Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 30-35)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } . وقال في آية أخرى : { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } [ مريم : 90 - 91 ] ، أخبر أن السماوات تكاد تتفطر ، وتنشق الأرض وتخر الجبال ؛ لعظيم ما قالوا في الله - سبحانه - من البهتان والفرية عليه أن له ولداً ، ثم بين الذي ذكر ذلك فقال : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } : فذكر الآية ، وأخبر - والله أعلم - أنهم قالوا في الله ما قالوا لوجوه : أحدها : دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأن هؤلاء المتأخرين لم يقولوا هذا ، ولكن إنما قال ذلك أوائلهم ، لكن كتموا ذلك ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوائلهم قالوا ذلك ، وهم كانوا يكتمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ؛ ليعلموا أنه إنما علم ذلك بالله . والثاني : يخبر رسوله سفه أوائلهم ، ويصبره على سفه هؤلاء ؛ ليصبر على سفههم وأذاهم . والثالث : يخبر أنهم مشبهة ؛ لأنهم نسبوا المخلوق إليه ، وقالوا : إن فلاناً ابنه ؛ لما رأوا منه أشياء ، فلولا أنهم عرفوا الله بمثل معرفتهم المخلوق وإلا ما قالوا ذلك ، ولا اعتقدوا من التشبيه ، وغير ذلك ، والله أعلم . وقوله : { ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ } . أى : ذلك قول قالوه بلا حجة ولا برهان كان لهم في ذلك . أو قالوا ذلك بأفواههم على غير شبه اعترضت لهم تحملهم على ذلك . وقوله - عز وجل - : { يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } . يحتمل هذا أن قد كان قبل هؤلاء من قد قال مثل قول هؤلاء [ { يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } من الشرك أو الكفر أو غير ذلك من الكذب والافتراء على الله ، كقوله : { تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } [ البقرة : 118 ] بالكفر وكقوله ] : { كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ } [ البقرة : 73 ] ، ليس أن يحيي الموتى كلهم إحياء كما أحيا ذلك القتيل بضرب بعض من البقرة ، ولكن يحييهم إحياء ، [ فعلى ] ذلك قوله : { يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } ] في الكفر نفسه . ويحتمل : ضاهى قول النصارى قول اليهود ، والمضاهاة : المشابهة والإشباه . وقوله [ أيضاً ] : { يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } ، أي : يشبه النصارى بقولهم لعيسى إنه ابن الله قول اليهود من قبل : عزير ابن الله ؛ فضاهى النصارى في عيسى اليهود قبلهم في عزير . وقوله - عز وجل - : { قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } . هذه الكلمة كلمة اللعن ، تستعمل عند مناكير القول والفعل من غير حصول المنفعة . وقوله : { أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } يحتمل : من أين يؤفكون ويفترون على الله على غير شبهة اعترضت لهم . ويحتمل : { أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } ، أي : كيف يؤفكون بلا منفعة تحصل لهم . وقوله - عز وجل - : { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً } [ التوبة : 31 ] . قيل : الأحبار : هم العلماء ، والرهبان : هم العباد . وقيل : الأحبار هم أصحاب الصوامع مع اليهود ، والرهبان : من النصارى . وقوله : { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } [ التوبة : 31 ] يحتمل أن يكون هذا في السفهاء والأتباع ، وقوله : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } [ التوبة : 30 ] : في العلماء منهم والرؤساء ، فاتخذ الأتباع أولئك أرباباً يتبعونهم في جميع ما يدعونهم