Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 5-22)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } : فمنهم من ذكر أن الكافور شيء أعده الله تعالى لأهل كرامته ، لم يطلع عباده على ذلك في الدنيا . ومنهم من ذكر أن الكافور شيء جرى ذكره في الكتب المتقدمة ، فذكر كذلك في القرآن . ومنهم من قال : إنه عين من عيون الجنة . ومنهم من صرفه إلى الكافور المعروف . لكن قيل : إنه كناية عن طيب الشراب . وقيل : إنه كناية عن برودة الشراب ؛ لأنه ذكر أن ذلك الشراب في طبعه كالكافور ؛ لأن ألذ الشراب عند الناس البارد منه ، لا أن يكون في نفسه باردا . وذكروا أن الكأس لا تسمى : كأسا حتى يكون فيها خمر . وقوله - عز وجل - : { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } . ومعناه : منها ، لا أن يقع شربهم بها . وسميت العين : عينا ؛ لوقوع العين عليها . وقوله - عز وجل - : { يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } : فيه إخبار أن ماء العيون جارية يفجرونها من حيث شاءوا . ثم المراد من ذكر العباد هاهنا هم الذين أطاعوا الله - تعالى - وقاموا بوفاء ما عليهم ، وهم الذين قال الله تعالى : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } [ الحجر : 42 ] . وقوله - عز وجل - : { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } : النذر هو العهد ؛ فجائز أن يكون أراد به الوفاء بكل ما أوجب الله تعالى من الفرائض والحقوق ؛ فتكون فرائضه عهده ؛ كقوله - عز وجل - : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ } [ البقرة : 40 ] . وجائز أن يكون أراد بالنذر ما أوجبوا على أنفسهم من القرب سوى ما أوجبها الله تعالى عليهم ؛ فيكون فيه إخبار أنهم قاموا بأداء الفرائض ، وتقربوا إلى الله تعالى مع ذلك بقرب أخر ؛ فاستوجبوا المدح بوفائهم بما أوجبوا على أنفسهم . وقال : { ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } [ الحديد : 27 ] ، فلحقهم الذم ؛ لما لم يقوموا برعاية حقه ، ليس بإيجابهم على أنفسهم ما لم يوجبه الله تعالى عليهم . وقوله - عز وجل - : { وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } قيل : استطار شر ذلك اليوم ، فملأ السماوات والأرضين وكل شيء ؛ حتى انشقت السماوات ، وتناثرت النجوم ، وبست الجبال . ومعناه : أن هول ذلك اليوم قد عم وفشا في أهل السماوات والأرض ؛ حتى خافوا على أنفسهم . وقيل : سمي : مستطيرا ، أي : طويلا ، ويقال : استطار الرجل ؛ إذا اشتد غضبه ، واستطار الأمر ؛ أي : اشتد ؛ فسمي ؛ مستطيرا ، أي : شديدا . وقوله - عز وجل - : { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } : فالحب يتوجه إلى معانٍ : يتوجه إلى الإيثار مرة ، وإلى ميل النفس وركون القلب أخرى ، ومرة يعبر به عن الشهوة ، فالمراد من الحب هاهنا : الشهوة ؛ فيكون قوله - عز وجل - : { عَلَىٰ حُبِّهِ } ، أي : على شهوتهم وحاجتهم إليه . وقيل : ويطعمون في حال عزة الطعام . وقيل : أي : يطعمون الطعام على حبهم لها وحرصهم عليها ، ليس أن يطعموا عند الإياس من الحياة ، على ما روي في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح ، تأمل العيش ، وتخشى الفقر " . وقوله - عز وجل - : { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ } : [ قيل : إنهم لم يتكلموا بهذا اللفظ ، أعني : { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ } ] { لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } الآية ، ولكن علم الله تعالى ذلك من قلوبهم ؛ فأثنى عليهم