Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 5-6)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ } لم يخرج لهذا الحرف جواب في الظاهر ؛ لأن جوابه أن يقول : كما أخرجك ربك من بيتك بالحق يفعل بك كذا ، ثم أهل التأويل اختلفوا في جوابه : قال بعضهم : هو صلة قوله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ } يقول : { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ } كما كرهوا الخروج وجادلوك في قسمة الأنفال ، جادلوك في أمر العير . ومنهم من يقول : جوابه في أمره بالقتال ، يقول : كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وهم كارهون لذلك كذلك يكلفك القتال وهم كارهون لذلك . ومنهم من يقول : جوابه في قوله : { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ } يقول : كما أجبتم الله في الخروج للقتال على غير تدبير منكم من ذلك ولا نظر ، فعلى ذلك يجيبكم في النعاس أمنة منه وإنزال الماء من السماء والتطهير به وتثبيت الأقدام ، على غير علم منكم ولا تدبير . ومنهم من يقول : قوله : { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ } غير متأهبين للقتال ولا مستعدين له ، كذلك يعدكم النصر والظفر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { بِٱلْحَقِّ } يحتمل وجوها ، يحتمل : بالحق الذي لله عليهم من الأمر بالخروج والقتال ، ويحتمل بالحق : بالوعد الذي وعد ؛ إذ وعد لهم النصر والظفر ، وقال بعض أهل التأويل { بِٱلْحَقِّ } أي بالقرآن ، ولكن إن كان فهو ما ذكرنا بالأمر الذي يأمر القرآن . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } [ يحتمل وجهين ] : يحتمل : فريقاً من المؤمنين في الظاهر وهم المنافقون كرهوا الخروج للقتال . ويحتمل : أن يكون المؤمنون في الحقيقة كرهوا الخروج للقتال كراهة الطبع لا كراهة الاختيار ، لما أمروا بالخروج للقتال [ وهم غير متأهبين للقتال ] ولا مستعدين ؛ فكرهت أنفسهم ذلك كراهة الطبع لما لم يكن معهم أسباب القتال ، لا أنهم كرهوا أمر الله كراهة الاختيار . وفي هذه الآية دلالة أن الأمر قد يكون في الشيء وإن لم يعلم وقت الأمر فيما يؤمر ، وفيه دليل جواز تأخر البيان ؛ لأنهم أمروا بالخروج للقتال ولم يعلموا وقت الخروج على ماذا يؤمرون . وقوله - عز وجل - : { يُجَادِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ } قيل : في القتال ، وقيل : قوله : { فِي ٱلْحَقِّ } الذي أمرت به أن تسير إلى القتال ، ويحتمل أن يكون قوله : { فِي ٱلْحَقِّ } الوعد الذي وعد لهم بالنصر والظفر . { بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ } يحتمل قوله : { بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ } الوعد الذي وعد لهم الله عز وجل بالنصر . وقوله عز وجل : { كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } فإن كانت الآية في المنافقين فهو ظاهر وهم كذلك ، وصفوا بالكسل في جميع الخيرات والطاعات ، كقوله : { وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } [ النساء : 142 ] . وإن كان في المؤمنين الذين حققوا الإيمان فهو لما كانوا غير مستعدين للقتال ولا متأهبين له كانوا كارهين لذلك كراهة الطبع لا كراهة الاختيار . وقال قائلون قوله : { أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } أي : وإن فريقاً من المؤمنين أجابوا ربهم وإن كانوا كارهين للخروج من شدة الخوف وإن كانوا من الخوف كأنما يساقون إلى الموت ، فأجاب الله تعالى لهم بالنصر والظفر وأمنهم من ذلك الخوف ، والله أعلم .