Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 11-14)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } ذكر النعاس بعد شدة خوفهم ، والنعاس لا يكون ممن اشتد به الخوف ويغشيه إلا بعد الأمن ، فذكر لطفه ومنته الأمن بعد شدة الخوف ، ذكر عظيم ما من عليهم من الأمن لما ذكر من إلقاء النعاس عليهم والنعاس إنما يكون بعد الأمن ، بعد ما كان من حالهم ما ذكر حيث قال : { كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } . وقوله : { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } ذكر في بعض القصة أن المشركين سبقوا فأخذوا الماء ؛ فبقي المسلمون في رمل لا تثبت أقدامهم عطشى ، فوسوس إليهم الشيطان أنهم لو كانوا على حق ما بلوا بمثل ذلك في رمل لا تثبت أقدامهم عطشى ؛ فأبدل الله مكان الخوف أمناً يأمنون به ، وأنزل عليهم من السماء ماء ليطهرهم به ويشربون ويشدد به الرمل وتثبت أقدامهم ، فذلك قوله : { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ } قال أهل التأويل : [ الرجز ] : وسوسة الشيطان التي وسوس إليهم . وقيل : الرجز : الإثم ؛ أذهب ذلك عنهم ؛ كقوله : { رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً } [ الأنعام : 145 ] . وقوله - عز وجل - : { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } ذكر هذا - والله أعلم - على المبالغة [ في المنة أنه ] أخبر أنه أنزل من السماء ماء فضل عن حوائجهم حتى وجدوا ماء لتطهير أنفسهم وأبدانهم ، وأذهب عنهم رجز الشيطان ؛ ذكر السبب الذي به يذهب الرجز ؛ لأن الرجز هو العذاب ، فذكر الرجز والمراد منه سبب الرجز . وقوله - عز وجل - : { وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ } . يحتمل : حقيقة تثبيت الأقدام . ويحتمل : الثبات على ما هم عليه . والربط : هو الشد لشيء ، فيحتمل قوله : { وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ } أي شدها حتى لا يزول أحدهم عما هو فيه ، ولا يزيع عن ذلك ، وإن ابتلاه الله - تعالى - بأنواع الشدائد والبلايا ؛ ذكر في التوحيد والإيمان الربط والتثبيت بقوله : { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } [ الفرقان : 32 ] ، وقوله : { وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ } ، وقوله : { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } [ الكهف : 14 ] ، وذكر في الشرك والكفر الطبع والختم والقفل ونحوه ؛ فهو - والله أعلم - عقوبة لهم لما اختاروا ذلك . وقوله : { وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ } . قيل : وسوسة الشيطان ، وهو ما ذكر في بعض القصة أن المسلمين أصابهم ضعف شديد ، وألقى الشيطان في قلوبهم القنوط ، ويوسوسهم ، ويقول لهم : تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله ، وقد غلبكم المشركون على الماء ، وأنتم تصلون مجنبين ، فأمطر الله عليهم مطراً شديداً ، فشرب المسلمون وتطهروا ، وأذهب عنهم رجز الشيطان ، ونشف الرمل حين أصابه المطر ، فمشى الناس عليه والدواب فساروا إلى القوم ، وأمدّ الله - عز وجل - نبيه والمؤمنين بألف من الملائكة ، فذلك قوله : { بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } [ الأنفال : 9 ] . ثم قال : { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } . الوحي [ و ] كان يسمى وحياً لسرعة قذفه في القلوب ووقوعه فيها ؛ ولذلك سمى - والله أعلم - وساوس الشيطان : وحياً بقوله : { وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ } [ الأنعام : 121 ] ، أي : يقذفون في قلوبهم ، ويدعونهم إلى أشياء من غير أن علموا بذلك أنه ممن جاء ذلك ، وما سبب ذلك ؛ لسرعة قذفه ووقوعه في القلوب ، وكذلك سمى الإلهام وحياً لسرعة وقوعه في القلوب ؛ قال - تعالى - : { وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ } [ النحل : 68 ] . وقيل : هو الإلهام ؛ أي : ألهم النحل لتتخذ من الجبال بيوتاً ، وقال - عز وجل - : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ } [ الشورى : 51 ] ، أخبر أن ليس له أن يكلمه إلا وحياً ، وهو ما ألهمه ، سمى وحياً لسرعة وقوعه في القلب وقذفه [ فيه ] على غير علم منهم أنه من أين كان ؟ ومم كان . وفيه دلالة أن غيراً هو الذي أخطر ذلك في القلوب وقذفه فيها ، لا أنه يحدث ذلك بنفسه على غير إخطار أحد ولا قذفه ، فإن كان ما قذف فيه خيراً فهو من الملك ، وإن كان شرّاً فهو من قذف الشيطان ووسوسته ؛ ففيه دليل ثبوت الملك والشيطان ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَنِّي مَعَكُمْ } . [ قيل : إني معكم ] في النصر ، والمعونة ، ودفع العدو عنكم . أو يقول : إني معكم في التوفيق . ويحتمل أن يكون قوله : { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ } أي : أخبر المؤمنين أني معكم بما ذكرنا من النصر والمعونة والدفع . وقوله - عز وجل - : { فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } . أمر ملائكته أن يثبتوا الذين آمنوا بالنصر لهم والأمن ، بعد ما كانوا خائفين فشلين جبنين لما أجابوا ربهم ، مع ضعف أبدانهم ، وقلة عددهم ، فأبدلهم الله مكان الخوف لهم أمناً ، ومكان الضعف القوة والنصر ، ومكان الذل العز ، وأبدل المشركين مكان الأمن لهم خوفاً ، ومكان العز الذل ، ومكان الكثرة الضعف والفشل ؛ فذلك - والله أعلم - [ قوله ] : { سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } . وقوله : { فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } . جائز أن يكون نفس نزول الملائكة تثبيتهم ؛ لأنهم سبب تثبيتهم ، [ أو ثبتهم ] من غير أن علم المؤمنون بهم . وقوله - عز وجل - : { فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } . قال قائلون : قوله : { فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ } إذا ظفروا بهم ووقعوا في أيديهم ، فعند ذلك يضرب فوق الأعناق ، وهو الفصل الذي يبين الرأس بالضرب ؛ لما نهى عن المثلة ، وفي الضرب في غير ذلك مثلة . ويحتمل قوله : { فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ } ، أي : اضربوا الأعناق وما فوق الأعناق . { وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } معناه - والله أعلم - أي : اضربوا على ما تهيأ لكم من الأطراف وغيرها . وأما قوله : { وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } في الحرب ؛ لأنه لا سبيل في الحرب إلى أن يضرب ضرباً لا يكون مثلة ؛ فكأنه قال : فاضربوا فوق الأعناق إذا قدرتم عليهم ووقعوا في أيديكم ، { وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } [ كيفما تقدرون ] ، وحيثما تقدرون ، والله أعلم . وقوله : { ذٰلِكَ } . يعني - والله أعلم - : ذلك الضرب والقتل . { بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ } . أي : حاربوا الله ورسوله ، والمشاقة : الخلاف ؛ خالفوا الله ورسوله . { وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } : له في الآخرة . وقوله : { ذٰلِكُمْ } . أي : ذلكم العقاب والعذاب . { فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ } . بالخلاف لله ورسوله ، والمحاربة معهم .