Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 90-92)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ } . قال بعضهم من أهل التأويل : المعذرون هم الذين يستأذنون في القعود ولا عذر لهم في ذلك . وقال الكلبي : المعذرون هم الذين لهم عذر وبهم علة . وبعضهم قال : المعذرون : هم المعتدون . [ و ] روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قرأ " المعذرون " بالتخفيف ، وقال : لعن الله المعذِّرين ؛ كأنه ذهب إلى أن المعذر هو الذي له عذر ، والمعذِّر بالتشديد : الذي لا عذر له ؛ لذلك لعن المعذِّر . قال أبو معاذ : وأكثر كلام العرب المعذر الذي له عذر ، وهو قولهم : قد أعذر من أنذر . وقال أبو عوسجة : - المعذر بالتشديد - : الذي لا يناصح ، إنما يريد أن يعذر ، ويقال : عذرت في الأمر : إذا لم تبالغ فيه ؛ وأعذرت في الأمر ، أي : بالغت فيه . وقال القتبي : المعذرون - بالتشديد - : هم الذين لا يجدون [ ما ينفقون ] ، إنما يعرضون ما لا يريدون أن يفعلوه ؛ يقال : عذرت في الأمر : إذا قصرت ، وأعذرت : جددت . ثم قال بعض أهل التأويل : دل هذا على أن أهل النفاق كانوا صنفين : صنف كانوا يستأذنون [ في ] القعود ، وصنف لا يستأذنون ، ولكن يقعدون بقوله : { وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ } . دلّ قوله : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } على أن من أهل النفاق من قد آمن ، وأن من تاب يقبل ذلك منه ؛ لأنه قال : { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ولم يقل : سيصيبهم عذاب أليم . وقال بعضهم : المعذرون - بالتخفيف - : هم المؤمنون الذين لهم عذر في التخلف ، أتوا رسول الله لينظر في أمرهم الأوفق : إن كان الخروج لهم أوفق يخرجون ، وإن كان القعود أوفق يقعدون ؛ يدل على ذلك الآية التي تتلو هذه وهي قوله - عز وجل - : { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ } الآية . فإن قيل : كيف احتمل أن تكون آية واحدة في فريقين مختلفين ، إذا قرئ بالتخفيف فهي في الذين لهم عذر ، وإذا قرئ بالتشديد فهي في الذين لا عذر لهم ؟ قيل : تصير على اختلاف القراءة كآيتين في حالتين ووقتين مختلفين ، إن كان تأويل المعذر بالتشديد هو الذي يعتذر ولا عذر له ، والمعذر - بالتخفيف - هو الذي له عذر . أو كان تأويل إحدى القراءتين على ضد الأخرى كان لهم عذر في حال ، ولا عذر لهم في حال أخرى ، وإلا لا يحتمل أن تكون القراءتان جميعاً في وقت واحد ، وتأويلهما على الاختلاف الذي ذكروا ، وهو كقوله : { فَقَالُواْ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا } [ سبأ : 19 ] و { رَبَّنَا } بالرفع { بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا } [ سبأ : 19 ] أحدهما : على الدعاء ، والآخر : على الإيجاب ، هما آيتان صارتا آية واحدة لاختلاف القراءة ، والله أعلم . وقوله : { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ } . لو لم يذكر المرضى ولا الذين لا يجدون ما ينفقون ، لكان المفهوم من قوله : { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ } المرضى والذي لا يجد ما ينفق . وكذلك إذا ذكر المريض كان في ذكره ما يفهم منه كل ضعيف ، وكل ما لا يجد ما ينفق . وفي كل حرف من هذه الحروف ما يفهم منه معنى الآخر ، فلما ذكر دل أن المراد من ذكر الضعفاء الزمنى ؛ من نحو الأعمى والأعرج ، فكان كقوله : { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ } [ النور : 61 ] ، فتكون الآيتان واحدة ؛ أعني : معناهما واحد . وفيه دلالة أن ليس في ذكر عدد من الأشياء حظر دخول غير المذكور في حكم المذكور إذا كان في معناه ؛ ولهذا قال أصحابنا : إنه ليس فيما ذكر رسول الله عدد في الربا بقوله : " والحنطة بالحنطة ، والذهب بالذهب ، والفضل ربا " على أنه لا لمعنى ورد ، ولا يدخل فيه ما لم يذكر ؛ لما ذكرنا أنه لو ذكر الضعفاء لذكر المريض ، والأعمى ، والأعرج ، وجميع من ضعف عن الخروج من أنواع الأعذار ، ثم لم يدل ما ذكر من العدد وتخصيصه على أنه لا لمعنى ذكر ؛ فعلى ذلك خبر الربا . ثم جعل العمى والعرج والمرض وعدم النفقة ونحوه عذراً في ترك الخروج ، ولم يجعل شدة الحر وبعد المسافة ونحوه عذراً بقوله : { وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً } [ التوبة : 81 ] . وأصله - والله أعلم - : أن كل ما لم يعمل في المنع عن الخروج لشهوة ، أو لطمع يرجو نيله من التجارة ونحوها - لم يكن ذلك عذراً في ترك الخروج ؛ إذ شدة الحرّ وبعد السفر وخوف العدوّ مما لا يمنعهم عن الخروج للتجارة ، فلم يصر ذلك عذراً في التخلف عن الخروج للجهاد ، وأما حال المرض والزمانة وعدم النفقة فيمنعهم ويعجزهم عن الخروج في كل ما يهوون ويشتهون ، فصار ذلك عذراً لهم بالتخلف عن الخروج للجهاد . والثاني : أن كل ما يقدر على دفعه بحال لم يجعل ذلك عذراً في التخلف ، وكل ما لا سبيل لهم إلى دفعه فهو عذر ، والحر وبعد السفر وخوف العدو يجوز أن يدفع فيصير كأن ليس ، وهو ما ذكر : { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً } [ التوبة : 81 ] ، فإذا ذكر شدة حر جهنم وبعد سفر الآخرة وأهواله ، هان عليه الخروج وسهل ، فارتفع ذلك ؛ فلذلك صار أحدهما عذراً والآخر لا ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } . قيل : لم يخدعوا أحداً في دينه ، ولم يغشوه في دنياه . وقيل : { إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } ، أي : أطاعوا الله ورسوله في الحضرة ، ولم يتركوا طاعته . [ وقوله : { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } أي : ما على المحسنين من سبيل في تركهم الخروج إذا لم يقدروا على الخروج ؛ لما ذكرنا من الزمانة وعدم ما ينفقون ] . وقوله - عز وجل - : { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . بتركهم الخروج وتخلفهم عن الجهاد مع أصحاب الأعذار . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } . ذكر في بعض الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لولا أن أشق على أمتي - أو قال : على المؤمنين - وإلا لخرجت في كل سرية بعثتها " ؛ لأنهم لا يجدون ما ينفقون فيخرجون ولا أجد ما أحملهم عليه ، فيشق عليهم مفارقتهم إيانا ، فلا حرج بتركهم الخروج إذا لم يجدوا ما ينفقون ولا [ ما ] يحمل عليه .