Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 36-37)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } . من الناس من يقول : إن الشهور كانت التبست عليهم واختلطت ؛ لكثرة ما كانوا يؤخرونها ويقدمونها ، حتى لم يكونوا يعرفون الشهور بعينها كل شهر على حدة ، فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بالموسم ، فقال : " " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب الذي [ هو ] بين جمادى وشعبان " . ثم قال لهم : " أي بلد هذا ؟ وأي شهر هذا ؟ وأي يوم هذا ؟ " ، قالوا : بلد حرام ، وشهر حرام ، ويوم حرام ، فقال : " ألا هل بلغت " ، قالوا : بلى ، قال : " اللهم اشهد " " . وفي بعض الأخبار زيادة : فقال : { إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ … } الآية ، وقالوا : وذلك أنهم كانوا يجعلون صفراً عاماً حراماً وعاماً حلالاً ، ويجعلون المحرم عاماً حراماً وعاماً حلالاً ، فكان النسيء من الشيطان . وصف رسول الله في هذه الأحاديث الأشهر الحرم وبينها ؛ فدل ذلك على أن النسيء كان يحرم القتال فيها ؛ على ما كان أهل الجاهلية يحرمونه ، وزاد ذلك بياناً يصيب أصحاب النسيء ؛ إذ كانوا يستحلون القتال في المحرم ، ويؤخرونه إلى صفر ، فيحرمون صفراً مكان المحرم ، فعاب الله عليهم تحليل ما حرم من الشهر ، وجعله زيادة في الكفر ، وقال : { يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ } أي : عدة الأشهر الأربعة التي حرمها الله ، وقال : { فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ } . ومنهم من قال : إن الله جعل عدة الشهور اثني عشر شهراً بالأهلة على ما عرفته العرب لما وفقوا إلى معرفة ذلك ، ولم يوفق غيرهم ، وإنما يعدون السنة بالأيام ، والعرب تعرفها بالأهلة على ما خلقها الله يوم خلق السماوات والأرض { مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } . قال بعضهم : في الأشهر كلها لما جعل هذه الأشهر شهوداً عليهم ، يشهدون بما يعملون فيها من المعاصي والخيرات ، وبها تنقضي آجالهم ؛ يخبر ألا تظلموا في هذه الأشهر التي تأتي لكم بكل خير ، وبكل نعمة ، فإنها تنصرف بما تعملون فيها من الخير والشر . وقال بعضهم : قوله : { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } . أي : في الأربعة الحرم ، خص الأربعة وإن كان الظلم في الأشهر كلها لا يحل على ما خص مكة بترك الظلم ، وإن كان الظلم حراماً في الأماكن كلها ؛ كقوله : { سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ … } الآية [ الحج : 25 ] ، أي : لا تقاتلوا فيها ؛ إذ كل ظلم . وقوله - عز وجل - : { ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } . قيل : ذلك الحساب حساب الأشهر قيم ، أي : صحيح مستقيم على ما خلقه الله . وقيل : ذلك الحساب هو القضاء العدل . وقوله - عز وجل - : { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } . يحتمل : { كِتَابِ ٱللَّهِ } : اللوح المحفوظ ؛ على ما قيل . ويحتمل : { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } أي : في حكم الله ذلك . وقوله : { عِندَ ٱللَّهِ } . يحتمل ما ذكرنا من اللوح المحفوظ أن ذلك عند الله ، لم يطلع عليه غيره . ويحتمل : { عِندَ ٱللَّهِ } ، [ أي ] : في علمه ؛ على ما عرفته العرب ، والله أعلم , . وقوله - عز وجل - : { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً } . يحتمل قوله : { كَآفَّةً } أي : مجتمعون ، أي : قاتلوهم مجتمعين على ما يقاتلونكم هم مجتمعين . ويحتمل : { كَآفَّةً } ، أي : جماعة . ويحتمل : { كَآفَّةً } : إلى الأبد ، إلى يوم القيامة ، أي : قاتلوهم إلى الوقت الذي يقاتلونكم كما يقاتلونكم . { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } . في النصر والمعونة . وقوله - عز وجل - : { إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ … } الآية [ التوبة : 37 ] . كأن هذه الآية والتي قبلها قوله : { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً } [ التوبة : 36 ] في مشركي العرب ، وسائر الآيات التي قبلها وهو قوله : { ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } [ التوبة : 31 ] وقوله : { إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ } [ التوبة : 34 ] في أهل الكتاب . يخبر أن ملوك العرب اتخذوا أنفسهم أرباباً والأتباع عبيداً من دون الله حتى يتبعوهم في جميع ما يحلونه ويحرمونه ، كما أن اليهود والنصارى اتخذوا أنفس أولئك عبيداً ؛ فكأنه قال للمؤمنين : إن ملوك العرب وأحبار اليهود ورهبان النصارى اتخذوا أنفسهم أرباباً ، والأتباع عبيداً ، فأنتم يا معشر المؤمنين لا تتخذوا أنفسكم أرباباً ، والأتباع عبيداً .