Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 71-72)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } . يحتمل قوله : { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } على الإيجاب والإخبار أن الدين الذي اعتقدوا أو تمسكوا به يوجب لهم الولاية ، ويصير بعضهم أولياء بعض ؛ كقوله : { إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ … } [ آل عمران : 103 ] الآية ، وقوله : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [ الحجرات : 10 ] ونحوه ، فهي أخوة الدين وولايته . ويحتمل قوله : { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } : على الأمر ، أي : اتخذوا بعضكم أولياء بعض ، ولا تتخذوا غيركم أولياء ؛ كقوله : { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ } [ المائدة : 51 ] وقوله : { لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ } [ الممتحنة : 1 ] نهى المؤمنين أن يتخذوا أولياء من غيرهم ، فكأنه أمر أن يتخذ المؤمنون بعضهم بعضاً أولياء ، لا يتخذوا من غيرهم . ثم يحتمل الولاية وجهين : الأولى : ولاية روحانية ؛ وهي ولاية في الدين توجب مراعاة حقوق تحدث بالدين الذي جمعهم وحفظها . والثانية : ولاية نفسانية ؛ وهي الولاية التي تكون في الأنفس والأموال ؛ من نحو ولاية النكاح والميراث وغيره ، فهذه الولاية هي الولاية النفسانية التي كانت بالرحم والنسب ، فإذا اجتمعوا في دين واحد وجبت تلك الولاية لهم ؛ وهي الولاية نفسها . والولاية الروحانية هي [ المودة والمحبة ] ، فيجب مراعاتها بالدين وتعاهدها ، وهذا كما تقول : حياة روحانية وحياة جسدانية ، والحياة الروحانية : هي العلم والآداب ، يرى أشياء ويعرفها من بعد الحياة الجسدانية : وهي الروح الذي به يحيا الجسد ، وبذهابه يموت الجسد ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } . يحتمل المعروف : الذي توجبه العقول ، وهو التوحيد لله والإيمان به . { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } . أي : ينهون عما ينكر بالعقول ؛ وهو الشرك بالله والتكذيب له . وهذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [ هو ] فيما بين الكفرة ، يأمرهم المؤمنون بذلك ، ويدعونهم إلى ذلك ، وينهونهم عن ضدّ ذلك . وإن كان فيما بين المؤمنين فهو أمر شرع [ ونهي شرع ] يأمر بعضهم بعضاً بما جاء به الشرع ، وينهاه عما لم يجيء به الشرع . أو يأمر بعضهم بعضاً بكل خير وبرّ ، وينهى عن كل شرّ ومعصية . { وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في كل أمره ونهيه . { أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ } وعد أنه يرحمهم . { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } . قيل : { عَزِيزٌ } ترى آثار عزه في كل شيء ، { حَكِيمٌ } : ترى آثار حكمته وتدبيره في كل شيء . وقوله - عز وجل - : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } . أي : رضاء الله عنهم أكبر من كل ما أعطاهم ؛ لأن فيه حياة الروح ولذته ، وما أعطاهم من الجنة والمساكن الطيبة فيه حياة الجسد ولذته ، وحياة الروح أرفع وأكبر من حياة الجسد ؛ لأنه لا يؤثر زيادة في الجسد ، كذلك العز والحمد ، وذكر الحسن فيه حياة الروح ولذته ؛ إذ ليس فيه زيادة في الجسد ، إنما هو فرح وسرور يدخل فيه ، وإذا أصابه شيء من الذل أو سمع مكروهاً ، حزن واهتم من غير أن يتألم جسده أو يجد ألماً وشدة في نفسه ، وذلك لما أصاب روحه لم يصب جسده ، وأصله أن العمل في الدنيا لطلب مرضاة الله ، ومرضاته أكبر من العمل لطلب ثوابه ؛ لأن العمل لطلب [ رضائه أمر عليه ، والعمل لطلب ] الثواب أمر له ، فالذي قام بأداء ما عليه أعظم درجة وأكبر فضلاً من الذي قام بعمل ما له ؛ لأن كل أحد يعمل ما له وله فيه نفع ، ولا كل أحد يعمل لغيره ؛ لذلك كان ما ذكر . وقوله - عز وجل - : { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } . لأنه فوز ونجاة ، لا خوف بعده ، ولا هوان ولا ذل .