Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 80-84)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ } . ذكر في غيره من الأنبياء دعاءهم قومهم إلى عبادة الله ووحدانيته ، على ما قال نوح : { يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } [ الأعراف : 59 ] وكذلك قال هود ، وصالح ، وشعيب ، وغيرهم من الأنبياء ، ولم يذكر في لوط ذلك هاهنا ، ولا يحتمل أن لم يكن منه الدعاء إلى ما كان من غيره من الأنبياء إلى توحيد الله وعبادته قبل النهي عن الفواحش ، والتعبير عليها ، وهو ما ذكر في آية أخرى : { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ … } [ الشعراء : 160 - 163 ] لأنه كان من الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - دعاء قومهم إلى عبادة الله ، ووحدانيته أولاً ، ثم النهي عما ارتكبوا من الفواحش والمعاصي ، والتعيير عليها . وقوله - عز وجل - : { أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ } قوله : { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ } يحتمل أن يكون منهم ما كان من سائر الأقوام تقليد الآباء في العبادة لغير الله ؛ كقولهم : { أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } [ الأعراف : 70 ] وقولهم : { وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } [ الزخرف : 22 ] و { مُّقْتَدُونَ } [ الزخرف : 23 ] وقوله : { بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } [ الشعراء : 74 ] ونحو ما قالوا ؛ فعلى ذلك من قوم لوط للوط لما دعاهم إلى عبادة الله ، ووحدانيته ، فأجابوه بما أجاب الأقوام لأنبيائهم من التقليد لآبائهم ؛ فقال : { أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ } ، أي : تعملون أنتم أعمالاً لم يعملها آباؤكم ، ولا تقلدون آباءكم في تركها من نحو ما ذكر من إتيان الفاحشة ، فقال : { مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ } يعيرهم ، ويسفه أحلامهم في إتيان ما يأتون من الفاحشة التي لم يسبقهم أحد من العالمين ، على علم منهم أن ذلك فاحشة . ألا ترى أنهم قالوا : { إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } دل هذا القول على أن ما يأتون من الفواحش يأتون على علم منهم أنها فواحش ؛ حيث قالوا : { إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } . ثم قوله : { ٱلْفَاحِشَةَ } لما في العقل والشرع ؛ لأن ما حرم من المحرمات على الخلق ، وأحل المحللات [ محنة ] منه لهم على ذلك ، ثم جعل فيما أحل لهم من الأطعمة والأشربة والاستمتاع بالنساء والجواري دواماً لهذا العالم ؛ لأنهم لو تركوا التناول من ذلك لهلكوا ، فإذا هلكوا انقطع هذا العالم لما ينقطع نسلهم ، ثم ركب فيهم الشهوات والحاجات التي تبعثهم على التناول مما أحل لهم ليدوم هذا العالم ؛ لأنه [ ما ] أحل لهم للشهوة خاصة ، ولكن لما ذكرنا فأخبر أن ما يأتون هم هو فاحشة ؛ لما ليس إتيانهم إياها إلا لنفس قضاء الشهوة ، إذ ليس في ذلك دوام العالم وبقاؤه ، فهو في العقل فاحش محرم ، وإنْ لم يرد في النهي ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } الإسراف : هو الإكثار من الشيء ، والمجاوزة عن الحدّ ؛ كقوله : { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } [ الفرقان : 67 ] القتر : هو التضييق ، والإسراف : هو الإكثار ، حيث قال : { وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } [ الفرقان : 67 ] فإذا كان الإسراف هو الإكثار من الشيء ، فكأن لوطاً سماهم مسرفين لما أكثروا من ذلك النوع من الفواحش ، وجاوزوا الحد ، والله أعلم . ويحتمل قوله : { قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } وجوهاً ثلاثة : أحدها : ما ذكرنا من إكثار الفعل . والثاني : مسرفون ؛ لما ضيعوا ما أنعم الله عليهم ؛ حيث أعطى لهم الأزواج فضلاً منه ونعمة ، حيث أخبر : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا } [ الروم : 21 ] وكقوله : { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } [ النحل : 72 ] ونحوه [ منَّ جلّ وعلا بما ] جعل لهم من الأزواج ، ثم هم لم يشكروه على ما أنعم عليهم ، بل ضيعوها ، وجعلوها في غير ما جعل هو لهم ، فذلك إسراف منهم . والثالث : الإسراف : هو المجاوزة عن الحد الذي جعل لهم ، فهم قد جاوزوه . وقوله - عز وجل - : { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } . قوله : { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ } . كذا كان من قومه أجوبة ليس على أنه لم يكن منهم من أول الأمر إلى آخره هذا ، ولكن لم يكن من جواب قومه وقت ما نهاهم عما ارتكبوا من الفواحش وعيَّرَهم عليها إلا ما ذكر : { أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } لما ينهاهم ويعيرهم على ذلك ، ويحتمل ما قال أهل التأويل : { يَتَطَهَّرُونَ } : من أدبار الرجال . وقيل : يتحرجون عن ذلك ، ويعيبون عليهم ، في ذلك . والثاني : ما كان جواب قومه لبعضهم إلا أن قالوا أخرجوهم وأما للوط كان منهم له أجوبة ؛ كقوله : { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ } كذا ، وقال في آية أخرى : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ } [ العنكبوت : 29 ] ، هذا فيما بينهم وبين لوط ؛ [ و ] الأول فيما بينهم قال بعضهم لبعض : { أَخْرِجُوهُمْ } ، أو لاختلاف المشاهد والمجالس . وقوله - عز وجل - : { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } . الغابر : الغائب ، يقال : غبرت ، أي : غبت ، أي : كانت من الغائبين عن لوط وأهله وقت العذاب . وقيل : من الغابرين ، أي : من الباقين في العذاب . وقوله - عز وجل - : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً } . اختلف فيه ؛ قال بعضهم : قلبت قرية لوط ، وجعل عاليها سافلها على ما ذكر في الآية { فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا } [ الحجر : 74 ] ، ثم أمطر على من كان غاب منهم الحجارة . وقال بعضهم : قلبت القرية فأمطرت على أهلها كالمطر . وقال آخرون : قلبت الأرض وأمطر عليها حجارة من سجيل تسوى الأرض ، أو كلام نحو هذا . ثم العذاب في الأمم لم يأتهم في الدنيا بنفس الكفر ، ولكن لما كان منهم من استحلال أشياء حرمت عليهم ، ومن قتل الأنبياء ، وأذاهم ، والمكابرات التي كانت منهم بعد علمهم أنهم على باطل وعناد . وقوله - عز وجل - : { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ } . هذا الخطاب جائز أنه ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصّة ، ولكن لكل أحد أمر بالنظر فيما حل بالأمم السالفة ؛ بتكذيبهم الرسل ، وعنادهم ؛ ليكونوا على حذر من صنيعهم ، لئلا يحل بهم ما حل بأولئك . وجائز أن يكون الخطاب لرسوله خاصّة ، فإنْ كان له فكأنه أمره أن ينظر في عاقبة المجرمين ليرحمهم ، ولا يدعو عليهم بالهلاك والعذاب .