقاء ، ولكن إنما فهم منه الوضع ، فعلى ذلك قوله : { وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ } أي : وضع ؛ لأنه أخذ رأسه ولحيته ، أعني : رأس أخيه هارون ، ولا سبيل له إلى أن يأخذ رأسه ولحيته والألواح في يديه ، فوضعها على الأرض ، وثم أخذ رأسه ولحيته يجرُّه إليه ، على ما ذكر في سورة طه ؛ حيث قال : { يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } [ طه : 94 ] ، دل هذا أنه كان أخذ رأسه ولحيته جميعاً لشدة غضبه لله على صنيع قومه . وفي الآية دلالة العمل بالاجتهاد ؛ لأنه قال : { لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } [ طه : 94 ] ، ولا يحتمل أن يكون موسى يأخذ رأسه بالوحي لأمر من الله ، ثم يقول له هارون : لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ، ولا تفعل كذا . وفيه أيضاً : أن هارون لما قال له : { لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ } [ طه : 94 ] إنما قال ذلك بالاجتهاد ؛ حيث قال : { إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ } [ طه : 94 ] ؛ لأنه لو كان يقول له بالوحي أو بالأمر ، لم يكن ليعتذر إليه بقوله فلا تشمت بي الأعداء . وقوله : { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } . فيه دلالة أنه إنما أخذ شعر رأسه ؛ لأنه لو كان أخذ رأسه ، لكان لا يحتاج إلى أن يجره إليه ؛ دل أنه كان أخذ بشعر رأسه . وكذلك قوله : { لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } [ طه : 94 ] فيه دلالة لأصحابنا أن من مسح رأسه ثم أزال شعره ، لم يسقط عنه حكم المسح ، وإذا مسح على لحيته ثم سقطت زال عنه حكمه ، ولزم غسل ذقنه ؛ لما سمى الشعر رأساً ، وسمى اللحية لحية ، وسقوطها يسقط حكم المسح ، وسقوط شعر الرأس لا . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي } . خرج هذا صلة قول موسى لهارون لما قال له : { يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } [ طه : 92 - 93 ] ، فقال عند ذلك : { إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } . وقوله - عز وجل - : { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي } . قال بعضهم : إنما خصَّ أخاه بسؤال المغفرة ؛ لأنهم جميعاً قد عبدوا العجل سوى أخيه هارون ؛ لذلك خصّه بسؤال المغفرة . وقال بعضهم : إنما قال ذلك جواباً عما قال هارون : { فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ … } الآية . ويحتمل أن يكون تخصيص السؤال له بالمغفرة لما سأل ربه أن يجعل هارون له وزيراً بقوله : { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } [ طه : 29 - 32 ] ، لما سأل ربه أن يشركه في أمره ، ويشد به أزره ، فعلى ذلك خصَّه بسؤال المغفرة . والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } . لأن كل من يرحم دونه إنما يرحم برحمته . وقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ } . أي : عبدوا العجل . { سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا } . قال بعضهم : غضب من ربهم : عذاب في الآخرة لمن مات منهم على ذلك ، { وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا } القتل والهلاك في الدنيا . وقال بعضهم : قوله : { غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ } : القتل ، والهلاك ، { وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا } الجزية والسبي والقهر . ويحتمل قوله تعالى : { وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا } ذكر الذم بصنيعهم وثناء الشر ، على ما كان بصنيع الخيرِ المحمدةُ في الدنيا وثناءُ الخير . وقوله - عز وجل - : { سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ } . هذا يحتمل وجهين : أحدهما : أي : قد نالهم غضب من ربهم ؛ لما ذكر . والثاني : أن يكون هذا مذكوراً في كتبهم أن من اتخذ العجل معبوداً سينالهم غضب من ربهم ، فإن كان هذا خبراً عما في كتبهم ، فسينالهم على الوعد الصحيح ، وإلا على الخبر ، أي : قد نالهم . { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ } . أي : كذلك نجزي كل مفتر على الله تعالى . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوۤاْ } . قال أهل التأويل : قوله : { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ } يعني : الذين عبدوا العجل . { ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } وهو : في كل من عمل السيئات - أي سيئة كانت - إذا تاب عنها ، وندم عليها ، وطلب من الله المغفرة ، غفر له .