بذلك ؛ ليرغب في ذلك الراغبون ؛ ألا ترى أنهم كانوا يطعمون الأسارى ، ولا يطمع من الأسارى المجازاة والشكر ؛ ليعلم أنهم لم يقصدوا بها إلا وجه الله تعالى والتقرب إليه ، والمجازاة : هي المكافأة لما أُسدي إليه ، والشكر : هو الثناء عليه والبشر عنه . وقوله - عز وجل - : { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } : فمنهم من جعل هذا نعتا لذلك اليوم ؛ فيكون معناه : أن هذا اليوم - وهو يوم القيامة - من بين سائر الأيام كالإنسان العبوس من بين غيره . ومنهم من صرفه إلى الخلائق ؛ فيكون معنى قوله تعالى : { يَوْماً عَبُوساً } ، أي : يوما تعبس فيه وجوه الخلائق ؛ لا أن يكون اليوم بنفسه عبوسا ، وهو كقوله تعالى : { وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } [ يونس : 67 ] ، أي : يبصر فيه ، وتقول العرب : " ما زال الطريق يمر منذ اليوم " ؛ على معنى : يمر الناس فيه ؛ فيرجع هذا إلى وصف ما يكون عليه ذلك اليوم ، على ما ذكرنا : أن الله تعالى ذكر اليوم بالأحوال التي يكون عليها حال ذلك اليوم ، فمرة قال : { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ } [ الحج : 2 ] ، ومرة قال : { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } [ القارعة : 4 ] ، وغير ذلك من الآيات . وقوله - عز وجل - : { قَمْطَرِيراً } ، قيل : شديدا . وقيل : القمطرير : الذي يقبض الوجه بالبسور والعبوسة ، ويزوي ما بين العينين . وقيل : القمطرير : المشوه على أهل النار . وقيل : القمطرير : هي كلمة من كتب الأولين . وقوله - عز وجل - : { فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ } : جائز أن تكون الوقاية منصرفة إلى الموعود في ذلك اليوم من العقوبة والنكال ، لا أن يكونوا وقوا من هول ذلك اليوم فلا يرون الجحيم ولا أهوالها . وجائز أن يكون وقاهم عما كانوا يخافون من التبعة لدى الحساب ، كقوله : { إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } [ الحاقة : 20 ] ؛ فكأنهم يخافون على أنفسهم المناقشة في الحساب ، فإذا رأوا سيئاتهم مغفورة ، وحسناتهم متقبلة ، سروا بذلك ، ووقوا شره . وجائز أن يكونوا أُومنوا من أهوال القيامة وأفزاعها حين نشروا من القبور ، وبلغتهم الملائكة بالبشارة ، كما قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } [ الأنبياء : 101 ] . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } : فالسرور عبارة عن انتفاء الحزن عنهم ، والنضرة : أثر كل نعيم . وقيل : نضرة في وجوههم ، وسرورا في قلوبهم . وقوله - عز وجل - : { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ } ، أي : على الطاعات ، وصبروا عن معاصي الله تعالى . { جَنَّةً وَحَرِيراً } : أي : جزاهم جنة ، وجزاهم حريرا ، فذكر الحرير ؛ لأن الجنان إنما تذكر في موضع التطرب والتنعم بالمآكل والمشارب دون التنعم باللباس ؛ فوعد لهم اللباس من الحرير ، مع ما جزاهم الجنة . وقوله - عز وجل - : { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ } ، يذكر تفسيرها بعد هذا ، إن شاء الله تعالى . وقوله - عز وجل - : { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } : لأنه لا شمس فيها ولا زمهرير ؛ بل يكون ظلها دائما ممدودا ؛ فجائز أن يكون المراد منه : أن ضياء الجنة ليس بالشمس ، ولكن بما خلقت مضيئة ؛ لأن الشمس في الدنيا يقع بها الضياء ؛ فيكون ضياء النهار بالشمس . وذكر أنهم لا يرون فيها الزمهرير ؛ ليعلم أن لذاذة شراب الجنة وبرودته بالخلقة ، لا أن تكون برودته بتغير يقع في الأحوال على ما