Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 111-112)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ } . يحتمل قوله : { ٱشْتَرَىٰ } ، أي استام ؛ لأن قوله : { ٱشْتَرَىٰ } خبر ، ولكن يحتمل الاستيام ، أي : استام أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم لله ؛ ليجعل لهم الجنة . ثم بين فقال : { يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ } . ويحتمل أن يكون قوله : { ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } ؛ خبراً عن قوم باعوا أنفسهم وأموالهم ؛ كقوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 207 ] ، وقوله : { يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ … } [ النساء : 74 ] الآية ، فإذا صاروا بائعين أنفسهم ، كان الله - عز جل - مشتريها منهم . ثم بين أن كيف تباع وكيف تُشترى فقال : { يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ } ، أي : يقتلون العدو ، { وَيُقْتَلُونَ } أي : يقتلهم العدو . وقد قرئ الأول بالرفع : فيقتلون ، والثاني بنصب الياء ، فهو ليس على الجمع أن يَقتلوا ويُقتلوا ، ولكن أن يقتلوا العدو أو يقتلهم العدو ، أيهما كان ، أو يقاتلون العدو وإن لم يقتلوا ؛ كقوله : { وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } [ النساء : 74 ] ، وقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ … } [ الصف : 10 - 11 ] الآية ؛ سمي الإيمان بالله والمجاهدة في سبيله تجارة ، ثم قال : { بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ } بحق الوعد لهم فضلاً منه ، لا بحق البذل . ثمّ قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } . ذكر شراء أنفسهم وأموالهم منهم ، وأنفسهم في الحقيقة لله أن يأخذ منهم أنفسهم وأموالهم ، وأن يتلفهم بأي وجه ما شاء ، لكنه عامل عباده معاملة من لا ملك له في ذلك ، ولا حق ؛ كرماً منه [ وفضلاً ] وجوداً ، ووعدهم على ذلك أجراً وبدلاً ، وكذلك ما ذكر من القرض له ، ووعدهم على ذلك الأجر مضاعفاً ، وكذلك ما وعدهم من الثواب فيما يعملون لأنفسهم كالعاملين له ؛ حيث قال : { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الأحقاف : 14 ] ، وقال : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } [ الكهف : 30 ] ونحوه ، وإن كانوا في الحقيقة عاملين لأنفسهم بقوله : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ … } [ الإسراء : 7 ] الآية ، ذكر ما ذكر فضلاً منه وإكراماً ؛ إذ هي له في الحقيقة ، وهو كما قال : { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ } [ الحج : 37 ] ، فإنما طلب بذل حق أنفسهم وأموالهم ، أو ذكر - والله أعلم - شرى ماله في الحقيقة ؛ ليعلم الخلق أن كيف يعامل بعضهم [ بعضاً ] ، وكذلك قال الله : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [ البقرة : 245 ] ، عاملهم معاملة من لا حق له في أموالهم وأنفسهم ؛ ليعامل الناس بعضهم بعضاً في أموالهم وأنفسهم ، كمن لا حق له في ذلك . وقوله - عز وجل - : { وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً } . أي : وعداً واجباً [ حقّاً ] . { فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ } . أي : وعد ذلك في التوراة والإنجيل والقرآن . وفي حرف ابن مسعود : ( عهداً عليه حقا في التوراة والإنجيل والفرقان ) . وقوله - عز وجل - : { وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ } . هذه الآية تنقض قول من يقول بأن الإنجيل نزل على التخفيف والتيسير والتوراة بالشدائد ، وكذلك قوله : { فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ } [ الصف : 14 ] ، وذلك مذكور في حكم الإنجيل ، إلا أن يقال بأن قوله : { وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ } ، أي : كان هذا مذكوراً لهذه الأمة في التوراة والإنجيل وما ذكر . [ ثم ] قال : { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ } . هذا على أن قوله : { ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ … } الآية إنما هو عهد إليهم ؛ حيث قال : { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ } ، أي : لا أحد أوفى وأصدق بعهده من الله إن وفيتم أنتم بعهده الذي عهد عليكم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ } . يشبه أن يكون الاستبشار الذي ذكر وقت الموت أن تقول لهم الملائكة : استبشروا ببيعكم الذي بايعتم به في الحياة ؛ [ و ] هذا يدل أن البيع يكون بيعاً بالبدل وإن لم يتلفظ بلفظة البيع ، وقد ذكرنا فيما تقدم أن الأحكام لم تتعلق بالألفاظ والأسامي ؛ إنما علقت بمعاني فيها ، فإذا وجدت المعاني حكم بها . { وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } الذي ذكر . وقوله - عز وجل - : { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ … } إلى آخره . قال بعضهم : [ هو ] على الصلة بالأول فيما ذكر من الشرى والوعد لهم الجنة إذا كانوا على الوصف الذي ذكر . وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود وأبي - رضي الله عنهما - : ( إن الله اشترى من المؤمنين التائبين العابدين الحامدين ) ، على الصلة بالأول بالكسر إلى قوله : { وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ } ، قرآها : ( والقائمين على حدود الله أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) . ومنهم من قال على الابتداء بالرفع : { ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ … } إلى آخره . ويشبه أن يكون الشراء الذي ذكر في أول الآية وما وعد لهم ببذل أنفسهم وأموالهم في الجهاد ، يكون ذلك أيضاً في غيره من الطاعات والخيرات ، من بذل نفسه لله فيما ذكر من العبادة له والجهد ، وما ذكر في الآية - فهو بائع نفسه منه ؛ كقوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 207 ] ونحوه . وقوله : { ٱلتَّائِبُونَ } . يحتمل : التائبون من الشرك ، أو من جميع المعاصي . { ٱلْعَابِدُونَ } . يحتمل : الموحدون . ويحتمل : العابدون : جميع أنواع العبادة . { ٱلْحَامِدُونَ } . قيل : الشاكرون . وقيل : المثنون على الله . فإن كان قوله : { ٱلْعَابِدُونَ } من العبادة ، فيكون الحامدون : المثنون على الله ؛ لأن العبادات كلها شكر . وإن كان قوله : { ٱلْعَابِدُونَ } : الموحدون ، فيكون قوله : { ٱلْحَامِدُونَ } الشاكرون للنعم التي أنعمها الله عليهم . { ٱلسَّائِحُونَ } . قيل : الصائمون ؛ وعلى ذلك روي عن نبي الله صلى الله عليه وسلم : " أنه سئل عن السائحين ؟ فقال : هم الصائمون " ، وقال : " وسياحة أمتي الصيام " . وقال القتبي : وأصل السائح الذاهب في الأرض ، ومنه يقال : ساح إذا جرى وذهب ، والسائح في الأرض ممتنع من الشهوات ، فشبه الصيام به ؛ لإمساكه في صومه عن المطعم والمشرب وجميع اللذات . وقال أبو عوسجة : هم الذين يمضون على وجوههم في الأرض ليست لهم منازل ، يقال : ساح يسيح سيحاً وسياحة . { ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ } . قيل : المصلون . وقيل : الخاضعون لله والخاشعون له ؛ وكذلك ذكر في حرف حفصة . { ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } . يحتمل التوحيد ، أي : آمرون الناس بتوحيد الله . ويحتمل : الآمرون لهم بالخيرات والمعروف كله . { وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ } . الشرك ، ويحتمل : كل معصية . { وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ } . قال بعضهم : لفرائض الله التي فرضها على عباده . وقال بعضهم : لسنن الله ، ولكن حافظون جميع أحكام الله ، لا يجاوزون ما حد لهم [ و ] لا يفرطون فيها . [ { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . يحتمل البشارة لهؤلاء الذين سبق ذكرهم . ويحتمل : على الابتداء ، أي : بشر جميع المؤمنين ؛ كقوله ] : { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً } [ الأحزاب : 47 ] ، والله أعلم .