إليه ، يأتمرون بهم في جميع أوامرهم ونواهيهم ؛ لا أنهم عبدوهم ، ولكن ذكر أرباباً لما ذكرنا من اتباعهم وانتظارهم إياهم فيما يدعونهم إليه ويأمرونهم ؛ كقوله : { يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ } [ يس : 60 ] ، وقول إبراهيم لأبيه : { لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ } [ مريم : 44 ] ولا أحد يقصد قصد عبادة الشيطان وطاعته ، ولكن نسب العبادة إليه ؛ لما يجيبونه في كل ما يدعوهم إليه ويأمرهم به ؛ فعلى ذلك هذا . ويحتمل ما روي في الخبر - إن ثبت - أنهم لم يعبدوهم ، ولكن هم أحلوا لهم أشياء حرمها [ الله ] عليهم فاستحلوها ، أو حرموا عليهم أشياء أحل الله ذلك لهم ، فحرموا ذلك فقيل : اتخذوهم أرباباً - والله أعلم - يخرج هذا في الأحبار والرهبان على التمثيل ، أي : اتخذوهم في الطاعة لهم والاتباع لأمرهم ؛ كأنهم اتخذوهم أرباباً ، لا على التحقيق ، وهو ما ذكر من عبادتهم الشيطان ، لا أحد يقصد قصد عبادة الشيطان ، لكن صاروا بالطاعة للشيطان والاتباع لأمره كأنهم عبدوه . وأما في المسيح فهو على التحقيق ؛ لأنهم قالوا : ابن إله ، وقالوا : ابن [ الإله ] إله ؛ فهو يخرج في المسيح على التحقيق ، وفي الأحبار والرهبان على التمثيل . وقوله - عز وجل - : { وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً } . يحتمل : إلا ليوحدوا إلهاً واحداً الذي لا إله إلا هو . ويحتمل : أي : ما أمروا أن يعبدوا آلهة [ على ما ] يعبدون من الأصنام والأوثان ، ولكن أمروا أن يعبدوا إلهاً واحداً . وقوله - عز وجل - : { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ } . قيل : { نُورَ ٱللَّهِ } : ذكر الله وتوحيده . وقيل : { نُورَ ٱللَّهِ } : القرآن . وقيل : { نُورَ ٱللَّهِ } : هو الإسلام . فإذا كان النور هو الذكر والتوحيد فهو - والله أعلم - أنهم لم يكونوا يعرفون ذكر الله ، ولا يذكرونه ، إنما كانوا يعرفون ذكر الأصنام ، وإياها يذكرون ، وبحق القرابة والرحم يتناصرون فيما بينهم ، فلما أن بعث الله رسوله محمداً بذكر الله وتوحيده ، وأمر بالتناصر بحق الدين ، أرادوا أن يطفئوا ذلك النور . ومن قال : أراد بنور الله القرآن ، أرادوا إطفاءه ؛ كقوله : { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الأحقاف : 17 ] ، و { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [ الأنعام : 7 ] و { لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ } [ فصلت : 26 ] ونحوه ، أرادوا إطفاءه بنحو ما ذكرنا { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } [ سبأ : 43 ] ، وقولهم : { إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ … } الآية [ النحل : 103 ] . ومن قال : نور الله هو الدين ؛ كقوله : { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } [ الزمر : 22 ] ، وقال : { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ … } النور : 35 ] في حرف أبي : ( مثل نور المؤمن ) ، ومثله - أرادوا إطفاء هذا النور ؛ لتسلم لهم المنافع التي كانت [ لهم ] . وقوله : { يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ } يحتمل وجهين : { يُرِيدُونَ } ، أي : يجتهدون أن يطفئوه ، فما يقدرون على إطفائه . ويحتمل : { يُرِيدُونَ } ، أي : يحتالون أن يطفئوه بأسباب يتكلفونها ويحتالونها . وقوله - عز وجل - : { وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ } . بالحجج والبراهين ، أو بالنشر والإظهار ، وقد أتمه ؛ كقوله : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [ المائدة : 3 ] . