Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 9-10)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ } كيف خافوا كل هذا الخوف حتى وصفهم بشدة الخوف كأنما يساقون إلى الموت وقد وعد لهم النصر والظفر بقوله : { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ } وكيف استغاثوا ربهم في ذلك وقد سبق منه لهم الوعد بالظفر والنصر . [ قيل : ] قد يمكن أن تصرف الآية إلى المنافقين ، وهو قوله : { كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } غير أنه ذكر في بعض القصة أنه لم يكن ببدر منافق بل كانوا كلهم مؤمنين حتى افتخر بذلك من شهد بدرا ، أو إن كان في المؤمنين فهو ما ذكرنا لقلة عددهم وضعفهم وكثرة أولئك وعدتهم كانوا كما وصف ، والله أعلم . لكن الآية تحتمل وجوهاً : أحدها : أمكن أن يكون الوعد لهم بالنصر بين لرسوله ولم يبين لهم ؛ فألقى في قلوبهم الرعب والخوف لما لم يبين لهم الوعد بالنصر . أو بين لهم وبلغهم الوعد بذلك لكن لم يبين لهم الوقت متى يكون ذلك ؛ ألات ترى أنهم أمروا بالخروج ولا يدرون إلى ماذا يؤمرون . والثالث : يجوز أيضاً أن بين لهم الوعد بالنصر وبلغهم ذلك ، غير أنهم خافوا ذلك وكرهوا خوف طبع وكراهة النفس لا كراهة الاختيار ، وجائز الخوف في مثل هذا وكراهة الطبع وإن كانوا على يقين بالنصر والظفر وتحقيق ذلك لهم . والرابع : يجوز أن يكون الوعد لهم بالنصر والظفر بالتضرع إليه والاستغاثة منه ، على ما يكون في الدعوات ، يكون شقاوة بعض ودخوله النار بمعاصي يرتكبها ، وسعادة آخر ودخوله الجنة بخيرات يأتي بها فيصير من أهلها . والخامس : جائز أن يكون ذلك من الله لهم محنة يمتحنهم بها كقوله : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ … } الآية [ البقرة : 155 ] ، يحتمل معنى الآية الوجوه التي ذكرنا ، والله أعلم . ثم اختلف في قوله : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ … } الآية ؛ قال بعضهم : هو صلة قوله : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ } [ آل عمران : 123 ] . قالوا قوله : { بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } ألفان ، وقوله : { بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ } [ آل عمران : 124 ] فيكون خمسة آلاف مسومين . ومنهم من يقول : ثلاثة كان في أحد ؛ إذ ذكر على أثر قصة أحد ، فإن كان ما ذكروا فكأن قوله : { مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } إما في أرداف الكفرة وهو المتتابع ، تابع أهل بدر المشركين وهم منهزمون ، أو أن يكون الإرداف الإمداد فيكون ألفان . وقال بعض أهل التأويل : إن قوله : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ } هو رسول الله ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم [ لما ] رأى كثرة المشركين ببدر علم أنه لا قوة لهم إلا بالله ، فدعا ربه وتضرع [ إليه ] ، ولكن ذلك قولهم عندنا والله أعلم ، أعني قول المؤمنين ؛ ألا ترى أنه قال : { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ } [ آل عمران : 124 ] بكذا والله أعلم بذلك ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة ، سوى أن فيه البشارة لهم بالنصر والطمأنينة لقلوبهم وإنباء أن حقيقة النصر إنما يكون بالله لا بأحد سواه ، وذلك قوله : { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } لا يذله شيء ولا يعجزه { حَكِيمٌ } في أمره ونهيه لا يأمر بشيء ولا ينهى عن شيء إلا وفيه حكمة ، وفائدة ما ذكر من بعث مدد ألف ملك وثلاثة آلاف ، وما ذكر لطمأنينة قلوب أولئك المؤمنين ، وإلا ملك واحد كاف لهم وإن كثروا لأنه يراهم ولا يرونه ، وإهلاك مثله سهل .