Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 113-116)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ } . دلت الآية بما نهانا أن نستغفر لمن علمنا أنه من أهل النار ؛ لما أن الله لا يغفر له ؛ لما علم أنه لا يؤمن ، فعلى ما علمنا أنه لا يغفر له لم نستغفر له فلم يجز لنا أن نقول : إنه أراد الإيمان لمن يعلم أنه لا يؤمن أبداً ؛ كما لم يجب أن يغفر لمن وجبت له النار ، فهذا ينقض على المعتزلة قولهم : إن الله قد أراد لكل كافر الإيمان ، لكنه لم يؤمن . ثم قوله : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ } . قال بعض أهل التأويل : " إن رسول الله قد استغفر لأحد والديه ، وذكر أنه دخل على أبي طالب عمه فدعاه إلى شهادة أن لا إله إلا الله فأبى ، ثم استغفر له وقال : لأستغفرن لك ما لم أنه عنه أو كلام نحو هذا ، فنزل قوله : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ … } الآية " . قال الحسن : لا يحتمل أن يكون رسول من رسل الله لا يعلم أن الله لا يغفر للكافر ؛ إذ في العقل والحكمة ألا يغفر له والتعذيب له أبداً ، وعندنا في الحكمة تعذيب الكافر أبداً وألا يغفر له لوجوه : أحدها : أن في ذلك تسوية بين العدو ووليه ، ومن سوى بين عدوه ووليه فهو ليس بحكيم ؛ إذ في الحكمة التمييز بينهما . والثاني : أنه إذا عبد غير الله معه إنما يعبد غيره لجهله ، وتلك الجهالة لا ترتفع أبداً ؛ لأنه إذا غفر له فيقع عنده أنه إنما جزى وغفر له لعبادة غير الله . والثالث : [ أنه ] لو غفر للكافر لذهبت حكمة الأفعال ؛ لأن الأفعال إنما يؤمر بها لعواقب تتأمل : إما حمداً وإما ذمّاً ، فإذا غفر له حمد بأفعال كان الحق له الذم بها ، ففي ذلك خروجها عن الحكمة . وجائز أن يكون رسول الله يستغفر للمنافقين ، قبل : أن يتبين له أنهم منافقون ، فلما تبين له نفاقهم كف عن استغفاره لهم ، فأما أن يستغفر للكافر على علم منه أنه كافر فلا يحتمل ، على ما يقوله بعض أهل التأويل : إنه استغفر لعمه ولأحد والديه . وقوله - عز وجل - : { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ } . قال بعضهم : وعدها إياه : الإسلام ، فكان استغفاره لأبيه على وعد الإسلام ، فإنما كان استغفاره بعد إسلامه . ألا ترى أنه قال : { رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ * رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [ إبراهيم : 40 - 41 ] فإنما طلب له المغفرة في ذلك اليوم وقد كان وعده الإسلام ؛ لذلك كان استغفر له . ألا ترى أنه تبرأ منه ؛ إذ تبين له أنه من أهل النار . ويحتمل أن يكون استغفار إبراهيم لأبيه طلب السبب الذي به منه يستوجب المغفرة وهو التوحيد [ والإسلام ] ؛ وهو كقول هود [ لقومه ] : { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } [ هود : 52 ] ؛ وكقول نوح : { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } [ نوح : 10 ] ، ليس يأمرهم أن يقولوا : نستغفر الله ، ولكن يأمرهم بالإسلام ليغفر لهم ويكونوا من أهل المغفرة ، فعلى ذلك استغفار إبراهيم لأبيه ؛ وكذلك قوله : { وَٱغْفِرْ لأَبِيۤ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ } [ الشعراء : 86 ] ، أي : أعطه السبب الذي به يستوجب المغفرة وهو التوحيد ، كان سؤاله سؤال التوحيد ؛ إذ لا يحل طلب المغفرة للكافر وفي الحكمة لا يجوز أن يغفر له . فإن قيل : فإن كان على ما ذكرتم كيف استثنى قول إبراهيم : { لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } [ الممتحنة : 4 ] بعد ما أخبرنا أن في إبراهيم قدوة بقوله : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ } [ الممتحنة : 4 ] ؟ قيل : يحتمل الاستثناء لقول إبراهيم : { لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } [ الممتحنة : 4 ] لأبيه ، أي : حتى نعلم المعنى من استغفاره ؛ لأنا لا نعرف مراد إبراهيم من استغفاره لأبيه ؛ وكذلك استغفار الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - لقومهم والمتصلين بهم ، فاستثنى ذلك إلى أن نعلم مرادهم من استغفارهم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } . قيل : الأواه : الدعاء ، وعلى ذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه سئل عن الأواه ؟ فقال : الدعاء الخاشع المتضرع " . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : الأواه : المؤمن . وقيل : الأواه : الفقيه ، الموقن . وقيل : المسبح . وقيل : الأواه : المتأوه حزناً وخوفاً . و " حليم " قيل : الحليم ضد السفيه . وقيل : العليم . والحليم : هو الذي لا يغضب ولا يسفه عند سفه السفيه . وقوله : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ } اختلف أهل التأويل : قال بعضهم : الآية في استغفار المؤمنين للمشركين . وقال بعضهم : الآية في نسخ الأحكام والشرائع التي تحتمل النسخ . فإن كانت في الاستغفار للمشركين ، فإنه ليس هنالك نسخ ؛ لأنه لم يسبق لهم الأمر بالاستغفار ولا الإباحة لهم في ذلك ، فكأنه قال : ما كان الله ليجعل قوماً ضلالاً بالاستغفار بعد أن جعلهم مهتدين حتى يعلموا بالنهي عن ذلك ، والله أعلم . وهو يحتمل ما ذكرنا من استغفارهم للمنافقين قبل أن يتبين لهم ؛ يقول : لا يجعلهم ضلالاً بذلك . { حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ } ، أي : حتى يعلموا بالذي يلزمهم الانتهاء عنه ، وهو النسخ ؛ هذا في الأحكام التي تحتمل النسخ . وأما الأحكام التي لا تحتمل النسخ فلا . وأصله : أن كل ما كان في العقل امتناع نسخة فإنه لا يرد فيه النسخ ، وكل ما كان في العقل لا امتناع على نسخه فإنه يجوز أن يرد فيه النسخ . ثم المسألة فيما عملوا بالمنسوخ قبل العلم بالنسخ ما حال العمل الذي عملوا به يجرحون ويأثمون في عملهم بذلك في حال نسخه ، أو يثابون ويؤجرون على ذلك ؟ فإن كان الفعل فعل طاعة وقربة ، فإنه يثاب في قصده وفعله ولا يجرح فيه . وإن كان فعله ليس بفعل قربة وطاعة ، ولكن فعل حل وحرمة - فإنه في فعله قبل بلوغ العلم بنسخه لا يجرح في فعله ؛ نحو ما روي أنهم كانوا يشربون الخمر ثم أتاهم آت فقال : ألا إن الخمر قد حرمت ، فصبّوها وكفوا عنها ، فهم في شربهم بعد التحريم قبل بلوغ الخبر إليهم لا يجرحون . وأما الفعل الذي هو فعل قربة وطاعة : فإن لهم القربة في فعلهم وهو الصلاة ؛ ونحوه ما روي أن نفراً كانوا يصلون إلى بيت المقدس ، فمرّ عليهم مار فقال : ألا إن القبلة قد حولت - وهم في الركوع - إلى الكعبة ، فتحولوا نحوها ، فأخبروا عن ذلك رسول الله فلم يأمرهم بالإعادة ؛ لأن الفعل فعل قربة وطاعة ، فالطاعة والقربة موجودة في فعلهم ؛ لأن الأفعال التي فرضت لم تفرض لنفس الأفعال إنما فرضت للطاعة والقربة لله فيها ، فإنه يؤجر على ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ؟ بما فيه مصالح الخلق وما ليس فيه ؛ كأن هذا - والله أعلم - خرج لإنكار من أنكر النسخ في الشرائع ؛ يقول : إن الله يعلم بما فيه مصالح الخلق وأنتم لا تعلمون ، وفي الناسخ مصالح لهم وأنتم لا تعلمون ، ويؤكد ذلك قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ } . وأنتم عبيده ، وليس للعبد إنكار [ شيء ] على سيده ، وإنما على العبد الطاعة لسيده والائتمار لأوامره والانتهاء عن نواهيه . { يُحْيِـي وَيُمِيتُ } . أي : كما له أن يميت بعد الحياة ويحيي بعد الموت ، فله أن يتعبدهم في حال بعبادة ، وفي حال بعبادة أخرى .