Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 36-41)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } بالجملة : { مَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ } أي : أكثر المشركين في إشراك هؤلاء المنحطين عن درجة الاعتبار مع الله المنزه عن الشريك مطلقاً { إِلاَّ ظَنّاً } وتخميناً ناشئاً من تخيلات فسادة ، وتوهمات كاسدة من إنشاء الآثار إلى ظواهر الأسباب ، مع الغفلة عن المسبب الموجد لها ، و { إِنَّ ٱلظَّنَّ } والتخمين الذي تشبثوا وتمسكوا به { لاَ يُغْنِي } ولا يفيد { مِنَ ٱلْحَقِّ } الصريح الذي هو مناط الإيمان والاعتقاد { شَيْئاً } من الإغناء { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لجميع مخايلهم { عَلَيمٌ } خبير بصير { بِمَا يَفْعَلُونَ } [ يونس : 36 ] على مقتضى ظنونهم وخيالاتهم وأوهامهم ، فيجازيهم على مقتضى علمه وخبرته . وبعدما نبه سبحانه على بطلان اعتقاداتهم وظنونهم وجهالاتهم ، أراد أن ينبه أن مستند أهل الإيمان الذي هو القرآن الموضح لهم طريق التوحيد والعرفان ليس كذلك ، فقال : { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ } المنزل على خير الأنام ، المبين لهم قواعد دين الإسلام { أَن يُفْتَرَىٰ } ويخيل أنه صدر { مِن دُونِ ٱللَّهِ } العليم الحكيم ، وكيف يصدر هذا من غير الله ؛ إذ هو في أعلى مراتب البلاغة ، ونهاية درجات الإعجاز ؛ ! لصدوره عن الحكمة المتقنة الإلهية التي كلت الأفهام دونها ، وعجزت المدارك والآلات عن دركها ، فلا يتوهم صدوره عن غير الله أصلاً { وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } مطابقاً ، كما نزل من عنده في الكتب السالفة ، بل هو أعلى حكمة ، وأتم به فائدة منها { وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ } الذي من عمله ولوحه قضائه ، وبالجملة : { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أنه نازل { مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ يونس : 37 ] ليس في وسع بشر أن يأتي بمثله . أيشكون نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } واخترعه من عنده ، ونسبه إلى الله ترويجاً وتعظيماً ؟ { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل : بعدما شككتم أنه من عند الله ، بل جزمتم بأه من عند غيره { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ } قصيرة { مِّثْلِهِ } في الفصاحة ورعاي المقتضيات والحكم والمطابقات ، ووجوه الدلالات والتمثيلات ، والتشبيهات والمجازات والكنايات { وَ } إن عجزتم أنتم { ٱدْعُواْ } واستظهروا { مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ } واستوثقتهم به { مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ يونس : 38 ] في دعواكم أنه من كلام البشر مفترى على الله . ثم لمَّا أفحموا على الإتيان ، وعجزوا عن المعارضة ، ومع ذلك لم ينصفوا ، أو لم يقروا بأنه معجز ليس من كلام البشر { بَلْ كَذَّبُواْ } بادروا إلى الرد والتكذيب { بِمَا } أي : بشيء { لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ } ولم يعلموا ويفهموا ما فيه من قرائحهم { وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } من معلم وملهم ، بل كابروا في تكذيبه بلا سند عقلي ونقلي { كَذَلِكَ } أي : مثل تكذيبهم هذا { كَذَّبَ ٱلَّذِينَ } مضوا { مِن قَبْلِهِمْ } أنبياءهم وكتبهم التي جاءوا به { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } [ يونس : 39 ] الخارجين عن مقتضى الأوامر ، المبادرين إلى تكذيب الله وتكذيب كتبه ورسله ، وما جرى عليهم من المصيبات الهائلة ، فانتظر يا أكمل الرسل لهؤلاء المكذبين ، المكابرين أمثالها . { وَمِنهُمْ } أي : من المكذبين المكابرين { مَّن يُؤْمِنُ بِهِ } أي : بالقرآن ، ويصدق بإعجازه في نفسه ويصر على التكذيب ؛ عناداً ومكابرةً { وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ } لغلط غشاوته ، وشدة قساوته وشكيمته { وَ } بالجملة : { رَبُّكَ } يا أكمل الرسل { أَعْلَمُ بِٱلْمُفْسِدِينَ } [ يونس : 40 ] المكذبين المعاندين الذين يفسدون في الأرض بأنواع الفسادات . { وَإِن كَذَّبُوكَ } وأصروا على تكذيبك ، مع وضوح دلائل صدقك { فَقُل } تبرياً وتنزيهاً : { لِّي عَمَلِي } أنا أُجزى بما أعلم { وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ } تُجزون أنتم أيضاً بما تعملون { أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ } منكرون له { وَأَنَاْ } أيضاً { بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [ يونس : 41 ] بأضعاف براءتكم ، فانتظروا بجزاء أعمالكم ، وأنا أيضاً أنتظر بجزاء عملي حتى يأتي وقت الجزاء .