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ } . وقد كره الكافرون . وقوله - عز وجل - : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ } . يحتمل قوله : { بِٱلْهُدَىٰ } : هدى يهديهم إلى ما به تكون جميع المحاسن والخيرات محاسن وخيرات ؛ لأن المحاسن والخيرات إنما تقوم بالإيمان ، وبه ينتفع بها ، بعثه لذلك . ويحتمل قوله : { بِٱلْهُدَىٰ } : وهو القرآن ، يهديهم ، ويبين لهم المحاسن من المساوئ ، والحسنات من السيئات ، وهو هدى يهديهم إلى ذلك . وقوله - عز جل - : { وَدِينِ ٱلْحَقِّ } [ وهو دين الحق ] . أي : الإيمان الذي به تصير المحاسن محاسن ، والخيرات خيرات - هو دين الحق . ويحتمل قوله : { وَدِينِ ٱلْحَقِّ } [ أي : أرسله بالهدى وبدين الحق . ويحتمل قوله : ودين الحق ] أي : دين الله ؛ كقوله : { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ } [ النور : 25 ] . وقوله - عز وجل - : { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } . يحتمل وجوهاً : [ يحتمل ] : ليظهر رسوله على أهل الدين كله بالحجج والآيات ، فقد أظهره بحمد الله على الأديان كلها بالحجج والبراهين ، حتى لم يتعرض أحد في شبه ذلك فضلاً أن يتعرض في إبطاله . ويحتمل : ليظهره على أهل الدين كله بالقهر والغلبة والإذلال ، فقد كان ، حق خضعوا له كلهم وذلوا ، حتى لم يبق في جزيرة العرب مشرك ولا كافر إلا خضع له ، وصار أهل الكتاب ذليلين صاغرين في أيدي المسلمين . فإن كان المراد من قوله : { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } ، فهو بالحجج والبراهين كلها . وإن كان أراد به الدين أن يظهره على الأديان كلها فبعد لم يكن ، ويكون - إن شاء الله تعالى - هو الظاهر على الأديان كلها يوم القيامة . وقوله - عز جل - : { عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } . ولم يقل : على الأديان كلها ؛ فالدين يتناول الأديان كلها ؛ كقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ } [ الانفطار : 6 ] يدخل فيه كل إنسان . وجائز أن تكون أدياناً مختلفة فهو واحد ؛ لأن الكفر كله ملة واحدة ، وهو دين الشيطان ، فسماه بذلك . وقوله - عز وجل - : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ } . أما الأحبار والرهبان فقد ذكرناهما . وقوله - عز وجل - : { لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ } . لأنهم كانوا يأكلون أموالهم بما يحرفون كتاب الله ويبدلونه ؛ كقوله : { يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } [ النساء : 46 ] ، وقوله : { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ } الآية [ آل عمران : 78 ] ، فهم إنما حرفوا ذلك وبدلوه ؛ لتسلم لهم تلك الأموال ، فذلك أكل بباطل ؛ لأنهم خافوا ذهاب تلك المنافع والأموال إذا أسلموا ، فيجوز أن يكون إنما سماهم أرباباً في الآية الأولى ؛ لما أنهم جعلوا أموالهم أموالاً لأنفسهم ، وأنفسهم عبيداً لهم ، فهم كالأرباب لهم . وقوله - عز وجل - : { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } . يحتمل أن يكون هذا صلة ما قال : { لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } ، أي : أخذوا أموالهم لصد الناس عن سبيل الله ، وكنزوها ، ولم ينفقوها في سبيل الله ، إنما أنفقوها لصد الناس عن سبيله . ومن الناس من حمل الآية في منع الزكاة . روي في الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن بعض الصحابة - رضوان الله عليهم - أن كل مال أديت الزكاة عنه فهو ليس بكنز ، وإن كان تحت سبع أرضين ، وكل مال لم تؤدّ الزكاة [ عنه ] فهو كنز ، وإن كان على وجه الأرض . ومن أصحابنا من استدل بلزوم ضمّ الفضة والذهب بعضه إلى بعض في الزكاة بهذه الآية ؛ لأنه ذكر الذهب والفضة جميعاً ، وألحق الوعيد بترك الإنفاق من الفضة بقوله : { وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } ، فلولا أن الضم واجب ويكون المؤدى عن أحدهما مؤدى عن الآخر ، وإلا لم يكن لذلك معنى . ثم في متعارف الناس أنهم يؤدون من الفضة عن الذهب ؛ لأن الذهب أعز عندهم ، والفضة دونه . ثم إن كانت الآية في الكفرة فهي في القبول ؛ كقوله : { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } [ التوبة : 5 ] وقوله : { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } [ فصلت : 7 ] وذلك على القبول ، لا في الأداء نفسه . وقوله - عز وجل - : { يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ … } الآية . جعل الله تعذيب الكفرة في الآخرة بالأسباب التي منعتهم عن طاعة الله ، ودعتهم إلى مخالفة أمره ، ويجمع بينهما في النار ؛ كقوله : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [ الزخرف : 36 ] ، وقوله : { يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } [ الزخرف : 38 ] وقوله : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } [ الصافات : 22 ] ونحو ذلك ؛ فعلى ذلك ما كنزوا يحمى عليها ، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، يعذبهم بها ؛ لما منعتهم تلك الأموال من طاعته ، ودعتهم إلى صدّ الناس عن سبيل الله ؛ يجعل عذابهم في الآخرة بها . ويحتمل قوله : { جِبَاهُهُمْ } : كناية عن التقديم إلى الآخرة ، أي : لم يقدموها ولم ينفقوها في سبيل الله . وقوله : { وَجُنوبُهُمْ } : لما أخذوها مما يحل ومما لا يحل من كل جهة . وقوله : { وَظُهُورُهُمْ } : لما أنفقوها في الصد عن سبيل الله . ويحتمل ذكر هذا إحاطة العذاب بهم من كل الجهات ؛ كقوله : { لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } [ الأعراف : 41 ] ، وقوله : { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } [ الزمر : 16 ] ، أي : يحيط العذاب بهم ؛ فعلى ذلك هذا - والله أعلم - كقوله : { أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ الزمر : 24 ] ، أي : يحيط بهم حتى لا يقدروا على دفعه عن وجوههم . وقوله : { يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ … } الآية . روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها ، إلا جعلت له يوم القيامة صفائح ، ثم أحمي عليها في نار جهنم ، يكوى بها جنبه وجبهته وظهره ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين الناس ، فيرى سبيله إما إلى الجنة ، وإما إلى النار ، وما من صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي حقها ، إلا أتى بها يوم القيامة تطؤه بأظلافها ، وتنطحه بقرونها " ثم ذكر فيه ما ذكر في الأول ، قالوا : " يا رسول الله ، فصاحب الخيل ؟ قال : " هي لثلاث : لرجل أجر ، ولرجل ستر ، ولرجل وزر ؛ فأما من ربطها عدة في سبيل الله ، فإنه لو أنه طول لها في مرج خصب أو في روضة ، كتب الله له عدد ما أكلت حسنات ، وعدد أرواثها حسنات ، ولو انقطع طولها ذلك فاستنت شرفاً أو شرفين ، وكتب الله له عدد آثارها حسنات ، ولو مرت بنهر عجاج لا يريد السقي به فشربت ، كتب الله له عدد ما شربت حسنات . ومن ارتبطها فخراً وعزّاً على المسلمين ، كان له وزر إلى يوم القيامة ؛ ومن ارتبطها تغنياً وتعففاً ثم لم ينس حق الله في رقابها وظهورها ، كانت له ستراً من النار يوم القيامة " " . فإن ثبت هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه دلالة وجوب الزكاة في الخيل ، وهو حجة لأبي حنيفة ؛ لأنه قال : " ثم لم ينس حق الله في رقابها " ، والحق الذي في رقابها هو الزكاة ، والذي في ظهورها هو الجهاد عليها ، والله أعلم .