يكون عليه شراب أهل الدنيا . أو يكون ذكر هذا ؛ ليعلموا أنهم لا يؤذون بحَرٍّ ولا برد . وقوله - عز وجل - : { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا } : جائز أن يراد به : أنها دانية من هؤلاء الذين سبق نعتهم ، وهم الأبرار ، كقوله - عز وجل - : { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف : 56 ] . أو ذكر أن ظلالها دانية ؛ لأنها لو لم تكن دانية ، لكان لا يقع لهم بها انتفاع . وقيل : هي ظلال غصون الأشجار قريبا منهم ؛ لأن للجنة نورا يتلألأ ؛ فيقع بالأشجار ظلال ؛ على ما جاء في الخبر " أنه لو ألقي سوار من الجنة في الدنيا ، لأضاءت الدنيا ، ويغلب ضوءها ضوء الشمس " ، ويجوز ذلك ؛ فتقع الأشجار فيها ظلال ؛ كما يشتهونه في الدنيا ليس ذلك على شمس [ ولا ] قمر . وقوله - عز وجل - : { وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } : جائز أن يكون أريد بالتذليل : التليين ، أي : لينت ؛ فلا يرد أيديهم عنها شوك . وقيل : إن أشجارها ليست بطوال لا تنال ثمارها إلا بعد عناء وكد ؛ بل قريبة من أربابها ، يقال : حائط ذليل ؛ إذا لم يكن عاليا في السماء . وقيل : ذللت ، أي : سويت الأشجار ، لا يتفاوت بعضها بعضاً ؛ يقول أهل المدينة إذا استوت عذوق النخلة : تذللت النخلة . وقيل : ذللت ، أي : سخرت ؛ والتذليل : التسخير ، فيتناولون منها كيف شاءوا : إن شاءوا تناولوها وهم قيام ، وإن شاءوا تناولوها وهم جلوس ، أو نيام على الفرش . وجائز أن يكون تسخيرها على ما ذكر عن بعض المتقدمين : أن شجر الجنة عروقها من فوق ، وفروعها من أسفل ، والثمار بين ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ } . فتأويل الأكواب يذكر في سورة : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } [ الغاشية : 1 ] . ثم أخبر أن تلك الأكواب قوارير من فضة ، قيل : هي من فضة ، ولها صفاء القوارير ، يرى ما فيها من الشراب من خارجها ؛ لصفائها . ثم الآنية من الفضة في أعين أهلها أرفع وأشرف من الإناء المتخذ من التراب ؛ فكذلك الصفاء الذي يكون بالفضة أبلغ وأرفع في أعين أهلها من الصفاء الذي يقع بالقوارير . { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ } على الأصل المعهود : أنه لا ينصرف ، وقرئ قوله : { قَوَارِيرَاْ } على الوقف عليه موافقا لآخر سائر الآيات ، وقرئ { قواريراً } ، بالتنوين عند الوصل أيضا ؛ لأنه رأس الآية . وقوله - عز وجل - : { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } : أي : جعلت على قدر ريهم . وقيل : يسقون على القدر الذي قدروه في أنفسهم ، وحدثت به أنفسهم ؛ فلا يقدرون في قلوبهم مقداراً إلا أتوا بها على ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } : منهم من زعم أن العرب كانوا إذا أعجبهم شراب نعتوه ، وقالوا : كالزنجبيل ؛ فخرجت البشارة من الوجه الذي ترغب في مثله الأنفس . ومنهم من ذكر أن الزنجبيل والسلسبيل واحد ، وهما اسم العين . ومنهم من ذكر في السلسبيل ، أي : سل سبيلا إلى تلك العين . وقال قتادة : أي : سلسلة السبيل ، مستعذَب ماؤها . وقيل : سلسبيلا : شديد الجرية . وقوله - عز وجل - : { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } : ذكر الولدان لا أن يكون فيها وِلاَدٌ ؛ ولكنهم أنشئوا ولدانا ، فيخلدون كذلك ، لا يكبرون ، ولا يهرمون . وجائز أن يكون الولدان ولدان الكفرة الذين ماتوا في الدنيا صغارا ؛ فلا يكون لهم في الجنة آباء ؛ ليرفعوا إلى درجة الآباء ؛ فيجعلهم الله تعالى خدما لأهل الجنة . وقوله - عز وجل - : { إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } : منهم من يقول : إن الله تعالى شبه حسنهم بحسن اللؤلؤ المنثور ؛ إذ أحسن ما يكون اللؤلؤ إذا كان منثورا ؛ فجائز أن يكون هؤلاء الولدان فضلوا في الحسن على سائر الجواهر التي تكون في الجنة ؛ كما فضل الدر في الدنيا على سائر الجواهر . ومنهم من يقول : إنهم ما لم يطوفوا فمن رآهم حسبهم لؤلؤا منثورا ، وإذا طافوا ، وتحركوا ، فحينئذ يعلمون أنهم ولدان . وقوله - عز وجل - : { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } : قيل : هما اللذان لا نعت لهما ولا وصف . وقيل : المُلْك : استئذان الملائكة عليهم ، وملوك الدنيا وإن علت رتبتهم لم يملكوا الاحتجاب من دخول الملائكة عليهم بغير استئذان ، والملك : هو الذي له نفاذ الأمور . وجائز أن يكون ذكر النعيم والملك الكبير على معنى أنه لا ينقطع عنهم ؛ بل إذا رأيتهم أبدا رأيتهم في نعيم وملك كبير . وقوله - عز وجل - : { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ } : جائز أن يكون أراد بالعالي ما علا من المكان الذي هم فيه ، فيخبر أن في أعلى أماكنهم ثيابَ خضرٍ من سندس كما هو في المكان الذي أسفل موضع جلوسهم ؛ لأنهم يكونون على الأرائك والأحجال ؛ فيكون ما تحت الأحجال والأرائك من الأماكن زرابي مبثوثة ؛ ونمارق مصفوفة ، ويكون عاليها كذلك . فإن كان على هذا ، فلا فرق بين أن يكون فرش ذلك المكان من حرير وديباج غليظ - إن أريد بالإستبرق الديباج الغليظ - وبين أن يكون من ديباج رقيق ؛ إذ كل ذلك مما يرغب في مثله ، والله أعلم . وقيل : { عَالِيَهُمْ } ، أي : أعلى ثيابهم سندس خضر وإستبرق . وقال بعضهم : عالي أنفسهم ثياب سندس . ومنهم من صرف السندس إلى اللباس والإستبرق إلى ما بسط ؛ لأن الديباج الغليظ مما لا ترغب الأنفس إلى لبس مثله ؛ فجمع بين ما يلبس وبين ما يفرش ، وبيَّنَ الفعل في أحدهما ، ولم يذكر في الآخر . ومنهم من قال : { عَالِيَهُمْ } هم الولدان يطوفون من أعاليهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ } : بشرهم بالأساور من فضة ؛ لأن الفضة مستحسنة بنفسها ؛ لبياضها ، والذهب استحسانه لقدره وعزته ، ليس لنفسه ؛ لأنه أصفر ، والأعين لا تستحسن هذا اللون ؛ فجرت البشارة بالفضة لا بالذهب . وقال بعضهم : يحلى الرجال بأسورة من فضة ؛ على ما أبيح لهم التحلي بخاتم الفضة في الدنيا ، وتحلي النساء بأساور الذهب على ما أبيح لهن التحلي بخاتم الذهب في الدنيا . وقوله - عز وجل - : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } : قيل : هو الخمر تطهر من الآفات ومن كل مكروه ، وتطهر قلوبهم من الغل ؛ فيعمل ذلك الشراب في تطهير الظاهر والباطن ، وشراب الدنيا يطهر ظاهر البدن ، وباطن البدن ينجس الشراب . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع " ، فقال يهودي : إن الذي يأكل ويشرب يكون له الحاجة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حاجة أحدهم عرق يفيض من جسده ؛ فتضمر لذلك بطنه " . والأصل أنك قد ترى الطعام الذي يطعمه الإنسان في الدنيا تبقى قوته في البدن حتى يظهر ذلك في كل جارحة من جوارحه ، وكذلك شهوته تبقى فيها ، ثم يخرج الثفل منها والفضل ؛ فجائز أن يرفع الله تعالى عن ذلك الطعام الفضل الذي يزايل البدن ؛ فيكون طعامهم ذلك اللطيف الذي يبقى في النفس . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً } : فجائز أن تكون هذه البشارة خرجت لأهلها في الدنيا . وجائز أن تكون لهم في الآخرة : أن هذا الذي أكرمتم به من الكرامات جزاء لعملكم وسعيكم في الدنيا .