Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 20-23)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } . أي : أطيعوا الله في أمره ونهيه ، { وَرَسُولَهُ } : في بيانه ، وفيما دعا إليه . وقيل : أطيعوا الله في فرائضه ، ورسوله في سننه وآدابه . { وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } : آياته وحججه . { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } أي : لا تكونوا في الإيمان والتوحيد والآيات . { كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا } [ بذلك { وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } أي : لا يجيبون ، ولا يسمعون ، ولا يؤمنون ] . ويحتمل أن يكون : { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا } : الآيات والحجج ، { وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } أي : لا ينتفعون بسماعهم ، أو لا يعقلون كالدواب وغيرها . قال أبو بكر الأصم : قوله : { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } استثقالا ، وبغضاً ؛ أي : لا يستمعون إليه ؛ لأن من استثقل شيئاً وأبغضه لم يستمع إليه ؛ كقوله : { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } [ فصلت : 26 ] . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } . تأويله - والله أعلم - : أن الذي هو [ من ] شر الدواب عند الله هو الأصم الذي لا ينتفع بسمعه ، والأبكم الذي لا ينتفع بلسانه ونطقه ؛ لأنهم لم ينتفعوا بسمعهم لما جعل له السمع ، ولم ينتفعوا بنطقهم لما جعل له النطق ، ولم ينتفعوا بعقلهم لما جعل له العقل ، فهم شر الدواب ؛ كقوله : { أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [ الأعراف : 179 ] وأشر ؛ لأن الدواب والأنعام انتفعت بهذه الحواس لما جعلت لها هذه الحواس ، عرفت بهذه الحواس المهالك والمضار فتوقت عنها ، وعرفت الملاذ والمنافع بها فترغب فيها وتقع ، فانتفعت الدواب بالحواس التي جعلت لها لما جعلت ، ولم يجعل لها هذه الحواس إلا للمقدار الذي عرفت وفهمت وانتفعت ، وهؤلاء الكفرة لم ينتفعوا بالحواس التي جعلت لهم لما جعلت له ذلك ؛ ليعرفوا النافع لهم والملاذ في العاقبة كذلك ويعرفوا الضار لهم في العاقبة والمهلك فيتوقوا عنه ، فلم ينتفعوا بحواسهم لما جعلت الحواس ، والدواب انتفعت بها ؛ لذلك كانوا أضل وأشر [ منها ] . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ } الذين اكتسبوا الصمم الدائم والعمى الدائم ، وذلك في الآخرة ؛ كقوله : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً } [ الإسراء : 97 ] ، وقوله : { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] ، أي : تركوا اكتساب البصر الدائم ، والسمع الدائم ، [ و ] الحياة الدائمة والباقية ، سماهم صمّاً وبكماً وعمياً ؛ لما لم يكتسبوا بصر القلب ، ونطق القلب ، وسمع القلب ؛ فهذه هي الحواس التي تكون بالاكتساب ، ولم يكتسبوها ، إنما لهم الحواس الظاهرة . أو يقول : شر الدواب التي لم ينتفعوا بالذي ذكر من الحواس ، وتركوا استعمالها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ } . قيل : نزلت الآية في المردة من الكفرة . وقال ابن عباس : هم نفر من بني عبد الدار ، كانوا يسألون رسول الله آية بعد آية ، وقد أعطاهم آية بعد آية قبل ذلك لم يقبلوها ، فقال : { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً } أنهم يقبلون جواب المسائل التي سألوا ، لأوحى إليهم ولأسمعهم ، ولكن علم أنهم وإن أسمعهم جواب مسائلهم - لا يقبلون . وقالت المعتزلة : دلت الآية أنه قد أعطاهم جميع ما كان عنده ، لكنهم لم يقبلوا ؛ لأنه قال : { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ } ، فدل أنه لم يكن عنده ما يعطي ، وإلا لو كان عنده ما يقبلون لأسمعهم . لكن هذا بعيد ؛ لأنه لم يقل : لو علم الله عنده خيراً لأسمعهم ، ولكن قال : { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً } ، فإنما نفى أن عندهم خيراً . والوجه فيه ما ذكرنا أنه لو علم فيهم خيراً يعملون به لأوحى إليهم وأسمعهم ، لكنه علم أنهم لا يقبلون بقوله : { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } ، أي : مكذبون بجواب ما سألوا تعنتاً وتمرداً منهم ، وأخبر أنهم يسألون سؤال تعنت وتمرد ، لا سؤال استرشاد .