Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 73-79)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً } . قد ذكرنا أنه صلة قوله : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } [ الأعراف : 59 ] كأنه قال : وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً . وقوله - عز وجل - : { أَخَاهُمْ } قد ذكرنا أنه تحتمل الأخوة وجوهاً أربعة : أخوة النسب ، وأخوة الجوهر والشكل على ما يقال : هذا أخو هذا إذا كان من جوهره وشكله ، وأخوة المودة والخلة ، وأخوة الدين ، ثم يحتمل أن يكون ما ذكر من أخوة صالح [ كان أخوهم ] في النسب ، أو في الجوهر على ما ذكرنا في هود ، ولا يحتمل أن يكون في المودة والدين ، وأما أخوة النسب فإنه يحتمل لما ذكرنا أن بني آدم كلهم إخوة ، وإن بعدوا ؛ لأنهم كلهم من أولاد آدم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } . قد ذكرنا أن الرسل بأجمعهم إنما بعثوا ليدعوا الخلق إلى وحدانية الله ، والعبادة له ؛ وأن لا معبود سواه يستحق العبادة من الخلق . وقوله - عز وجل - : { قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } قيل فيه بوجهين . قيل : { بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } ، ما ذكر من الناقة التي جعلها الله آية لرسالة صالح ، وهي : { هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً } . وقيل : { بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } ، آيات ظهرت لهم على لسان صالح ، وجرت على يديه ما يدلّ على رسالة صالح ونبوته ، لكنهم كابروا تلك الآيات في التكذيب وعاندوا . وقوله - عز وجل - : { هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً } . وجه تخصيص إضافة تلك الناقة إلى الله يحتمل وجوهاً ، وإن كانت النوق كلها لله في الحقيقة : أحدها : لما خصت تلك بتذكير عبادته تعالى إياهم ووحدانيته تعظيماً لها ، على ما خصت المساجد بالإضافة إليه ، بقوله : { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } [ الجن : 18 ] ؛ لما جعلت تلك البقاع لإقامة عبادة الله ، فخصت بالإضافة إليه [ تعظيماً لتلك البقاع فعلى ذلك هذه الناقة خصت بالإضافة إليه ] لما جعلها الله آية من آياته خارجة من غيرها من النوق مخالفة بنيتها بنية غيرها ؛ إما خلقة ، وإما في ابتداء إحداثها وإنشائها أو في أي شيء كان ، فأضافها إليه لذلك ، والله أعلم . ثم لا يجب أن يتكلف المعنى الذي له جعل الناقة آية ؛ لأنه - جلّ وعلا - لم يبين لنا ذلك المعنى ، فلو تكلف ذكر ذلك فلعله يخرج على خلاف ما كان في الكتب الماضية ، فهذه القصص وأخبار الأمم الماضية إنما ذكرت في القرآن ؛ لتكون آية لرسالة محمد - صلوات الله عليه وسلامه - فلو ذكرت على خلاف ما كان [ كان ] لهم في ذلك مقال . ويحتمل معنى الإضافة إليه وجهاً آخر ، وهو : أنه لم يجعل منافع هذه الناقة لهم ، ولا جعل عليهم مؤنتها ، بل أخبر أنْ ذروها تأكل في أرض الله ، جعل مؤنتها فيما يخرج من الأرض ، ليست كسائر النوق التي جعل مؤنتها عليهم ، ومنافعها لهم بإزاء ما جعل عليهم من المؤن ، فمعنى التخصيص بالإضافة إليه لما لم يشرك فيها أحداً ولا في منافعها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ } . دلالة أن تلك الناقة كان غذاؤها مثل غداء سائر النوق ، وإن كانت خارجة عن طباع سائر النوق من جهة الآية ، ؛ ليعلم أنها وإن كانت آية لرسالته ودلالة لنبوته فتشابهها لسائر النوق في هذه الجهة لا يخرجها عن حكم الآية ، فعلى ذلك الرسل وإن كانوا ساووا غيرهم من الناس في المطعم والغذاء لا يمنع ذلك من أن يكونوا رسلاً ، والله أعلم بذلك . