Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 23-24)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } تحتمل الولاية : الموافقة لهم في الحقيقة في الدين ، ومن تولاهم - في الحقيقة - فهو منهم ، وهو ظالم ، فإن كان هذا فهو ظالم لا شك ، فلم يكن لقوله : { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } معنى . وتحتمل الولاية : الموافقة لهم في الظاهر على غير حقيقة ، لكن إظهار على غير حقيقة يباح في حال إضرار عند خوف الهلاك وذهاب الدين ، فيجوز أن يكون قوم أسروا الإيمان في أنفسهم وكتموه ، ويظهرون الموافقة لهم في الظاهر ؛ إشفاقاً على دينهم ، وخوفاً على أنفسهم ، فيباح لهم ذلك ؛ لما ذكرنا . فلما أن جعل الله الهجرة ، وجعل المؤمنين مأوى وأنصاراً يلجئون ويأوون إليهم - لم يعذروا في إظهار الموافقة لهم ، وإن كانوا في السر ليسوا على دينهم ؛ لما ذكرنا . فهذا يدل على أن من أجرى كلمة الكفر على لسانه في غير اضطرار يصير كافراً ؛ على ما جعل هؤلاء أولياء الكفرة حقيقة ظلمة مثلهم إذا تولوهم في الظاهر ، وإن لم يكونوا في الحقيقة كذلك ، وهذا أشبه ، وهو ما قال - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ } الآية [ النساء : 97 ] ، لم يعذروا في تركهم الهجرة ؛ فعلى ذلك هؤلاء إذا أظهروا الموافقة لهم بعد ما جعل لهم المأوى والأنصار ، صاروا هم - في الحقيقة - كذلك ، نهانا عن موالاة الكفرة جملة بقوله : { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ } [ آل عمران : 28 ] وقال : { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ } [ المائدة : 51 ] ، وقال : { لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } [ الممتحنة : 1 ] هذا النهي لنا في جملة الكافرين ، ثم نهانا عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ؛ كقوله : { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ } [ المائدة : 51 ] ، ثم نهانا أن نوالي المتصلين من الآباء والأمهات وغيرهم من القرابات ؛ لما تقع الشبه في موالاة المختصين بهم ، فخص النهي فيه ، وكذلك في تخصيص اليهود والنصارى ؛ لما بيننا وبينهم موافقة في التوحيد والكتب ، فخص النهي في ذلك . ثم الولاية التي نهانا عنها تخرج على وجوه : أحدها : المودة والمحبة ، أي : لا تودوهم ولا تحبوهم . والثاني : ألا نتخذهم موضع سرنا وبطانتنا ؛ كقوله : { لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً … } الآية [ آل عمران : 118 ] . والثالث : ولاية الطاعة لهم ، أي : لا تطيعوهم ؛ كقوله : { إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ يَرُدُّوكُم } الآية [ آل عمران : 100 ] ، وقوله : { إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ } [ آل عمران : 149 ] نهانا أن نحبهم ونودهم ، ونهانا - أيضاً - أن نتخذهم موضع سرنا ، ونفشي إليهم سرائرنا ، ونهانا أن نطيعهم فيما يدعوننا إليه ويسرون - والله أعلم - للخلاف الذي بيننا وبينهم في الدين . وقوله - عز وجل - : { إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَانِ } . أي : اختاروا الكفر على الإيمان ، والمحبة - هاهنا - محبة الاختيار والإيثار . وقوله - عز وجل - : { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا } [ هو ] مقابل قوله : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } [ التوبة : 20 ] إلى آخره . وقوله - عز وجل - : { إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ } وما ذكر ، أي : إن كان طاعة هؤلاء ورضاهم أحبّ إليكم من طاعة الله وطاعة رسوله ورضاه ، وأحب من جهاد في سبيله { فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } : هو حرف وعيد ، أي : انتظروا { حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } ، أي : بعذابه . [ و ] قال أهل التأويل : حتى يأتي بأمره في فتح مكة . ودل ما ذكر في قوله : { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ } على أن المراد من قوله : { لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ } الآباء والأبناء جميعاً ، { وَإِخْوَانُكُمْ } الإخوان ، وجميع المتصلين بهم ؛ دليله ما ذكر في آخره ؛ حيث قال : { إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ } ، ذكر الأبناء والأزواج والعشيرة ، والله أعلم . وقوله : { وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا } . قال بعضهم : اكتسبتموها . وقال أبو بكر الأصم : { وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا } ، أي : أموال جعلوها حلالاً وحراماً ، ويقولون : الله أذن لنا في ذلك ؛ كقوله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } [ يونس : 59 ] . وقوله - عز وجل - : { وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا } . كانوا يخشون فواتها وذهابها ، لا الكساد ؛ إذ في الهجرة تركها رأساً .