Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 13-17)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال سبحانه مهدداً مقسماً : { وَ } الله يا أهل مكة { لَقَدْ أَهْلَكْنَا } بمقتضى قهرنا وجلالنا { ٱلْقُرُونَ } الماضية { مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ } أي : حين ظلموا مثل ظلمكم ، وخرجوا عن إطاعة الله وإقامة حدوده مثل خروجكم { وَ } هم أيضاً أمثالكم ، قد { جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } بالبراهين القاطعة ، والحجج الساطعة الدالة على صدقهم ؛ إنما جاءهم ليمتنعوا عمَّا هم عليه من الظلم والفساد { وَمَا كَانُواْ } أي : أولئك الأمم { لِيُؤْمِنُواْ } لهم ، ويصدقوهم فيما جاءوا به أمثالكم ، بل كذبوهم وأصروا لهم على ما هم عليه ، بل زادوا عليها ؛ عناداً ومكابرةً ، فأخذناهم بظلمهم ، وأهلكناهم بإصرارهم بعدما نبهنا عليهم فلم ينتبهوا { كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } [ يونس : 13 ] المصرين على الجرم مع ورود الزواجر والروادع . { ثُمَّ } بعد إهلاكهم واستئصالهم { جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ } أي : استخلفناكم ، فهم خلفائه { فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم } مختبرين ، مبتلين أمثالهم { لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [ يونس : 14 ] أتعملون الخير فيجازيكم خيراً ، أم تعملون الشر فيجازيكم شراً ، مثل ما جزيناهم ؟ . { وَ } هم كانوا من شدة انهماكهم في الغفلة والضلال { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } أي : مع كونها مبينات لأحوال النشأة الأخرى وأهوال عذابها ونكالها { قَالَ } الكافرون : { ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } بل ينكرون الحشر والنشر ، والثواب والعقاب ، وجميع ما يترتب على النشأة الأخرى ، فكيف لقاءنا فيها { ٱئْتِ } أيها الداعي من عند ربك { بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ } القرآن إن أردت أن نؤمن لك { أَوْ بَدِّلْهُ } وغيِّر بعض آياته المشتملة على الإنذارات والتخويفات الشديدة ، فإنا لا طاقة لنا بها . إنما يقصدون بقولهم هذا استهزاءً وسخريةً برسول الله ، واستخفافاً بكتاب الله { قُلْ } يا أكمل الرس في جوابهم : { مَا يَكُونُ } أي : ما يصح ويجوز { لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ } وأحرفه { مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ } على مقتضى أهويتكم الفاسدة { إِنْ أَتَّبِعُ } أي : ما أتبع وانتطر { إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ } وليس في وسعي وطاقتي سوى الاتباع والانتظار ، وكيف أتصرف فيه { إِنِّيۤ أَخَافُ } بمجرد استماع قولكم هذا العصيان على نفسي ، فكيف { إِنْ عَصَيْتُ } بقصد التبديل والتغير ؟ { رَبِّي } استوجبت { عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ يونس : 15 ] كما استوجبتم بسوئكم هذا على سبيل الاقتراح والإلحاح . { قُل } أيضاً لهم إلزاماً وتبكيتاً : { لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ } أي : لو تعلق مشيئته غير هذا المتلو { مَا تَلَوْتُهُ } أنا ، وما أوحاه علي ، وما أجراه على لساني { عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ } وأعلمكم على لساني ، ولكن تعلق بمشيئته بهذا فأوحاه وأجراه { فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً } مدة أربعين سنة { مِّن قَبْلِهِ } أي : قبل وحي القرآن بلا تلاوة وإدراء وإعلام { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ يونس : 16 ] وتستعملون عقولكم في هذا الأمر ، ولا تدبرون وتدربون فيه مع أنكم متدربون بأساليب الكلام ، متبالغون فيه أقصى الغاية . { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } ونسب إليه ما لم يصدر عنه ؛ افتراءً ومراءً { أَوْ كَذَّبَ بِآيَـٰتِهِ } التي صدرت عنه ، ونزلت على رسله وأنبيائه ؛ لإصلاح أحوال عباده ، وإرشادهم مبدأه ومعاده ، وبالجملة : { إِنَّهُ } سبحانه { لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ } [ يونس : 17 ] المفترون عليه بالأباطيل الزائفة ، المكذبون كلامه المنزل من عنده على رسله .