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ } . يحتمل : لا تتعرضوا لها قتلاً ولا قطعاً ولا عقراً لما ليست هي لهم ، { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، وفي مواضع أخر : { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } [ هود : 64 ] ، فهذا يدل على أنه إنما أراد بالعذاب الأليم عذاب الدنيا لا عذاب الآخرة ؛ لأنه قد يأخذهم عذاب الآخرة بكفرهم ، فالوعيد بأخذ العذاب لهم عذاب الدنيا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ } قد ذكرنا تأويله في قصة هود . { وَبَوَّأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } . قيل : أنزلكم فيها تتخذون من سهولها قصوراً . { وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتاً } يذكرهم - عز وجل - ما أنعم عليهم من سعة المال ، وبسط الرزق لهم ، وما خصهم من اتخاذ البيوت من الجبال دون غيرهم من الناس ، خص هؤلاء بسعة الرزق وبسط الأموال ، وقوم هود بالقوة والبطش ، بقوله : { وَزَادَكُمْ فِي ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً } [ الأعراف : 69 ] وقال في آية أخرى : { وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } [ فصلت : 15 ] وقال : { وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } [ الشعراء : 130 ] ، كان خصهم بفضل القوة والبطش والطول من بين غيرهم ، وهؤلاء بسعة الأرزاق لهم وبسط الأموال ، { فَٱذْكُرُوۤاْ ءَالآءَ ٱللَّهِ } [ الأعراف : 69 ] من السعة في الأموال والبسط ، وبما جعلكم خلفاء من بعد عاد ، وبما أقدركم على اتخاذ البيوت من الجبال لم يقدر على مثله أحد ؛ لأن غيرهم من الخلائق إنما ينتفعون بالجبال على ما هي عليها ، وأما هم فقد مكّن لهم على نحتها واتخاذها بيوتاً . { وَلاَ تَعْثَوْا فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } . أي : اذكروا نعمته ، ولا تشركوا في عبادتكم غيره . وقوله - عز وجل - : { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ } . قد ذكرنا أن الملأ من قومه هم كبراؤهم وسادتهم ، استكبروا عليه لما رأوه دون أنفسهم في أمر الدنيا ، فلم يتبعوه . وقوله - عز وجل - : { لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ } . فيه دلالة أن من المستضعفين من قومه من لم يكن آمن ؛ حيث خص لمن آمن منهم . وفيه : أن أوّل من اتبع الرسل هم الضعفاء ، وكذلك كان الأتباع للرسل جميعاً الضعفاء . وقولهم : { أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } ، قول هؤلاء الذين آمنوا بصالح وصدقوه في رسالته لم يخرج في الظاهر جواب ما سألوا ؛ لأنهم قالوا : { أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ } ، إنما سألوهم عن علمهم برسالته ، لم يسألوهم عن إيمانهم به ، فهم إنما أجابوا عن غير ما سئلوا في الظاهر ، لكن يجوز أن يكنى بالعلم عن الإيمان ، فكأنهم قالوا لهم : تؤمنون بصالح وتصدقونه ؟ لأن العلم بالشيء قد يقع بلا صنع ، والإيمان لا يكون إلا بصنع منهم ؛ فكأنهم إنما سألوهم عن الإيمان به ؛ لذلك قالوا : { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } . والثاني : كأنهم قالوا : بل علمنا أنه مرسل من ربه ، وإنا بما أرسل به مؤمنون . وفيه : دلالة أن من مكن له من العلم بأسباب جعلت له يصل بها إلى العلم ، لم يعذر بجهله في ذلك بعد ما أعطي أسباب العلم ؛ حيث قالوا : أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه ، أي : لا تعلمون . وقوله - عز وجل - : { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } فيه