Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 159-162)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ } . قيل : أمة يدعون إلى سبيل الحق . { وَبِهِ يَعْدِلُونَ } . أي : به يعملون [ وهو كقوله : { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ } [ النحل : 125 ] . فعلى ذلك يحمل الأول على الإضمار والدعاء إلى سبيل الحق ، فقال الحسن : { يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ } أي : يعملون ] بالحق وبه يعدلون فيما بينهم ؛ لكن الأول أقرب ، والله أعلم . ثم قوله : { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ } جائز أن تكون الأمة التي أكرم من قوم موسى كانت في زمنهم يدعون الناس إلى الإيمان برسول الله . أو أن تكون الأمة من قومه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية من قوم موسى ، مؤمنين به يدعون الناس إليه وبه يعملون . وقوله : { وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً } . قال ابن عباس - رضي الله عنه - : هو ما ذكره : { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً } [ الأعراف : 168 ] أي : جماعة . وقيل : { وَقَطَّعْنَاهُمُ } ، أي : جعلناهم { ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً } فرقاً . وقال غيرهم : قوله : { وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً } أي : جاوزنا بهم البحر ، وجعلنا لهم اثنتي عشرة أسباطاً . قال أبو عوسجة : الأسباط : الأفخاذ ، والسبط واحد . وقال القتبي : الأسباط : القبائل ، واحدها : سبط . وقيل : [ الأسباط لهم كالقبائل للعرب . وقيل : ] الفخذ دون القبيلة . وقيل : إن أولاد إسحاق تسمى : أسباطاً ، وأولاد إسماعيل : قبائل وأفخاذاً ؛ ولذلك يقال للعرب : قبيلة كذا ، وفخذ كذا ، ولسنا ندري كيف هو ؟ وقيل : سبط الرجل : ولد ولده ؛ على ما روي أن الحسن والحسين - رضي الله عنهما - سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقوله - عز وجل - : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ } . قيل : دل [ قوله ] : { إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ } أنهم كانوا في المفازة ، لا في البلدان والقرى ؛ لأنهم لو كانوا في القرى ، والقرى لا تخلو عن أنهار تجري فيها أو عيون [ الأرض ] . ألا ترى أنه قال : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ } دل أنهم كانوا في المفازة ؛ لأنه هنالك تقع الحاجة إلى الغمام ، وأما في القرى فلا . وقوله - عز وجل - : { فَٱنبَجَسَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } . قال بعضهم : انفجرت ؛ على ما ذكر في سورة أخرى . وقيل : إن هذه الكلمة بلسانهم ، لا بلسان العرب . وقوله - عز وجل - : { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } . قال بعضهم : تعبدهم عز وجل بمعرفة كل منهم مشربه . وقال بعضهم : لا ، ولكن لئلا يزدحموا في ذلك فيقع في أولادهم التقاتل والإفساد والتنازع والاختلاف . وقوله - عز وجل - : { وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } . فيه أن جميع مؤنتهم كانت من السماء بلا مؤنة ولا تعب على أنفسهم . وقوله - عز وجل - : { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } . ما ذكر من المن والسلوى وغيره . { وَمَا ظَلَمُونَا } . لا أحد يقصد قصد ظلم الله ، ولكن إذا تعدوا حدود الله التي جعل لهم وجاوزوها فقد ظلموا أنفسهم ؛ لما رجع ضرر ذلك التعدي إليهم . وهذه النعم التي ذكر لهم - جل وعلا - إنما جعلها لهم في حال العقوبة والابتلاء من المن والسلوى ، والعيون ، والغمام ، ويدل هذا على أن عقوبات الدنيا قد يشوبها لذة ونعمة , وكذلك لذات الدنيا وقد يمازجها شدائد وهموم ، فإنما تخلص وتصفو هذه النعم في الآخرة ، وكذلك العقوبة هنالك تخلص وتفارق اللذات . وقوله - عز وجل - : { وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } . قال عامة أهل التأويل : قوله : { ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } بيت المقدس . وأمكن أن تكون القرية التي ذكر - هاهنا - هي الأرض التي ذكرت في سورة المائدة ، وهو قوله : { ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ } [ المائدة : 21 ] أمرهم بالدخول فيها ، ونهاهم عن الارتداد على أدبارهم ، وأمرهم - [ هاهنا ] - بالسكون فيها ، وأباح لهم التناول منها مما شاءوا . وقوله - عز وجل - : { وَقُولُواْ حِطَّةٌ } . أي : ارجعوا إلى السبب الذي يحط الأوزار ، لا قولهم : حط عنا كذا ، وهو كما قال : { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } [ هود : 3 ] ، أي : ائتوا بالسبب الذي به يغفر ، وهو التوحيد . { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً } الآية . قد مضى ذكر هذا في السورة التي فيها ذكر البقرة . وقوله - عز وجل - : { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ } . هذا - أيضاً - ذكرناه فيها ، سوى أنه ذكر - هاهنا - { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً } ، وذكر في سورة البقرة : { فَأَنزَلْنَا } [ البقرة : 59 ] والقصة واحدة ؛ ليعلم أن اختلاف الألفاظ لا يوجب اختلاف المعاني والأحكام ، ولا تغييرها ، وذكر هاهنا : { بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ } ، [ وذكر ] هنالك : { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } [ الأعراف : 163 ] ، والفسق هو الخروج عن الأمر ، والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ، وقد كان منهم الأمران جميعاً : الخروج عن أمر الله ، ووضع الشيء - أيضاً - في غير موضعه . أكرم الله - عز وجل - هذه الأمة كرامات من الطاعة لرسولها ، والخضوع له ، والتعظيم له ، حتى لم يخطر ببال أحد الخلاف له بعد ما اتبعه وآمن به ، وأكرمهم - أيضاً - من الفهم والحكمة والفقه ، حتى ذكر : كأنهم من الفقه أنبياء ، وقوم موسى وغيرهم من الأمم لم يكونوا مثل ذلك ؛ ألا ترى أن قوم موسى قد خالفوه في أشياء أمرهم موسى بها .