Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 42-45)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } . قال أبو بكر الكيساني : قوله : { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـٰئِكَ } : ليس من جنس ما ذكر من قوله : { آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } ؛ لكنه صلة قوله : { يَابَنِيۤ ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ } [ الأعراف : 35 ] ، يقول فيما تقدم ذكره : { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } . وأما عندنا : فإنه يستقيم أن يجعل صلة ما تقدم ، أي : لا نكلف نفساً من الأعمال الصالحات إلا وسعها ، بل نكلفها دون وسعها ودون طاقتها { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . وقال الحسن : قوله : { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً } : إلا ما يسع ويحتمل ، وهو صلة قوله : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا } ، يقول : لا يكلف نفساً إلا ما يسع ويحتمل ، لا ما لا يسع ولا يحتمل . قوله - عز وجل - : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } . قال القتبي : الغل : الحسد والعداوة . وقيل : الغل والغش واحد ، وهو ما يضمر بعضهم لبعض من العداوة والحقد . وقيل : الغل : الحقد . ثم اختلف فيه : قال بعضهم : قوله : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } : في الدنيا ، ينزع الله - عز وجل - من قلوبهم الغل ، يعني : [ من ] قلوب المؤمنين ، ويجعلهم إخواناً بالإيمان ؛ كقوله : { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } [ آل عمران : 103 ] الآية ، أخبر أنهم كانوا أعداء فألف بين قلوبهم بالإيمان الذي أكرمهم به ؛ حتى صاروا إخواناً بعد ما كانوا أعداء . قال الحسن : ليس في قلوب أهل الجنة الغل والحسد ؛ إذ هما يهمان ويحزنان ؛ إنما فيها الحب . [ و ] قال بعضهم : هذا في الآخرة ، ينزع الله - تعالى - من قلوبهم الغل الذي كان فيما بينهم في الدنيا ، ويصيرون جميعاً إخواناً ؛ كقوله : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } [ الحجر : 47 ] . وروي عن علي - رضي الله عنه - قال : [ إني ] لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله - تعالى - : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } [ الحجر : 47 ] . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : نزلت في علي وأبي بكر [ وعمر ] وعثمان وطلحة والزبير وابن مسعود وعمار وسلمان وأبي ذر - رضوان الله عليهم أجمعين - فينزع في الآخرة ما كان في قلوبهم من غش بعضهم لبعض في الدنيا من العداوة والقتل الذي كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر الذي اختلفوا فيه ، فيدخلون الجنة ؛ هذا - والله أعلم - لأن الذي كان بينهم من الاختلاف والقتال كان دنيويّاً لم يكن ؛ بسبب الدين ، فذلك يرتفع في الآخرة ويزول ، وأما العداوة التي هي بيننا وبين الكفرة : فهي لا تزول أبداً في الدنيا والآخرة ؛ لأنها عداوة الدين والمذهب ، فذلك لا يرتفع أبداً . ويشبه أن يكون قوله : { وَنَزَعْنَا } على ابتداء النزع ، لا على أن كانوا فيه ؛ كقوله - تعالى - : { يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [ البقرة : 257 ] على ابتداء : المنع ، أي : لولا إخراجه إياهم من ذلك ، وإلا كانوا فيه ؛ فعلى ذلك قوله : { وَنَزَعْنَا } أي : لم نجعل في قلوبهم الغل رأساً ، ولو تركهم على ما هم عليه لكان فيهم ذلك . وفيه دلالة أن لله في فعل العباد صنعاً ؛ لأن الغش [ والغل ] من فعل العباد يذمون على ذلك . ثم أخبر أنه نزع ذلك من قلوبهم ، واستأدى منهم الشكر بذلك بقوله : { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا … } الآية . وقد ذمّ من طلب الحمد على ما [ لم ] يفعل ؛ فدل طلب الحمد منهم على أن له فيه صنعاً ؛ بذلك طلب منهم الحمد ، والله الموفق . وقوله - عز وجل - : { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ } . ذكر هذا - والله أعلم - لما علم عز وجل من طباع الخلق الرغبة في هذه الأنهار الجارية في الدنيا ، فيما يقع عليها الأبصار ، فرغبهم في الآخرة بما كانت طباعهم وأنفسهم تميل إلى ذلك في الدنيا ؛ ليرغبوا فيما أمر وينتهوا عما نهى ، وكذلك جميع ما ذكر في القرآن من القصور والخيام والجواري والغلمان والأكواب والأباريق ، وغير ذلك مما ترغب طباع الخلق في ذلك في الدنيا وتميل أنفسهم إلى ذلك ؛ وأعدها لهم في الآخرة ترغيباً منه لهم في ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ } ، قال الحسن وغيره : هدانا : دلنا لهذا . { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ } . وأما عندنا : ليس هو هداية الدلالة والبيان ؛ ولكن الهداية التي أكرمهم الله بها بفضله ولطفه ، وهي توفيقه إياهم إلى الهدى ؛ لأنه خرج مخرج الامتنان والفضل ، ولو كان دلالة وبياناً لكان لا معنى لتلك المنة وذلك الفضل ؛ لأن عليه الدلالة والبيان . والثاني : [ أنه ] لو كان على الدلالة والبيان لكان ذلك على كل أحد : على الرسل وغيرهم ؛ لأن عليهم البيان والدلالة ، فدل أنه ليس على الدلالة والبيان ، ولكن غيره . والثالث : أنه لا أحد عند نفسه أنه يزيغ ويضل وقت ما هداه الله ووفقه . وقد يجوز أن يكون ذلك في الدلالة