دلالة [ أن ] الإيمان : هو التصديق في اللغة ، والتكذيب : هو ضد ما يكون به التصديق ؛ حيث أجابوا بالتكذيب لإيمانهم به ؛ لقولهم : { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } فهؤلاء لم يعرفوا جميع الطاعات إيماناً على ما عرفه بعض الناس ، إنما عرفوه تصديقاً . وقوله - عز وجل - : { فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ } . أضاف ها هنا العقر إليهم جميعاً ، وفي موضع آخر أضاف إلى الواحد بقوله : { فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } [ القمر : 29 ] ، وفي سورة { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } [ الشمس : 1 ] كذلك أضاف إلى الواحد : { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } [ الشمس : 12 ] لكن فيما كان مضافاً إليهم جميعاً يحتمل أن تولى واحد منهم عقرها بمشورتهم جميعاً ، ومعونتهم ، وتدبيرهم ، وتراضيهم على ذلك ، فأضيف إليهم ذلك لاجتماعهم على ذلك ، وإلى الواحد فيما تولى جرحها ومنعها عن السير ، ففيه دلالة لمذهب أصحابنا أن قطاع الطريق إذا تولى بعضهم القتل ، وأخذ الأموال ، ولم يتول بعضهم يتشاركون جميعاً : من تولى منهم ، ومن لم يتول في حكم قطاع الطريق بعد أن يكون بعضهم عوناً لبعض ، وكذلك إذا اجتمع قوم على قتل واحد ، فتولى بعضهم القتل ولم يتول بعض بعد أن كانوا في عون أولئك ، فإنهم يقتلون جميعاً ، وعلى ذلك يخرج قول عمر - رضي الله عنه - حث قال : " لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم " وأهل صنعاء إذا اجتمعوا لا سبيل للكل أن يتولوا قتله ، فدلّ أنه على العون والنصر لبعضهم بعضاً فيتشاركون جميعاً في القصاص على ما تشارك أولئك جميعاً في العذاب : من تولى عقرها ومن لم يتول ، بعد أن كان ذلك العقر بمعونتهم ، وبتراضيهم على ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } . إنما أخذهم العذاب لما استعجلوا منه العذاب ، وكذبوه فيما يوعدهم العذاب ويعدهم . وقوله - عز وجل - : { وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ } . العتو : هو النهاية في التمرّد ، والخلاف لأمره على العلم منهم بالخلاف لا على الغفلة والجهل . وقوله - عز وجل - : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } . قيل : الزلزلة . وقيل : الصيحة ، وقال في آية أخرى [ فأخذتهم الصيحة ] [ وقال في آية أخرى ] : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ } [ الذاريات : 44 ] ، والقصة في ذلك كله واحد ، فجائز أن يكون ذلك واحداً ، وإن اختلفت ألفاظه ، وهو عبارة عن العذاب ، وجائز أن تكون الصيحة لما صيح بهم صعقوا جميعاً فماتوا ، وهو واحد . وقوله - عز وجل - : { فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } . قيل : ميتين و [ قيل ] لازقين بالأرض قد ماتوا وذهبوا ، ويقال : جثم الطائر : إذا لزق بالأرض ، يقال : أجثمته ، أي : ألزقته بالأرض ، والمجثمة يقال : طائر يشد جناحاه ورجلاه ، ثم يوضع بالأرض ، ثم يرمي بالنبل حتى يموت ، يقال : جثمت الطائر ، أي : شددت رجليه وجناحيه . يقال : جثم يجثم جثماً : إذا فعل ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ } . أي : أعرض عنهم ، وخرج من بينهم حين علم أن العذاب ينزل بهم . وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ، والنصيحة ما ذكرنا أن كل من دلّ آخر على ما به نجاته وسعى على دفع البلاء والهلاك عنه ، فهو ناصح له ، فعلى ذلك صالح وغيره من الرسل قد دلوا قومهم على ما به نجاتهم ، وسعوا على دفع الهلاك عنهم ، لكنهم لم يقبلوا النصيحة منهم .