Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 67-70)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } . ذكر [ في ] أهل الإيمان [ أن ] بعضهم أولياء بعض بقوله : { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [ التوبة : 71 ] ، وذكر في الكافرين الولاية لبعضهم ببعض بقوله : { وَٱلَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [ الأنفال : 73 ] ، وقال في المنافقين : { بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } ، فهو - والله أعلم - أن لأهل الإيمان ديناً يدينون به ويتناصرون ، ويدعون الناس إليه ، وأهل الكفر يدينون - أيضاً - بدين ويتناصرون به ، ويعاون بعضهم بعضاً ؛ فصار لكل واحد من الفريقين موالاة فيما بينهم : موالاة الدين . وأما المنافقون : فإنه لا دين لهم يدينون به ، ولا مذهب ينتحلونه ، ولا يناصر بعضهم بعضاً ، ولا يعاون بعضهم بعضاً ، ولا يجري بينهم التناصر والتعاون ، فإنما هم عباد النعمة والسعة ، مالوا حيثما مالت النعمة والسعة فلا موالاة بينهم لما ذكرنا . وفي قوله : { وَٱلْمُنَافِقَاتُ } دلالة أن من نافق بالتقليد لآخر [ أو كفر بالتقليد لآخر ] أو نافق لا بتقليد - سواءٌ في استيجاب الإثم والتعذيب في ذلك والوعيد ؛ لأن النساء هن أتباع وأهل تقليد للرجال ، ثم سوى بينهم وبين النساء في الوعيد . وقوله - عز وجل - : { يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ } . يحتمل قوله : { يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ } ، أي : ما تنكره العقول ، وهو الشرك بالله والخلاف له . { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ } ، أي : ينهون عما تعرفه العقول وتستحسنه ، وهو التوحيد لله والإيمان به ، ويدخل في ذلك كل خير وحسن ، وفي المنكر يدخل فيه الشرك وكل معصية . وقوله - عز وجل - : { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } . من الإنفاق في سبيل الخير ، لكن يحتمل أن يكون على التمثيل لا على تحقيق قبض اليد ، ولكن على كف النفس ومنعها من الاشتغال بالخيرات وخوضها فيها وفي جميع الطاعات ، لكنه ذكر اليد ؛ لما بالأيدي يعمل بها ويكتسب الخيرات والسيئات ؛ كقوله : { ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ * ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } [ آل عمران : 181 - 182 ] ، وذلك مما لم تقدمه الأيدي ولا كسبت ؛ إنما ذلك كسب القلب ، لكنه ذكر اليد ؛ لما ذكرنا أنه باليد ما يقدم وبها يقبض في الشاهد ، وجائز أن يكون ما ذكر من قبض اليد كناية عن بخلهم وقلة إنفاقهم في الجهاد ؛ كقوله : { وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } [ التوبة : 54 ] . وقوله - عز وجل - : { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } . قيل : جعلوا الله - عز وجل - كالشيء المنسي لا يذكرونه أبداً ؛ فنسيهم ، أي : جعلهم كالمنسيين في الآخرة من رحمته لا ينالونها ويحتمل { نَسُواْ ٱللَّهَ } ، أي : نسوا نعم الله التي أنعمها عليهم فلم يشكروها ؛ فنسيهم على المجازاة لذلك ، وإن لم يكن نسيانا ؛ كما سمي جزاء السيئة سيئة ، وإن لم يكن الثاني سيئة ؛ فعلى ذلك ذكر النسيان على مجازاة النسيان ، وإن لم يحتمل النسيان . والثالث : { نَسُواْ ٱللَّهَ } ، أي بسؤال المعونة والنصرة وسؤال التوفيق ؛ فنسيهم الله ، أي : لم ينصرهم ولم يوفقهم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } . فإن قيل : اسم النفاق أشر وأقبح من اسم الفسق ؛ فما معنى ذكر الفسق لهم ؟ ! فهو - والله أعلم - لأنهم كانوا يظهرون الموافقة للمؤمنين باللسان ؛ فأخبر أنهم ليسوا على ما أظهروا ، والله أعلم . أو أن يكون اسم النفاق أشر وأقبح عند الناس من اسم الفسق ؛ فيحتمل عندهم أن يكون اسم الفسق أكبر في القبح . أو سماهم فاسقين ؛ لما أن كل أهل الأديان يأنفون عن [ النسبة إلى ] الفسق والتسمية به . أو أن يكونوا يعلمون في أنفسهم أنهم أهل نفاق ، ولا يعرفون أنهم فسقة . وأصل الفسق : هو الخروج عن أمر الله . وقوله - عز وجل - : { وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ } . كأن جهنم هي المكان الذي يعذبون فيه والنار فيه بها يعذبون . { خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ } . أي : حسبهم جزاء