والبيان ؛ دلّ أنه لم يحتمل ما قال أولئك من الدلالة والبيان ، والله الموفق . وقال بعض الناس : إن المعتزلة خالفوا الله عما أخبر ، وخالفوا الرسل عما أخبروا عن الله تعالى ، وخالفوا أهل الجنة والنار ، وخالفوا إبليس : أما مخالفتهم الله فقوله : { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ } ونحوه . أما مخالفتهم الرسل فقوله : { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ } [ هود : 34 ] الآية ، وقول أهل النار قالوا : { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } [ إبراهيم : 21 ] وقول إبليس : { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي } [ الأعراف : 16 ] : هو أعلم بالله من المعتزلة . وقوله - عز وجل - : { لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ } . يحتمل وجوهاً : يحتمل جاءوا بالحق ، أي : بالدين الذي هو حق ، أو جاءوا بالأعمال التي من عمل بها كان صواباً ورشداً ، وكل حق هو صواب ورشد ، ويحتمل جاءت رسل ربنا بالحق ، أي : بالصدق ونحوه . { بِٱلْحَقِّ } : له وجهان : أحدهما : بالحق الذي استحقه الله على عباده . والثاني : أنهم جاءوا بالذي هو حق في العقول وصواب . وقوله - عز وجل - : { وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ } . قوله : { تِلْكُمُ } : إنما يتكلم عن غائب ، وهم فيها ، لكن تأويله - والله أعلم - أن تلكم الجنة التي كنتم وعدتم في الدنيا وأخبرتم عنها هذه . { أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } . أي : أورثكم [ أعمالكم ] . وفيه دلالة أن الإيمان من جملة أعمالهم ؛ حيث قال : أورثتموها بما كنتم تعملون ، وإنما يورث ذلك بالإيمان وسائر الأعمال [ بل ] إنما يصح بالإيمان ، ذكر أنهم أورثوا الجنة بما عملوا ، وإن كانوا ينالونها بفضل الله جزاء وشكراً ؛ لقولهم الذي قالوا : { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ } . وقوله - عز وجل - : { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ } . ما وعد المؤمنين - عز وجل - [ الجنة و ] ما فيها من النعيم واللذات والشهوات ، بقوله : { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ } [ الزخرف : 71 ] ، وقوله : { لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } [ الصافات : 46 ] : هذا الذي وعد للمؤمنين ، ووعد الكفار النار ، وما فيها من الشدائد وأنواع العذاب ، فأقروا أنهم قد وجدوا ما وعدهم ربهم . وقوله - عز وجل - : { فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً } : إن المراد بالحق الذي ذكر : الوعد الذي وعدهم وتفسير الحق الصدق ، وإن كان الموعود فتأويله : وجدتموه كائناً حاضراً ، وهو ما ذكرنا في قوله : { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ آل عمران : 140 ] . { فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } . أي : وجبت لعنة الله على الظالمين الذين وعدوا في الدنيا . وقوله - عز وجل - : { فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ } يحتمل الملك ، ويحتمل غيره ، وليس يعرف ذلك إلا بالخبر ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة . فإن قيل : يذكر في الآية نداء أهل الجنة أهل النار ، وأهل النار أهل الجنة ، ونداء بعضهم بعضاً لا يكون إلا بحيث يكون بعضهم قريباً من بعض ، وقد جاء في الأخبار من وصف الجنة وسعتها ما روي أن أقل ما يكون لواحد من الجنة مثل عرض الدنيا ، وما ذكر أن الحور العين لو نظرت نظرة إلى الدنيا لامتلأت الدنيا من ضوئها ونورها ، وكذلك من ريحها وعطرها ، وقد جاء في وصف النار أن شرارة منها لو وقعت في الدنيا لأحرقتها أو كلام نحو هذا ؛ فإذا كان بعضهم من بعض بحيث يسمعون بعضهم نداء بعض ، ألا يتأذى أهل الجنة بالنار ، وألا ينتفع أهل النار بنعيم الجنة ، وكيف يعرف ذلك ؟ قيل - والله أعلم [ وذلك أن الله ] قادر - : أن يوقع نداء هؤلاء بمسامع أولئك ونداء أولئك بمسامع هؤلاء ، مع بعد ما بينهما ؛ فيسمع كل فريق نداء الفريق الآخر . أو أن يكون الله - تعالى - ينقض بنية هذا الخلق ، وينشئهم في الآخرة على غير هذه البنية ، مع ارتفاع الآفاق [ والحجب فيسمع بعضهم من بعض من بعد الذي ذكر ، وينظر بعضهم بعضاً لأن في الدنيا الآفات ] ، والحجب هي التي تمنع ذلك ، فإذا ارتفع ذلك كان ما ذكر ، والله أعلم . أو يقرب الجنة من النار والنار من الجنة ؛ بحيث يسمع بعضهم من بعض ما ذكر من النداء . أو يجعل ذلك في مسامعهم بما شاء وكيف شاء ؛ كتسبيح الجبال وخطاب النمل وجوابه . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } . الصد : [ يكون ] [ منع ] الغير ، ويكون منع نفسه . وقوله - عز وجل - : { سَبِيلِ ٱللَّهِ } ، قيل : دين الله . قال الحسن : سبيل الله : دين الله الذي ارتضى لعباده ، وأمرهم بذلك ، وإلى ذلك دعاهم رسله . وقوله - عز وجل - : { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } . أي : يبغون الدين الذي فيه عوج ، وهو دين الشيطان ؛ كقوله : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [ الأنعام : 153 ] ، فالعوج هو التفرق الذي ذكر في تلك الآية ، وأمكن أن يكون قوله : { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } ، أي : طعناً في دين الله ، وقد كانوا يبغون طعناً في دين الله .