Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 19-22)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } . في الآية إضمار فعل أو فاعل لكي تصح المقابلة ؛ لأنه إنما يقابل فعل بفعل ، أو فاعل بفاعل ، لا يقابل فعل بفاعل ، ولا فاعل بفعل ، فهاهنا ذكر السقاية وعمارة المسجد مقابل من آمن بالله ، فهو - والله أعلم - : أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر ؟ ! أو أن يقال : أجعلتم القائم بإصلاح سقاية الحاج وعامر المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر ؟ ! ليكون مقابلة شخس بشخص ، أو فعل بفعل . ثم لا يصح أن يجمع بين الكافر والمؤمن ، فيقال : لا يستويان عند الله ، وإن كان الكافر قد أتى بالمحاسن ، إلا أن يقال : ليس من فعل محاسن في حال كفره ثم آمن من بعده كمن [ آمن و ] فعل محاسن وهو مؤمن ، هذا يجوز أن يجمع فيقال : لا يستوون عند الله ، وأما الكافر الذي مات على الكفر وإن عمل خيرات ، والمؤمن الذي عمل الصالحات فمات على ذلك ، فيجمع فيقال : لا يستويان فلا . أو أن يقابل بالجهاد الذي ذكر : لا يستوي من بذل نفسه للقتل والتلف كمن سقى الحاج وعمر المسجد الحرام ولم يبذل نفسه لذلك ؛ فأما أن يقال : لا يستوي الكافر والمؤمن ، فذلك محتمل ؛ لأنه إنما يقابل الشيء بالشيء إذا قرب بعضه من بعض ، وأما عند البعد منه فلا يقال ولا يقابل . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } . ما داموا في ظلمهم ، وما داموا اختاروا الظلم ، لا يهديهم وقت اختيارهم الظلم ، أو لقوم مخصوصين ، وقد ذكرنا معناه في غير موضع . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } قوله : { آمَنُواْ } ، أي : صدقوا رسول الله في جميع ما يخبر عن الله أنه صادق ، وفي جميع ما دعا إليه وأمرهم به ونهاهم عنه أنه محق ، وإلا كانوا مؤمنين بالله ؛ كقولهم : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] وقولهم : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] كانوا مؤمنين بالله ، لكنهم يكذبون الرسل ورسالتهم . أي : فارقوا آباءهم وإخوانهم وعشيرتهم وأموالهم ومنازلهم وبلدهم ، وهجروا جميع ما تحبه أنفسهم وتهواه ، وتميل إليه القلوب مما ذكر في الآية التي تتلو هذه الآية ، وفارقوا ذلك الكل ؛ إشفاقاً على دينهم ؛ ليسلم ما لو أعطوا قبل الإسلام الدنيا وما فيها مما أوعدوا بكل وعيد وخوف ، ما فارقوا آباءهم وإخوانهم وعشائرهم وأولادهم الذين ذكر في الآية ، ثم إذا أسلموا فارقوهم وأجابوا رسول الله في ذلك ابتغاء مرضاة الله ، وطلباً لرضوانه ؛ ليعلم عظيم قدر الدين في قلوبهم ، وخطير منزلته عندهم ؛ ليعلم أن محن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم وأشدّ من محننا ؛ لأن محنهم كانت على خلاف عادتهم وخلاف ما طبعوا [ عليه ] ؛ لأن الإنسان مطبوع على حب ما ذكرنا ، مجبول عليه ، فهم مع ذلك تركوا وفارقوا ذلك ، وتحملوا كراهة ذلك ؛ ابتغاء مرضاة ربهم . وأما محننا : فإنها على سبق من العادة ، فهي أهون وأيسر . وقوله : { وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } . أي : بذلوا لله ألذ الأشياء وأحبها وهي الأموال والأنفس . وقوله - عز وجل - : { أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ } . قال بعض أهل التأويل : من صدقوا بتوحيد الله ، وهاجروا إلى المدينة ، وجاهدوا العدو بأموالهم وأنفسهم - أعظم درجة عند الله من الذين افتخروا بعمران البيت وسقاية الحاج وهم كفار . وكذلك قالوا في قوله : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ } ولكن الوجه في ذلك عندنا ومعنى المقابلة : أولئك الذين ذكر أعظم درجة عند الله من الذين أسلموا [ من بعد ولحقوا ] . وقوله : { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } . الفوز : هو الظفر في اللغة ، أي : أولئك هم الظافرون بنعيم الله وكرامته ، والناجون من عذاب الله ونقمته { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ } . يحتمل قوله : { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ } : بالنصر لهم في الدنيا ، والظفر لهم على عدوهم ؛ كقوله : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ } [ التوبة : 14 ] إلى آخر ما ذكر ، كله إنما كان برحمته . ويحتمل [ رحمة منه ] : الثواب لهم في الآخرة والكرامة . وقوله - عز وجل - : { وَرِضْوَانٍ } . أي : يبشرهم - أيضاً - أن ربكم عنكم راض . { وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } . أي : يبشرهم بجنات لهم فيها نعيم مقيم دائم ، وكرامة { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } قال الحسن : ما سمى الله عظيماً فهو عظيم لا تدرك عظمته .