لصنيعهم ، يقول الرجل لآخر : حسبك كذا ، أي : كفاك ذلك جزاء ذلك . وقوله : { وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } . قيل : اللعن : هو الطرد في اللغة ، أي : طردهم عن رحمته . { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } . لا يفارقهم ألبتة . وقوله - عز وجل - : { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً } . أي : هؤلاء المنافقون والكفرة كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وبطشاً . { وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً } . في الشاهد : إنما يدفع العذاب أو العقوبة لهذا ، وبه يتناصرون بعضهم من بعض ، ثم لم يقدروا على دفع ذلك عن أنفسهم ، فأنتم دونهم في القوة وما ذكر ؛ كيف تقدرون على دفع ذلك ، هذا قد قيل . وقيل : { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } : أي : صرتم بما اخترتم من الأعمال كما صار أولئك بما اختاروا من الأعمال ، وكل أنواع الخلاف لله ، وتكذيب الرسل ، وتعاطي ما لا يحل ، فصرتم أنتم كما صاروا هم . { فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ } . قيل : انتفعوا بخلاقهم ، أي : أكلتم أنتم الدنيا بدينكم كما أكل أولئك الدنيا بدينهم . وقيل : { فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ } أي بنصيبهم من الدنيا ولم يقدموا شيئاً للآخرة . والخلاق : النصيب ؛ كقوله : { أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } [ آل عمران : 77 ] أي : لا نصيب لهم . وقال أبو هريرة : الخلاق : الدين ، وكذلك قال الحسن في قوله : { بِخَلاقِهِمْ } ، أي : بدينهم . وقوله - عز وجل - : { وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ } . أي : خضتم في الباطل والتكذيب كالذي خاض أولئك من الأمم الخالية . قال أبو عبيدة : قوله : { وَخُضْتُمْ } ، أي : لعبتم { كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ } ، أي : لعبوا بالتكذيب . { أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلآخِرَةِ } . فلا ثواب لها في الدنيا والآخرة ؛ لأنها كانت في غير إيمان ، فثواب الأعمال إنما يكون في الآخرة بالإيمان . { وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } . خسراناً مبيناً ، وبطلان أعمالهم في الدنيا لما يقبل واحد من الفريقين من المؤمنين والكفار صنيعهم ؛ لأنهم يرون من أنفسهم الموافقة لكل واحد منهما ، وما كانوا مع واحد من الفريقين ؛ كقوله : { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذٰلِكَ لاَ إِلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ وَلاَ إِلَى هَـٰؤُلاۤءِ } [ النساء : 143 ] . وقوله - عز وجل - : { أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ … } إلى أخره . يحتمل هذا وجهين : أحدهما : قوله : { أَلَمْ يَأْتِهِمْ } ، أي : قد أتاهم خبر الذين من قبلهم وما حلّ بهم وما انتقم الله منهم ؛ بتكذيبهم الرسل وسعيهم في قتلهم وهلاكهم ، وهم من جنس أنفسكم ، وأشد قوة وبطشاً منكم ، وأنتم تقلدونهم في ذلك ، ثم حل بهم ما حل بتكذيبهم [ الرسل ] والخلاف لهم ، فأنتم دونهم في كل شيء ، وأقل منهم في القوة والبطش - أولى بذلك أن يصيبكم . و [ الثاني ] : يحتمل قوله : { أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي : يأتيهم نبأ الذين من قبلهم وما حل بهم ؛ كقوله : ألم تر كذا ، أي : سترى ؛ فعلى ذلك هذا يحتمل ، وهو حرف وعيد ، يحذرهم ما حل بأولئك ؛ ليمتنعوا عن مثل صنيعهم . وقوله - عز وجل - : { وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ } . قال أهل التاويل : [ هي ] قربات لوط … مؤتفكات : أي منقلبات . قال القتبي : ائتفكت ، أي انقلبت . وقال أبو عوسجة : المؤتفكات : هي من الإفك ؛ وهو الصرف { أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } [ المائدة : 75 ] أي : يصرفون . وقال بعضهم : المؤتفكات : المكذبات ؛ { أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } فكذبوهم فأهلكوا . وهو من الانقلاب ؛ كأنه أشبه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ } . بتعذيبه إياهم ، ولا يعذبهم وهم غير مستوجبين لذلك العذاب ، ولكن هم ظلموا أنفسهم ؛ حيث كذبوا رسله وردوا ما جاءوا به من البينات والبراهين .