Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 97-99)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً } [ يحتمل هذا وجهين : يحتمل : طائفة من الأعراب أشد كفراً ونفاقاً ] وهو أن رسول الله دعا كفار المدينة ومنافقيها ، فأيأس عن إيمانهم بقوله : { فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ … } [ التوبة : 95 ] الآية ، فلما أيس عن إيمان هؤلاء ، أقبل نحو طائفة من الأعراب الذين كانوا بقرب المدينة وحواليها ، فأخبر أنهم أشدّ كفراً ونفاقاً من أهل المدينة . ويحتمل أنه أراد الأعراب جملة أنهم أشدّ - أي : الكفار منهم وأهل النفاق - كفراً ونفاقاً من أهل الأمصار والمدائن ، فهو لوجهين : أحدهما : أن أهل الأمصار والمدن كانوا يسمعون الآيات والحجج ، ويخالطون أهل رحمة ورأفة ، وأهل مودة ، وأما الأعراب وأهل البادية فكانوا لا يسمعون الآيات والحجج ، ولا خالطوا أهل رحمة ورأفة ، فهؤلاء أقسى قلوباً وأضيق صدوراً وأهل المدن والأمصار [ ألين قلوباً وأوسع صدوراً ، فهم أسرع للإجابة وأولئك أبعد وأبطأ إجابة . والثاني : أنهم وصفوا بأهل الجهل ما لم يوصف أهل المدن والأمصار ] بذلك ما روي عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يؤمنكم أعرابي " ، وفي بعضها : " لا يؤمن أعرابي مهاجراً " ، وفي بعض الأخبار : " من بدا جفا " ؛ وذلك - والله أعلم - لأنهم كانوا لا يدخلون الأمصار والمدن ليتأدبوا ويتعلموا الآداب ، فإذا كانوا كذلك فهم أجهل ، والإيمان هو التصديق ، والتصديق إنما يكون بعد العلم ؛ لأنه ما لم يعلم لم يصدق ، فإذا كانوا بالجهل ما وصفنا ، كانوا أشد إنكاراً وتكذيباً من غيرهم ، وهو ما ذكر : { ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } [ التوبة : 97 ] ، وصفهم بالجهل ، وبالجهل يكون التكذيب ، وبالعلم يكون التصديق ، وهو ما ذكرنا . وأجدر وأخلق وأحرى واحد . وقوله - عز وجل - : { حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } . قال بعضهم : هم أقل علماً بالسنن . وقيل : بالفرائض . ويقال : الحدود ما بين من طاعة الله ومعصيته . وأصله : أنهم أهل جهل بجميع الأوامر ، والمناهي ، وجميع الآداب ، وما لا يحل وما يحل . { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } . أي : على علم بما يكون منهم خلقهم . { حَكِيمٌ } . حيث وضع الخلائق بموضع يدل على وحدانيته وألوهيته ، لو تدبروا فيه ونظروا . وقوله - عز وجل - : { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً } . أي : كان لا ينفق حسبة . وقال بعضهم : ينفق ولا يراه حقّاً ، إنما يراه غرماً يلحقه ، وغرما يغرمه . وأصله : أنهم لو كانوا علموا حقيقة أنهم وما حوته أيديهم لله ليس لهم ، [ لم ] يعدوا ذلك غرماً وتبعه [ لحقتهم ، ولكن لما لم يروا لله تعالى في أموالهم حقّاً ولم يعلموا أن أموالهم لله حقيقة لا لهم عدوا ذلك غرماً وتبعة ] . وقوله - عز وجل - : { وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } . قيل : الدوائر : هو انقلاب الأمر ، وهو من الدوران . ثم يحتمل قوله : { وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ } : ما قال بعضهم : موت محمد . وقيل : دوائر الزمان وحوادثها . { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } ، أي : عليهم انقلاب الأمر وعليهم ما تربصوا على المؤمنين . وقوله : { وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } . ليس على حقيقة الإنزال من موضع ، ولكن على خلق ذلك ؛ كقوله : { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ } [ الزمر : 6 ] ، { يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً } [ الأعراف : 26 ] . وقوله : { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } : لما قال ، { عَلِيمٌ } : بما أسروا وأضمروا . وقوله - عز وجل - : { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ } . ذكر في الآية أن من الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ليعلم أن قوله : { ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً } كان في طائفة مشار إليها ، لا كل الأعراب ؛ لأنه ذكر - هاهنا - أن منهم من ينفق ويتخذ ما ينفق قربات عند الله ، وذكر في الآية الأولى أن منهم من يتخذ ما ينفق مغرما ، أي : لا يراه حقّاً واجباً ، ولكن غرما يلحقه ، ومنهم من يرى ذلك حقّاً لله واجباً في أموالهم ، فيجعلون ذلك قربة لهم عند الله ، وأولئك يرونه غرماً لحقهم ، لا قربة . ثم في الآية خوف دخول المؤمنين في وعيد هذه الآية ، الذين لا يؤدون الزكاة ، ولا ينفقون ، وخوف لحوق النفاق ؛ لأنه أخبر أنهم يتخذون ما ينفقون مغرماً ، فمن ترك أداءه إنما يتركه ؛ لأنه لا يرى ذلك حقّاً ؛ لأنه لو رأى ذلك حقّاً واجباً لأداه على ما أدى غيره من الحقوق ، أو لو كان موقناً بالبعث لأنفق وجعل ذلك قربة له عند الله ؛ لأنّ المؤمن إنما ينفق ويعمل للعاقبة ، فإذا ترك ذلك يخاف دخوله في وعيد الآية ، ولحوق اسم النفاق به ، وإن كنا لا نشهد عليه بذلك . وقوله : { وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ } . قال بعضهم : جعلوا ما أنفقوا قربات عند الله بصلوات الرسول ؛ لأنهم إذا أنفقوا كان الرسول يدعو لهم بذلك ويستغفر ، فكان ذلك لهم قربات عند الله باستغفار الرسول ودعائه . وقال بعضهم : جعلوا ما أنفقوا وصلوات الرسول قربات عند الله ، ويكون لهم ما أنفقوا قربة عند الله ، وصلوات الرسول طمأنينة لهم وبراءة من النفاق ؛ لأن الرسول كان لا يدعو لأهل الكفر والنفاق ، فإذا دعا لهؤلاء وصلى عليهم كان ذلك طمأنينة لقلوبهم ، وعلماً لهم بالبراءة من النفاق ؛ وعلى ذلك يخرج قوله : { إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ } [ التوبة : 103 ] ، أي : تسكن قلوبهم بصلاة الرسول وتطمئن بأنهم ليسوا من أهل النفاق ، وأنهم برآء من ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ } . ذكر هذا مقابل ما ذكر في الآية الأولى ، وهو قوله : { وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } ، أخبر - هاهنا - أن ما يتربصون هم بهم من الدوائر عليهم ذلك ، وهاهنا أخبر أن ما ينفق المؤمنون ويطلبون بذلك قربة عند الله أنها قربة لهم . ثم وعدهم الجنة بقوله : { سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ } ، أي : جنته ، سمى جنته رحمة ؛ لما برحمته يدخلون ، لا استيجاباً لهم منه بذلك ، بل رحمة منه وفضلاً . { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } : لما كان منهم من المساوئ والشرك إذا تابوا وآمنوا ، { رَّحِيمٌ } : حيث لم يؤاخذهم بذلك .