Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 25-27)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } . أي : نصركم في مواضع كثيرة كان فزعكم إلى الله - تعالى - ونصركم يوم حنين - أيضاً - بعد ما هزمكم العدو بإعجابكم بالكثرة فصرفكم الفزع إلى الله ، ونصركم - أيضاً - يوم حنين . { إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً } . يعني : الكثرة . يذكرهم - عز وجل - منته عليهم وفضله أن النصر والظفر متى كان إنما كان بالله ، لا بكثرتهم وقوتهم ؛ لأنه لو كان على الكثرة لوكلوا إليها . فإن قيل : قد أمرنا بأخذ العدة والقوة ما استطعنا بقوله : { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ … } الآية [ الأنفال : 60 ] ، فإنما أمرنا بما يعجبنا ، فما معنى النهي عن الإعجاب بالكثرة والقوة ؟ وكذلك نهانا عن التأسي على ما فاتنا ، ونهانا أن نفرح بما يؤتينا ، وقد كلفنا الشكر لما آتانا ، والصبر على ما فات منا ، فلو لم نفرح بما آتانا لم يلزمنا الشكر ، ولا الصبر بما فاتنا ، فما معناه ؟ معناه - والله أعلم - أنه نهانا أن نفرح بما يؤتينا لنفس الإيتاء ، ونتأسى لنفس ما يصيبنا ويفوتنا ، إنما علينا أن نفرح بفضل الله ومنته الذي من علينا وخصنا به ، وعلى ذلك نشكره ، وعلى ذلك الصبر بما يصيبنا ويفوتنا ؛ لما جعل لنا لذلك ثواباً في الآخرة وأجراً عظيماً ، وكذلك الكثرة ، أمرنا بها ، فإذا آتانا ذلك يعجبنا فضل الله ومنته في تلك الكثرة ، لا الكثرة لنفسها والقوة ، والله أعلم . فإن قيل : الإعجاب بالكثرة كان من بعضهم ، لا من الكل ، فكيف هزم الكل ؟ وكذلك العصيان يوم حنين إنما كان من بعض ، كيف عاقب الجميع ؟ قيل : لأن له أن يتلف الكل ابتداء . ألا ترى في أمر الواحد القيام لاثنين [ ثم ] في الأمر بالجهاد أمراً على غير وسع ، ولا كذلك في سائر العبادات ؛ لأنه أمر الواحد القيام لاثنين منهم ، وليس في وسع أحد القيام لاثنين ، فهو - والله أعلم - لما أن له أن يكلف قتل أنفسهم وإتلافها . ألا ترى أنه قال : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ … } [ النساء : 66 ] الآية ، ولو لم يجز له أن يكتب قتل أنفسهم لم يكن ليذكره ، دل أن ذلك له ، وأن له أن يميتهم ويهلكهم ؛ فعلى ذلك [ له ] أن يأمر بقتل أنفسهم ، فإذا كان له ذلك ؛ إذ في وسعهم قتل أنفسهم ؛ فعلى ذلك [ له ] أن يكلف الواحد القيام لاثنين ولعدد ، وإن كان في ذلك تلف أنفسهم . وكذلك أمرنا بمجاهدة الشيطان عدونا ، وأخبر أنه يرانا ولا نراه نحن بقوله : { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } [ الأعراف : 27 ] والمحاربة مع عدو لا نراه وهو يرانا أمر صعب شديد ، لكن الله علمنا أسباب ما نحارب معه ونجاهد فنغلبه ، وقال في الشيطان : { وَإِماَّ يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } [ الأعراف : 200 ] وقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ } الآية [ الأعراف : 201 ] علمنا أسباباً نقاتل بها الشيطان فنغلبه ونقهره ، وهي ما ذكر من ذكره لا يقوم هو لذلك ، وكذلك قال في العدو الذي نراه من البشر ؛ حيث قال : { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } [ الأنفال : 45 ] وقال : { وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } [ الأنفال : 46 ] قد علمنا أسباب الجهاد معه ، وأعلمنا الحيل التي تجوز لواحد القيام لاثنين فصاعداً بالحيل ، وإذا لم يكن له الوسع به بالقوة نفسها . ثم الفرق بين الجهاد وغيره من العبادات ؛ لما يحتمل أن جعل الله الجهاد آية من آيات الحق والرسالة ؛ ليعلم الخلائق أن النصر والظفر كان بالله ، لا بغيره ؛ ليظهر الحق من الباطل ، والمحق من المبطل ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } . هذا على التمثيل ؛ يقال عند شدة الحزن والغضب وعند بلوغها [ الغاية والنهاية ] : ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، يقال [ ذلك ] لسعة الأرض في أوهام الخلق . وقوله - عز جل - : { ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } قال بعضهم : السكينة : الملائكة ؛ كقوله : { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ … } الآية [ آل عمران : 126 ] . وقال بعضهم : { أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ } ، أي : نصرته . وقيل : وقاره . وقيل : رحمته . وقيل : طمأنينته . وأصله : سكنت قلوبهم واطمأنت بعد شدة الخوف والحزن بأي وجه ما ، تسكن بالملائكة أو بغيرها ، فأسكن قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اشتد عليه رجوع أصحابه ومفارقتهم إياه { وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } : وهم الملائكة ، { وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } : بالقتال والهزيمة ، وذلك جزاءهم . وفي قوله : { ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنه سماهم مؤمنين بعد ما كان منهم التولي ، والتولي لم يخرجهم من الإيمان على ما قالوا .